توماس فريدمان: هكذا ترى السعودية مرحلة ما بعد الحرب على غ.ز.ة.. وهذه رؤيتها لمستقبل ح.م.ا.س
نيويورك ــ الرأي الجديد (صحافة عالمية)
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للصحفي توماس فريدمان، أشار فيه إلى أنه شعر بالقلق منذ أن شنت “إسرائيل” غزوها لغزة للقضاء على حماس، دون وجود خطة لما يجب فعله بالقطاع وشعبه في أعقاب أي انتصار.
و”بعد أن أمضيت الآن أسبوعا في السعودية والإمارات، أتتبع نبض هذه الزاوية المهمة من العالم العربي، أشعر الآن بقلق أكبر”.
وقال الصحفي الأمريكي في مقاله، “اسمحوا لي أن ألخص مخاوفي بهذه الطريقة: لأن حماس قامت ببناء شبكة أنفاق واسعة تحت غزة، فإن القوات الإسرائيلية، في سعيها للقضاء على تلك المنظمة، تضطر إلى تدمير أعداد هائلة من الهياكل. إنها الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها قتل الكثير من مقاتلي حماس، وتجريد غزة من السلاح دون خسارة الكثير من جنودهم في النافذة القصيرة التي تشعر إسرائيل أنها تمتلكها في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لإنهاء الغزو”.
بعد 9 أسابيع
وذكر أنه “بعد تسعة أسابيع، يمكننا الآن رؤية الصباح التالي. وفي سعيها إلى تحقيق أهدافها المتمثلة في تفكيك آلة حماس العسكرية والقضاء على كبار قادتها، قتلت إسرائيل وأصابت الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة. واعتبر أنّ إسرائيل سوف ترث المسؤولية عن كارثة إنسانية هائلة سوف تتطلب سنوات من التحالف العالمي لإصلاحها وإدارتها”.
وقال فريدمان :”يمكنني أن أقول لكم بناء على محادثاتي هنا، لن تأتي أي دولة خليجية عربية (ناهيك عن دول الاتحاد الأوروبي أو الكونغرس الأمريكي) إلى غزة بأكياس من المال لإعادة إعمارها، ما لم – وحتى هذا ليس أمرا مؤكدا – يكن لدى إسرائيل شريك فلسطيني شرعي وفعال، وتلتزم بالتفاوض في يوم من الأيام على حل الدولتين. وأي مسؤول إسرائيلي يقول غير ذلك فهو واهم”.
وأضاف أن “الشيء الأكثر تفاؤلا الذي يمكنه نقله من الرياض، ومن التحدث مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن قبل وصوله، هو أنه عندما تنتهي الحرب في غزة، تظل السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف المفاوضات التي كانت جارية قبل 7 أكتوبر. كان المفاوضون يناقشون صفقة كبرى تدخل بموجبها الولايات المتحدة في معاهدة أمنية مع السعودية، وفي الوقت نفسه، تقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن تلتزم إسرائيل بخطوات محددة للعمل مع السلطة الفلسطينية نحو تحقيق حل الدولتين”.
ماذا يريد السعوديون من بايدن؟
وأكد أنه “أصبح لديه انطباع قوي للغاية بأن السعوديين يريدون من الأمريكيين إنهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن، لأن الموت والدمار في غزة يؤدي إلى تطرف سكانهم الشباب (الذين لم يكونوا من قبل مهتمين بفلسطين وإسرائيل)، في حين أنها تخيف المستثمرين الأجانب، وتعرقل بشكل عام ما تريد السعودية التركيز عليه: خطة رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحويل البلاد، من التعليم إلى البنية التحتية إلى تمكين المرأة”.
وقال فريدمان: “في حين أن القادة هنا ليسوا متعاطفين على الإطلاق مع حماس، ولن يحزنوا على اختفاء الجماعة للحظة واحدة، إلا أنهم يشككون في قدرة إسرائيل على القضاء على حماس إلى الأبد، ويشعرون بالقلق من أن الضرر الذي يلحق بغزة، في محاولتها القيام بذلك، سوف يؤدي إلى عواقب سيئة غير مقصودة”.
وأكد فريدمان أنه “إذا لم تتوصل إسرائيل إلى رؤية سياسية طويلة الأمد لإغراء العالم لمساعدتها في تمويل إعادة بناء غزة، فإنها سوف تتعرض لكثير من الأذى الدبلوماسي والاقتصادي. وقد تتحول غزة في نهاية المطاف إلى جرح كبير في الصدر يرهق إسرائيل عسكريا واقتصاديا ومعنويا، ويأخذ راعيتها القوة العظمى الولايات المتحدة في طريقه”.
