عندما تكون شراكات الاقتصاد “النيوليبرالي”.. شرعنة للنهب والاستغلال
بقلم : جنات بن عبد الله
كشف التقرير الأخير للبنك الدولي الصادر بتاريخ 16 جانفي 2025، بشأن “الافاق الاقتصادية العالمية”، أن البلدان النامية، ستواجه صعوبات أكبر مما عرفتها في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، في الوقت الذي سيواصل فيه الاقتصاد العالمي الحفاظ على استقراره.
ولعل ما يبعث على الاستغراب في هذا التقرير، المقاربة التي اعتمدها بخصوص العلاقة بين البلدان النامية والبلدان الغنية.
ففي الوقت الذي أقر فيه “بأن الاقتصاديات النامية تعتبر أكثر أهمية للاقتصاد العالمي”، بما يفترض مسايرة اقتصاديات البلدان النامية التطور والازدهار الذي تعرفه البلدان المتقدمة، يصدمنا التقرير بحقائق متناقضة، تقر بمزيد تفاقم الصعوبات في البلدان النامية. فهل هي استنتاجات واقعية وغير مبالغ فيها، تلك التي كشف عنها بخصوص مستقبل اقتصاديات البلدان النامية، أم أنها مجرد تخمينات، جاءت في أول تقييم منهجي لاداء هذه الاقتصاديات للربع الأول من القرن الحادي والعشرين؟
في خدمة نظام إقطاعي عالمي
لا يمكن للمطلع على مضمون هذا التقرير الأخير للبنك الدولي، أن يتجنب طرح مثل هذه التساؤلات البديهية حول ما توصل إليه بخصوص ما ينتظر شعوب البلدان النامية خلال الخمس وعشرين سنة المقبلة، والذي يبشرها فيه بغد أتعس مما عرفته خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
البطالة.. سوس ينخر اقتصادات إفريقيا
مما لا شك فيه أن خبراء البنك الدولي لم يدخروا أي جهد لاستغلال وتفكيك المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لهذه البلدان النامية، من زاوية متطلبات نظام عالمي تقوده اقتصاديات البلدان الغنية والمؤسسات المالية الدولية وهياكل منظمة الأمم المتحدة، الساهرة كلها، على تأمين مصالح القوى النافذة في العالم.
والأكيد أيضا أن هذا التقييم لم يخرج عن الإطار النظري – الفكري لليبرالية عرجاء، لا تعترف بحقوق العالم النامي وشعوبه، بل أن هذه الشعوب وخيراتها، تعدّ في خدمة نظام إقطاعي عالمي، جندت له كل الإمكانيات المالية والفكرية والتكنولوجية والسياسية والعسكرية، لتكريس وتعميق وتثبيت هذا النمط من العلاقات بين عالم في نمو غير متناهي، وعالم ثان يسمونه نامي في نوم غير متناهي.
ومن هذا المنظور لا نستغرب نتائج هذا التقرير التي تبشرنا، نحن شعوب العالم النامي، بغد أتعس، استنادا طبعا الى تحاليل كمية وكيفية في تناغم مع الفكر النيو- ليبرالي.
ولا يقف التقرير عند هذا المستوى من المعاناة التي تنتظرنا، بل يشير الى “أن الاقتصاديات النامية قد تواجه خلال العامين المقبلين أوضاعا سلبية خطيرة”.
شراكات.. تقوم على نهب الثروات
في المقابل، وبالتزامن مع نشر هذا التقرير، سلطت اجتماعات “منتدى دافوس” في دورته 55، التي جاءت تحت شعار “التعاون من أجل العصر الذكي”، الأضواء على القارة الافريقية، المصنفة ضمن البلدان النامية، باستثناء جمهورية جنوب إفريقيا، التي ألح المشاركون، على وضعها في قلب أجندة الشراكات العالمية، بل ذهبوا لاعتبارها طرفا أساسيا في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي، باعتبارها ــ وفق وجهة نظر المشاركين ــ تمتلك نحو 30 بالمائة من الموارد المعدنية في العالم، إلى جانب المساحات الشاسعة من الأراضي الفلاحية، والامكانيات الهائلة للطاقات المتجددة.
ماذا سيفعل الاقتصاد “النيوليبرالي” في معضلة فقر الدول النامية ؟
وفي هذا المستوى لم يتردد المشاركون عن الإعلان بكل بساطة، مغلفة بالنفاق “بأن مستقبل الاقتصاد العالمي يمر عبر تعزيز شراكات مستديمة مع أفريقيا”، وبكل وقاحة واستبلاه للآخر “بأن إفريقيا هي شريك استراتيجي وليس مورد اقتصادي”، وكأن العلاقات بين الطرفين، إفريقيا واقتصاديات نادي دافوس، عرفت في يوم من الأيام صفحة وردية خالية من النهب والاستغلال والتقزيم.
ومن منظور تقرير البنك الدولي، وباعتبار الأوضاع الصعبة التي تنتظرنا كبلدان نامية، بما في ذلك البلدان الافريقية، فإن هذه الشراكة الاستراتيجية، لن تكون خارج إطار الاستغلال والنهب.
وفي الأخير، فإنّ “إعلان دافوس”، لم يكن سوى “طريقة لشرعنة هذا النهب، ومزيد تثبيت أركان النظام الاقتصادي العالمي وقواعده، التي عانت منها البلدان النامية خلال العقود الماضية، وها أن تقرير البنك الدولي يبشرها باستمرار المعاناة، ربما لعقود، إن لزم الأمر..