لبيبراسيون: قيس سعيد يهرب إلى الأمام باعتقال معارضيه
باريس ــ الرأي الجديد (صحافة عالمية)
ما يزال الرئيس التونسي، قيس سعيد، يستخدم أسلوب القمع مع معارضيه، من الاعتقالات على خلفية سياسية، وليس انتهاء باتهامات التعذيب التي يتعرض لها بعضهم.
ونشرت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الاعتقالات الجماعية للمعارضين في تونس وسط اتهامات بممارسة التعذيب ضدهم، وتصاعد الجدل حول استبداد الرئيس سعيّد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن المحامين التونسيين، الذين تظاهر بعضهم لفترة وجيزة يوم الخميس 16 ماي في العاصمة، ثاروا ضد رئيس الدولة واتهموه بزيادة القمع ضد خصومه، وخاصة أعضاء نقابتهم.
وتجمّع مئات المحامين هناك يوم الخميس 16 ماي وهم يهتفون “الحرية، الحرية، انتهى النظام البوليسي” للتنديد بالعنف ضد أحد زملائهم. وفي اليوم السابق، نُقل المحامي مهدي زغروبة بشكل عاجل إلى المستشفى في سيارة إسعاف، بينما كان القاضي يستمع إليه. ومنذ يوم السبت 11 ماي، واعتقال سنية الدهماني، المحامية والمعارضة للنظام، في مقر النقابة وعلى الهواء مباشرةً أمام كاميرات فرانس 24، كان الجو متوترًا للغاية بين المحامين وقوات الأمن. وخلال ليل الأربعاء إلى الخميس الماضي، نشرت النقابة الوطنية للمحامين في تونس بيانًا صحفيًّا أكّدت فيه “أن مهدي زغروبة تعرض لأعمال تعذيب” بين اعتقاله وجلسته في مكتب القاضي.
في المقابل، نفت وزارة الداخلية، الخميس الماضي، استخدام أي نوع من أنواع التعذيب، وهدّدت بملاحقة أي جهة تريد تشويه عمل الشرطة. ومن جهتها، نددت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يوم الجمعة، بـ”الترهيب والمضايقة” التي يتعرض لها المحامون.
“لن نقبل العودة إلى الدكتاتورية”
وقال المحامي نزار التومي قبل أن يصعد إلى درجات المحكمة مع زملائه: “ضرب محام هو انتهاك لحقوق المواطنين. كيف يمكننا أن ندافع بسلام عن التونسيين إذا كنا خائفين؟ الدكتاتورية تعيد توحيد صفوفها وعلينا أن نعارض ذلك بقوة وعلى الفور”.
وأضاف ناجح حسني، ملوحًا بالعلم التونسي عاليًا أمام بوابة قصر العدل، تلميحًا إلى ما يُعتبر حتى الآن اللحظة الأكثر قمعية: “من المحزن أن نرى التعبئة منخفضة. نحن، الذين كنا في عمر 18 إلى 20 سنة وقت الثورة، لن نقبل العودة إلى الدكتاتورية، إلى المربع الأول”.
وذكرت الصحيفة أنه في 10 مايو، توجه رئيس الدولة بصحبة أوركسترا إلى المكان الذي أقيمت فيه مسابقة تونس المفتوحة للماسترز لمدة يومين. وردد رئيس الدولة النشيد الوطني وبكى واقفًا أمام العلم التونسي والكاميرات. وجاء ظهوره غير المتوقع ردًّا على قرار منظمي الحدث حجب العلم الوطني المعلق على جدار حمام السباحة خلال يومين من المنافسة، ظنًّا منهم بأنهم يلتزمون بلوائح الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا). وفي الواقع، فرضت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عقوبات على تونس لعدم امتثالها للوائح مكافحة المنشطات وكان أحد الالتزامات هو حجب العلم التونسي خلال “تظاهرة دولية”.