وأضاف أن “نتنياهو يقوم بحملة الآن للاحتفاظ بمنصبه من خلال محاولته أن يثبت لقاعدته اليمينية المتطرفة أنه الزعيم الوحيد المستعد لإخبار إدارة بايدن وجها لوجه بأن بلاده لن تفعل أبدا الحد الأدنى الذي تطلبه الولايات المتحدة: وهو أن تساعد إسرائيل في رعاية السلطة الفلسطينية بعد تجديدها، وأن تقدم أفقا سياسيا طويل الأمد للدولة الفلسطينية من أجل تطوير شريك فلسطيني قادر ذات يوم على حكم غزة المحررة من حماس وإسرائيل”.
الحوار السعودي الأمريكي
وقال إنه “لهذا السبب فإن استعداد السعودية -إذا صمد- للمضي قدما في الحوار الأمريكي السعودي الإسرائيلي الفلسطيني عندما تتوقف هذه الحرب، أمر في غاية الأهمية. لكن هذا ليس مجرد عمل خيري من قبل السعوديين. هذه هي استراتيجية رئيسية. هذا الجيل من القادة في السعودية وكذلك في الإمارات والبحرين والمغرب (ثلاث دول وقعت اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل)، غير عاطفي تماما عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
وأكد أن “هؤلاء القادة سئموا من القول بأن عليهم تأجيل أولوياتهم وتركيز طاقتهم واهتمامهم ومواردهم على القضية الفلسطينية. ولكن في الوقت نفسه، فإنهم مرعوبون حقا من الخسائر المدنية في غزة. وفي الوقت نفسه، فإنهم يدركون تمام الإدراك الفساد وعدم الكفاءة العامة للسلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، فإنهم يكرهون فروع جماعة الإخوان المسلمين مثل حماس..
وذكر “مثالا على ذلك قرار السعودية المضي قدما في 28 أكتوبر بمهرجانها الترفيهي والرياضي السنوي المعروف باسم موسم الرياض – والذي يتميز بمباريات رياضية يحضرها رياضيون بارزون على نطاق واسع وعروض لمغنيين وراقصين وفنانين عرب ودوليين – والذي تسبب ببروز حركات اجتماعية مؤيدة للفلسطينيين. وبدأ المؤثرون الإعلاميون إلى حد كبير من الكويت ومصر في مهاجمة السعوديين بسبب استمتاعهم بينما كانت غزة تحترق. وبدأت المنشورات التي تتناقض بين صور العروض الثقافية في الرياض والفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف في غزة، في الانتشار، ما أثار انزعاجا كبيرا للسعوديين، الذين يشعر الكثير منهم بالغضب من مقتل العديد من المدنيين في غزة مثل أي عرب آخرين”.
استهزاء بالسعوديين
وقال فريدمان إن “أحد المسؤولين في السعودية أوضح له أن هذا الاحتجاج الذي وقع في الدقيقة السابعة لم يكن مجرد إعلان دعم لحماس، بل كان يُنظر إليه أيضا على أنه استهزاء بالسعوديين، حيث يلعب نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو الآن مع فريق النصر السعودي. رونالدو يرتدي الرقم 7 – وبعد مرور سبع دقائق من بداية المباراة، يهتف مشجعو النصر له بشدة”.
وذكر أنه “كان يسير في مركز الفيصلية التجاري يوم الاثنين، عندما خرج صاحب متجر في منتصف العمر من متجره للملابس النسائية ليلقي التحية. وتحدث عن جميع الفرص التجارية التي تم فتحها في السعودية. ومع ذلك، تحولت محادثتنا بسرعة إلى غزة، وأراد أن يتأكد من أنني أفهم أن العديد من السعوديين لا يدعمون حماس، لأن قتلها الجماعي للمدنيين واختطاف الأطفال في الحرب كان محظورا صراحة من قبل النبي محمد، وتم القيام بأمر من إيران”.
وأنهى الصحفي الأمريكي مقالته بما يسميه الخبر السار، وهو “أنه قبل بضعة أشهر، أجرت الحكومة السعودية استطلاعا خاصا لسؤال السعوديين عن شعورهم تجاه التطبيع مع إسرائيل، إذا تم ذلك في سياق الدعم السعودي لإقامة الدولة الفلسطينية. أخبرني مسؤول كبير أن سبعين بالمائة وافقوا على ذلك”. واستدرك قائلا: “أما الخبر السيئ، فهو أنه بالنظر إلى الصور القادمة من غزة الآن، أضاف أن الحكومة لن تجرؤ على إجراء هذا الاستطلاع اليوم”.