إسقاط حكم الأسد.. عودة الروح للربيع العربي
بقلم / قطب العربي
لم يكن أحد يحلم أن تنتصر السورة السورية بهذه الطريقة المفاجئة والدراماتيكية، 14 عاما من القتل والتدمير والبراميل المتفجرة، وقوات ومليشيات دولية من كل حدب وصوب تقاتل الشعب السوري، لكنه لم يفقد الأمل، وظل متمسكا بالحلم، إذ لم يكن مقبولا أن تذهب دماء مئات آلاف الشهداء هباء.
أخيرا فعلها السوريون، وأطاحوا بحكم عائلة الأسد التي حكمت سوريا نصف قرن، ولم تكن تتصور أن أحدا غيرها يمكن أن يحكم الشام، ورغم أن سوريا دولة جمهورية بالأساس إلا أنها تحولت إلى دولة “جملوكية”، أي جمهورية ملكية (والتعبير لأستاذ علم الاجتماع المصري الراحل سعد الدين إبراهيم). أسرة الأسد هي التي أسست للحكم الرئاسي الوراثي في المنطقة. حكم حافظ الأسد وزيرا للدفاع ورئيسا، ثم جهز ابنه الأكبر باسل ليخلفه، لكنه مات، فلم ييأس الأسد، بل جهز على الفور نجله الثاني بشار، وإلى جانب بشار تولى معه ملفات الحكم شقيقه ماهر، ولم تكن الأسرة لتسمح بخروج السلطة من أبنائها، لكن الثورة التي دفعت ثمنا باهظا أنهت حكم هذه الأسرة بغض النظر عن شكل الحكم المقبل.
عجيبة هي الثورة السورية، بدأت سلمية مثل غيرها في موجة الربيع العربي الأولى، ثم دفعها النظام دفعا للتسلح لمواجهة القتل والتدمير والبراميل المتفجرة، والجيوش الأجنبية التي استعان بها، ثم كان مشهد النهاية غير دموي إلى حد كبير رغم أنه اعتمد على الحسم العسكري، فلم تحدث اشتباكات ذات بال، ولا سقطت دماء كتلك التي كانت تسقط في يوم واحد في أيام المواجهة مع النظام، بل استسلمت قوات النظام تباعا، ويمكننا أن نقول إن الثورة نصرت بالرعب.
وحدة المعارضة.. كانت حاسمة
يظل درس الوحدة من الدروس المهمة، ففي الثورة السورية ظلت المعارضة المسلحة منقسمة، لكل منها أمير ومليشيا، وهو ما سمح لبعض القوى الأجنبية بتحريك بعضها، ولكن ضمن الاستعدادات لساعة الحسم تحركت تلك المعارضة نحو الوحدة، فانضوى الكثير من الفصائل تحت لواء هيئة العمليات العسكرية الموحد، التي قادتها هيئة تحرير الشام التي طورت كثيرا فكرها وممارساتها، وذلك إلى جانب الجيش الوطني السوري الحر، وتناسقت جهود كل الفصائل في عملية التحرير الأخيرة بين الشمال والجنوب، فكان النصر حليفهم.
هذا النصر هو انتصار لأطول وأصعب ثورة عربية، وهو فاتحة خير لباقي الثورات المغدورة، وإيذان بعودة الروح للربيع العربي الذي تعرض لضربات كبرى من الثورات المضادة التي قادتها حكومات وأجهزة مخابرات عربية وإسرائيلية وعالمية، لكنه لم يرفع الراية البيضاء في أي مكان، رغم جراحه، ورغم التنكيل الذي تعرض، ولا يزال يتعرض له منتسبوه، في مصر وليبيا واليمن وتونس.. إلخ، والعيون الآن على المحطة التالية لهذا الربيع ومن تكون؟
ينتقل الآن الثوار السوريون من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، المقصد هو إدارة الدولة سواء في المرحلة الانتقالية أو المرحلة الدائمة، ومن المفترض أن قادة الثورة أصبح لديهم الخبرة الكافية، وأمامهم التجارب المختلفة التي تفيدهم في إدارة مرحلة انتقالية ناجحة تقطع الطريق على الثورة المضادة التي لن تقف مكتوفة الأيدي نحوهم، خاصة العدو الملاصق وهو الكيان الصهيوني، كان خطاب أحمد الشرع (الجولاني) قائد هيئة تحرير الشام؛ صاحبة الدور الأكبر في الانتصارات الأخيرة، خطابا عاقلا، فاجأ أقرب الناس، وقد شرح الرجل سر هذا التطور بأنه خبرات الحياة، والمراحل العمرية من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج.
الجولاني.. مرحجلة جديدة
ورغم أن الجولاني لا يزال مصنفا إرهابيا هو وجماعته، وقد رصدت واشنطن الملايين لمن يدلي بمعلومات تسهم في اعتقاله، إلا أن واشنطن الآن في موقف صعب، وعلى الأرجح ستراجع موقفها وقرارها، وكان التمهيد لذلك بظهوره على شاشة أكبر قناة أمريكية (cnn) ثم صحيفة نيويورك تايمز، وهو ما أسهم في تعديل الصورة لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي عنه.
ليس صحيحا أن انتصار الثورة السورية هو خصم من الثورة الفلسطينية، وخصم من حالة المقاومة الفلسطينية، كما يدعي الذين فقدوا نفوذهم في سوريا، بل الصحيح أن تحرر إرادة أي شعب عربي هو إضافة حقيقية للقضية الفلسطينية التي حرمت من دعم الشعوب العربية خلال طوفان الأقصى، بسبب قمع الحكام لهذه الشعوب، ولم تكن القضية الفلسطينية بعيدة عن وعي ثوار سوريا الذين رفعوا علم فلسطين فوق قلعة حلب كرسالة رمزية؛ تبعتها رسائل أخرى من قلب الميادين على لسان سوريين دعما للمقاومة الفلسطينية ودعما لغزة، بل حاول بعض الثوار التحرش مبكرا بالعدو الصهيوني عقب تحرير القنيطرة مباشرة وهو ما أعلنه الكيان الصهيوني نفسه.
سوريا دولة مركزية في الوطن العربي، وستكون سوريا الحرة أكثر فائدة وفعالية لأمتها، بعد أن ظلت سياساتها منصبة على حماية حكم أسرة الأسد، ورهن إرادة سوريا لقوى إقليمية وفرت الحماية لهذا الحكم الطائفي، على حساب حرية الشعب وكرامته.