الرئيس قيس سعيّد يستمر في “الهروب الممنهج” من الوضع التونسي
تونس ــ الرأي الجديد
ما يزال رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، يواصل “الهروب الممنهج” من الوضع في تونس، ويمارس نوعا من المزايدة السياسية، والطهورية والاستعلاء غير المقبول سياسيا وأخلاقيا.
وبعد الحديث عن “المتآمرين” و”الفاسدين” و”المناوئين” و”المجموعة الفاسدة” و”الغرف المظلمة” و”التاريخ” و”الله” و”الشعب”، وغيرها من التعبيرات التي لا تمت للقاموس السياسي بأي صلة، يستمر الرئيس في نهله من هذا “المخزون النفسي” الذي دأب عليه منذ أن صعد لرئاسة الجمهورية.
فخلال زيارته إلى ولاية القيروان، لمعاينة الأرض التي سيقام عليها مشروع مدينة الأغالبة الطبية، تحدّث قيس سعيّد عما وصفه بــ “مظاهر الإفلاس السياسي”، وليس “الإفلاس المالي”.
وتوجه إلى حركة النهضة بوضوح، دون أن يسميها قائلا: “يتحدثون كل يوم عن أن تونس على وشك الإفلاس، ولكن ترون بأعينكم اليوم مظاهر الإفلاس السياسي، وليس الإفلاس المالي… وترون الأموال كيف تهدر اليوم (السبت) في العاصمة”، في إشارة إلى مسيرة حركة النهضة..
وبمزايدة واضحة، لكنها تخلو من أيّ “قماش سياسي”، يتحدث رئيس الجمهورية عن الأموال المهدورة في هذه المسيرة، في مقابل “الناس” و”الشعب المسكين” و”البؤساء”، الذين لم يفعل لهم الرئيس شيئا منذ صعوده إلى الحكم، بل ليس ثمة مؤشرات تحيل على ذلك، أو تسير إليه، عدا هذا الكم من الأحقاد والغيظ الدفين، وكثير من “العنجهية السياسية” التي لم يستخدمها رئيس تونسي قبله مطلقا..
نحن أمام خطاب رئاسي يفتقر لــ “اللياقة السياسية”، ويستخدم عبارات عنصرية، تشجّع على الكراهية، التي يمنعها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وضدّ الثقافة الحقوقية الكونية، من خلال عبارة من الخطورة بمكان، وهي: “لستم مني ولست منكم”، مضيفا ــ مثل كل مرة ــ “ستحاسبون أمام الله، وبيننا الشعب والتاريخ”، في كلمة باتت ثقيلة على الأسماع، ركيكة المعنى، خالية من أي زخم تعبوي أو سياسي أو ديني أو ثقافي..
لا شك أن الطبقة السياسية ستتحمل مسؤوليتها إزاء هذا “الانتهاك المتواصل” لرمزية رئاسة الجمهورية، ولهيبة الدولة، التي باتت محلّ تندر الخاص والعام، الخارج قبل الداخل، فيما البلاد تغرق في وضع اقتصادي وسياسي وصحي، بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي كان هو سببها، دون أن تتعالى أصوات لتوقف هذا التردّي والهشاشة السياسية، بل العطل السياسي، الذي يبدو عليه أداء رئيس الجمهورية..
لم تتوقف الطبقة السياسية ولا المنابر الإعلامية بشكل مستفيض عند تصريح شديد الأهمية للأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، الذي قال قبل بضعة أيام فقط: “رئيس الجمهورية في برجه العاجي.. وفي خياله الخاص”، في إشارة إلى “مفارقته” للواقع التونسي..
لقد أضحى رئيس الجمهورية، “الجزء المعطّل” في المشهد التونسي، وهو يتبنّى معارك وخصومات بالوكالة عن بعض الأطراف السياسية والبرلمانية، فافتقد اليوم، لصفته كجامع للتونسيين، رافض للحوار الوطني الذي دعا إليه اتحاد الشغل، ورافض للحوار مع رئيسي الحكومة والبرلمان، ورافض للإنصات لأصوات العقل من سفراء ورؤساء دول، ورافض لمبادرات للخروج من الأزمة السياسية… رئيس متمسك بمقاربة، لا هو ينتمي إليها تاريخيا، ولا هي من أمهات أفكاره التي نعرفها، ولا الوضع في تونس يتحملها..