الجزائر: اعتقالات تفتح الجدل حول مستقبل الحريات.. وهذا موقف “الموالاة” و”المعارضة”
الجزائر ــ الرأي الجديد / عثمان نصرة
شهدت الجزائر خلال اليومين الأخيرين، سلسلة اعتقالات وتوقيفات، طالت عدداً من النشطاء السياسيين الذين يعبّرون عن نظرة نقدية للأوضاع، بينهم من تبنّى وسم “مانيش راضي” على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يشير إلى عدم الرضا عن الوضع العام في البلاد.
وكان من بين الذين أثار توقيفهم جدلاً، الناشط السياسي عبد الوكيل بلام، الذي أُفرج عنه مساء الأحد، بعد التحقيق معه لساعات. ووفقاً لمصادر مقربة، اعتُقل بلام من أحد مقاهي العاصمة من قبل أفراد يرتدون زياً مدنياً، وتم اقتياده إلى مركز أمني للتحقيق، حيث يُعتقد أن الأسئلة ركزت على منشوراته عبر فيسبوك.
وبدا أن توقيف بلام كان في سياق حملة طالت عدة نشطاء، ما أعاد تسليط الضوء على تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير.
وأصدرت منظمة “شعاع” الحقوقية بياناً، أدانت فيه هذه الاعتقالات، ووصفتها بالتعسفية، مشددةً على أن “التعبير عن الرأي ليس جريمة. كما دعت المنظمة إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين واحترام حقوق الإنسان، والتزامات الجزائر الدولية في هذا المجال”.
وشدد البيان أيضاً على ضرورة توفير مناخ يضمن حرية التعبير والنقاش السلمي حول القضايا الوطنية، بدلاً من اللجوء إلى القمع.
وسمان هاشتاغ.. واعتقالات مكثفة
وكانت الساعات الأخيرة، قد شهدت مواجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين وسمين متضادين في الجزائر. الأول بعنوان “مانيش راضي” يهاجم السلطة الحاكمة، والثاني بعنوان “أنا مع بلادي”، أطلقه جزائريون رداً على ما اعتبروه حملة تستهدف زرع الفتنة داخل الجزائر.
ورغم تبنّيه من قبل بعض النشطاء، قوبل وسم “مانيش راضي” بهجوم عنيف من قبل مواقع وشخصيات جزائرية رأت فيه توجيهاً من جهات مغربية لزرع فتنة في الجزائر، في إطار الصراع القائم بين البلدين.
ما أثار الاشتباه حول هذا الوسم، أنه تحوّلَ إلى “ترند” في المغرب بدل الجزائر التي يستهدفها، ناهيك عن تبنّيه سريعاً من قبل جرائد مغربية وإفراد مقالات تتوقع حدوث ثورة في الجزائر.
وتزامن كل ذلك مع تلقي المعارض السياسي كريم طابو استدعاءً للمثول أمام قاضي التحقيق.
رقابة قضائية مصادرة للحريات
وقالت هيئة الدفاع الموكلة بالدفاع عنه، في بيان، إن هذا الاستدعاء جاء لتذكير طابو بالتزامات الرقابة القضائية المفروضة عليه، وعلى رأسها منعه من النشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكرت أن هذا الالتزام تم فرضه بشكل تعسفي وغير قانوني، إذ لا ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية، خاصة المادة 125 مكرر. وأشارت الهيئة إلى أن السياسي كريم طابو، الذي اعتاد نشر مقالات سياسية أسبوعية على صفحته الرسمية كل يوم إثنين، حُرم من حقه في التعبير عن آرائه السياسية، سواء بالتصريح أو الكتابة أو النشر.
ولفتت الهيئة إلى أن هذه الإجراءات تشكّل انتهاكاً واضحاً لحقوق كريم طابو وحرياته التي يكفلها الدستور، معتبرةً أن غياب آليات الحماية القانونية ضد مثل هذه القرارات التعسفية يزيد من حدة الانتهاك.
والمعروف أن طابو يوجد تحت إجراءات الرقابة القضائية منذ فترة، بعد تصريحات له في قناة “المغاربية” شارك فيها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، وهو ما دفع النيابة لمتابعته بعدة تهم، مع تقييده بإجراءات الرقابة القضائية التي تحد من نشاطه السياسي.
بين الموالاة.. والمعارضة
ويأتي هذا النقاش العام في وقت ارتفعت أصوات سياسية من جانب السلطة والمعارضة للدعوة لحوار وطني.
وتشدد الموالاة، في مقاربتها، على أن الجزائر مستهدفة، وهو ما يستدعي إنشاء جبهة وطنية موحدة لمواجهتها. وتستدل الموالاة بالظروف الإقليمية المتوترة، والحديث المتكرر من قبل جهات معادية حول اعتبار الجزائر هدفاً.
ومع أن المعارضة تقرّ بوجود تهديدات خارجية ضد الجزائر، إلا أن طرحها في مواجهة ذلك يختلف. حيث ترى أن التطورات الأخيرة في سوريا بسقوط نظام بشار الأسد، يجب أن تشكّل درساً في الجزائر، بحيث يدرك مسؤولو البلاد وجميع القوى الحية في المجتمع، ضرورة “تعزيز المؤسسات، وتطوير الحريات، وضمان الاستقرار والسلم الداخلي”، عبر “حوكمة عادلة، شاملة ومسؤولة”.