بالنسبة لسعيّد، يعتبر ذلك جريمة ظلم وطني: “ما حدث بالمسبح الأولمبي في رادس جريمة بشعة لا تغتفر […]. تونس تأتي قبل اللجنة الأولمبية”. وعلى ضوء ذلك، يحاكم تسعة أشخاص، من بينهم رئيس الجامعة التونسية للسباحة والمدير العام للوكالة الوطنية لمكافحة المنشطات، بتهمتي “التآمر على الأمن الداخلي للدولة” و”الاعتداء العلني على العلم التونسي”. ومن حيث المبدأ، فإنهم معرّضون لخطر عقوبة الإعدام (مع وقف التنفيذ).
في حالة من الذهول التام، دعت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات إلى إطلاق سراح المتهمين فورًا ورفع العقوبات المفروضة على تونس على الفور – التي امتثلت لقواعد الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات منذ 3 ماي، ونشر قانون مكافحة المنشطات الجديد في الجريدة الرسمية. والأمر الأكثر مأساوية هو أن الوكالة الدولية، التي اتصلت بها “ليبراسيون”، اعترفت بعدم “التأكد” من أن المسابقة المعنية تندرج ضمن “التظاهرات الكبرى”.
“شيطنة المجتمع المدني”
وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف المتشدد لسعيّد يريح أنصاره الذين ينظمون مظاهرة يوم الأحد 19 ماي دفاعًا عن العلم وضد التدخل الأجنبي. كان رئيس الدولة قد أشار، مساء الأربعاء، إلى رقم (683 مليون يورو)، وهو المبلغ الذي، حسب قوله جاء من الخارج ليصل إلى منظمات المجتمع المدني بين سنتي 2011 و2023، و”الذي لا يجب أن يُشكل بأي حال من الأحوال امتدادا لبعض الدول عندنا”، على حد تعبيره.
ويوم الخميس، ذهب سعيد إلى أبعد من ذلك، وطالب السفراء بنقل “احتجاجه الشديد لبعض الدول على التدخل السافر وغير المقبول في شؤون البلاد الداخلية”.
وفي خضم هذا الاستبداد، أصبح الصمت الفعلي للمجتمع الدولي أمرا ثابتا لدرجة أن البيان الصحفي للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات يبدو أكثر خطورة. كما لم تعد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قادرة على العمل، لأن الجمعية التي تدير المواعيد فيها مغلقة.
ولم يكن الاتحاد الأوروبي أكثر صراحة من ذلك: فقد أعلنت المتحدثة باسم لجنة الشؤون الخارجية يوم الثلاثاء أنه “تم طلب توضيح حول أسباب هذه الاعتقالات”. من جانب آخر، أشار رامي خويلي، مدير منظمة محامون بلا حدود في تونس، أن “الاتحاد الأوروبي متواطئ مع سعيّد وأن سياسة الهجرة التونسية تناسب الحكومات الأوروبية اليمينية المتطرفة، مثل سياسة ميلوني”.
وبدت وزارة الخارجية الفرنسية فاترة بخصوص هذه المسألة، حيث أعربت ببساطة عن “قلقها بعد اعتقال المحامية والصحفية سنية الدهماني، في سياق اعتقالات واستجوابات أخرى، لا سيما للصحفيين وأعضاء الجمعيات”.
واعترف نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن “هذا النوع من الإجراءات [الاعتقالات] لا يتوافق مع ما نعتقد أنه حقوق عالمية منصوص عليها صراحة في الدستور التونسي، وقد أعلنا ذلك على جميع المستويات”.
في الأثناء، يشعر المعارضون بخيبة أمل عندما يلاحظون التصريحات، المعتادة إلى حد ما، الصادرة عن دبلوماسيين ثانويين. هذا غير كاف لإثارة القلق في القصر الرئاسي في قرطاج، لكنه يكفي لتغذية آلة المؤامرة الشيطانية.
المصدر: موقع “عربي21”