بلا تصورات.. ولا رؤية: هياكل المهنة الصحفية تجتمع ليتمخض الجبل عن…
بقلم / صالح عطية
أعلن أمس، عن اجتماع هياكل المهنة الإعلامية، تم في أعقابه، اتخاذ قرار بـ “مراسلة السلطتين التنفيذية والتشريعية بصفة استعجالية”، محمّلة إياهما “مسؤوليتهما التاريخية في إنقاذ القطاع من الاندثار”.
ووفق بعض المعلومات المتسربة من الاجتماع، فإنّ المجتمعين، تطرقوا “للأزمة الهيكلية والعميقة لقطاع الإعلام”، التي “تهدد المهنة الصحفية في وجودها بما من شأنه أن يحرم التونسيات والتونسيين، من خدمة عامة سيادية، لا يمكن أن تنجح أية تجربة ديمقراطية دونها”، وفق ما جاء في بلاغ نقابة الصحفيين.
وبالطبع، انتهى الاجتماع، أو تمخض عن لا شيء، ما عدا هذه الكلمات الجوفاء، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إذا استثنينا تأكيدها على أنّ أهل المهنة اجتمعوا، وهو اجتماع لتسويق هذه الفكرة فقط، أما الحقيقة، فهياكل المهنة موزعون ومنقسمون، ولكل منهم مشاغله وارتباطاته بالسلطة، وحساباته..
كان يفترض أن تدعو هذه الهياكل إلى اجتماع عام، يتداول فيه الصحفيون في المهنة والمؤسسات والحريات والتمويل.. وغير ذلك من مشكلات الصحافة والإعلام في بلادنا، ثم تتمخض عن هذا الاجتماع لائحة، يتم تضمينها أهم الملاحظات الصادرة عن الصحفيين، والعاملين بالقطاع، وتوجه من خلالها مراسلة إلى السلطة، بكامل القوة المعنوية المستمدة من العاملين في القطاع، وهواجسهم وتطلعاتهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم، حتى تكون تعبيره واقعية وعملية ومهنية حقيقية للقطاع وتطلعات أهله، ولكي تدرك السلطة ذاتها، أنّ الأمر لا يتعلق بهياكل مهنية معزولة عن “قواعدها”، فتحترم المراسلة والهياكل والصحفيين..
أما تحميل السلطة “مسؤولية تاريخية”، وهي عبارة فضفاضة لا معنى لها إطلاقا، فهذا من باب تسجيل الموقف ليس إلا، حتى وإن لم يكن ذلك مقصد هذه الهياكل..
التخريب الذي لحق القطاع تتحمل مسؤوليته هياكل المهنة ذاتها، بـ “فعلها النقابي” المأزوم، وبتصوراتها المنقوصة، ومقترحاتها الكلاسيكية الممجوجة (الاحتجاج والبيانات والاتصالات بالسلطة، وغيرها…..)، أما خلاف ذلك من المقترحات والمقاربات القادرة على أن تجعل من هذه الهياكل، قوة مقترح، من شأنها إحراج السلطة، ووضعها أمام مسؤولياتها، فهذا ما لم نسمعه منذ أكثر من 10 سنوات..
القطاع اليوم، مصدر تشكي المواطنين والمستهلكين للمادة الإعلامية والعاملين فيه والصحفيين ومديري المؤسسات الإعلامية، والسياسيين والمثقفين والمدرسين والنقابيين ورجال الأعمال وغيرهم، وبالتالي نحن أمام أزمة هيكلية وبنيوية وثقافية ونقابية عميقة، تحتاج في الحقيقة إلى “مؤتمر استثنائي”، يعيد ترتيب الأولويات، بعيدا عن المحاصصات والمواقع ومنطق الغنيمة في هذه الهياكل، وهو ما يجعل ديمومة القطاع واستقلاليته، محل تساؤل كبير: هل بهذه السلوكيات التي تعبّر عنها هذه الهياكل، يمكن أن نجد حلولا للقطاع المأزوم، بفعل أهله، قبل رمي الكرة للسلطة.. فالكرة في ملعبنا نحن كصحفيين وأهل مهنة، قبل غيرنا، ومن كان بيته من زجاج، فلا يرمي بيوت الآخرين بالحجر”.
ليس هذا تقليل من هياكل المهنة، أو توريط لها، إنما حديثنا عن تحميل المسؤوليات، قبل أي شيء آخر..
أما البحث عن مخارج ظرفية، من نوع إدماج مؤسسات في بعضها البعض، المستقلة منها والحكومية، والبحث عن توفير الرواتب للصحفيين، قبل الدفاع عن الاستقلالية الحقيقية للمؤسسات، فهذا من شأنه أن يزيد في الهروب إلى الأمام..
هناك مسؤولية تاريخية للقطاع وهياكل المهنة فيه بالأساس، وعلى من يتحملون المسؤولية اليوم، أن يدركوا أن التاريخ لا يرحم، وتوحيد القطاع وأهله ومؤسساته وهياكله، أولوية قصوى في مرحلة التذرر التي نعيشها، ونلاحظ جميعا آثارها الوخيمة على المهنة، التي بدأ الكثير من مؤسساتها، يندثر من الوجود.. وبين طفرة الصحف والإذاعات والمواقع التي كانت سائدة قبل 9 سنوات على الأقل، وراهن اليوم، بون شاسع، وهو دليل أزمة حقيقية عميقة، تتطلب حلولا جذرية، بعيدا عن التعويل على النقابات الإقليمية والدولية، ودعمها الذي يبقى مهما في العملية النضالية..
إعادة صياغة المشهد الإعلامي، هيكليا ومضمونيا، ومن حيث أهدافه وترتيباته وموقعه، وعملية استقراره وديمومته، “ضرورة تاريخية” لا مناص منها، أما أن يظل القطاع مرتبكا بصورته الحالية، فهذا ما لا يخدم أحدا من المنتمين إليه، ولا يقدم بالعملية الإعلامية، ولا بالحريات ولا بالمسألة الديمقراطية شيئا، لأنّ “فاقد الشيء لا يعطيه”، كما يقال..