أحداثأهم الأحداثدولي

أزعج إ س را ئـ ي ل.. التقرير الذي كشف تفاصيل ساعات الانهيار الأولى

الدوحة ــ الرأي الجديد 

قبل “طوفان الأقصى” بأيام كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تراقب الوضع في غزة عن كثب وتلتقط عشرات المكالمات لنشطاء وبعض القادة، كانت كلها تؤكد على ضرورة تجنب نشوب حرب أخرى مع إسرائيل والسعي للتهدئة وعدم التصعيد، كان هؤلاء يعرفون أن أجهزة التنصت الإسرائيلية تلتقط ما يقولون فأسمعوهم ما يريدون إلى حين تنفيذ الاختراق الكبير يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بمقاييس العلوم العسكرية والعمليات الحربية الخاصة كانت المرحلة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية حول غلاف غزة نوعية جدا ومتكاملة، وبمقاييس نظرية الأمن الإسرائيلية كانت ضربة قاصمة، حيث ركنت إسرائيل إلى إحساسها بالتفوق وأغفلت تقارير استخباراتية “رصدت نشاطا زائدا لدى بعض الشبكات التي تراقبها في غزة وتنبيهات جاءت متأخرة”، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأميركية (عدد 10 أكتوبر).

بعد نحو شهرين من عبور القوات المصرية خط بارليف في 6 أكتوبر 1973 وتحقيق المفاجأة الإستراتيجية بعبور أقوى الخطوط الدفاعية العسكرية في التاريخ خلصت لجنة “أغرانات” -التي شُكّلت للتحقيق- إلى أن سبب الهزيمة كان الاستهانة الشديدة بالقدرات المصرية والسورية، إضافة إلى سوء تقدير المعلومات الاستخباراتية الواردة والركون إلى قوة الخطوط الدفاعية التي أقامتها (خط بارليف وخط آلون).

وبدأت شهادات عسكريين إسرائيليين تخلص إلى نتائج مماثلة تفيد بأن نجاح عملية الاختراق التي نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية باقتحام “خط الدفاع الإسرائيلي” حول غزة لن تخرج في تفاصيلها عن مضمون تقرير “أغرانات” قبل 50 عاما.

تشير شهادة أربعة من كبار القادة الأمنيين الإسرائيليين إلى أن أجهزة الاستخبارات رصدت زيادة غير عادية في نشاط بعض الشبكات الخاضعة للرقابة في غزة قبل وقت قصير من بدء الاقتحام، وأرسلت تنبيها إلى القوات عند الحدود بين القطاع والمستوطنات “لكن الجنود الإسرائيليين لم يأخذوا بالتحذير ولم يلتزموا بالتعليمات، إما لأنهم لم يستوعبوا مضمونه جيدا أو لم يطلعوا عليه من الأساس”.

وبحسب التقييم الأولي للمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الكبار الذين تحدثوا لنيويورك تايمز، فإن نجاح هجمات عناصر المقاومة يعود إلى مجموعة إخفاقات أمنية وعسكرية ارتكبتها مخابرات إسرائيل وجيشها، أبرزها الآتي:

  • فشل ضباط المخابرات في رصد ومراقبة قنوات الاتصال الرئيسية التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية والمقاتلون الذين نفذوا الهجمات.
  • الاعتماد المبالغ فيه على كفاءة الأجهزة ومعدات الاستشعار عن بعد في مراقبة الحدود والتي استطاعت عناصر المقاومة تعطيلها بسرعة، مما مكنهم من التسلل ومداهمة القواعد العسكرية ومباغتة الضباط والجنود وهم في أسرّتهم.
  • تجمّع القادة العسكريين في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياحها في المرحلة الأولى من الهجوم، مما شل إمكانية التواصل مع بقية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
  • الانخداع بالتصريحات التي تعمد نشطاء وقادة عسكريون في غزة تكرارها قبل الاقتحام بأيام عبر قنوات خاصة يعرفون جيدا أنها تخضع للمراقبة من قبل إسرائيل، والتي تفيد بأنهم يفضلون التهدئة ويسعون لتجنب مواجهة أخرى أو معركة مع إسرائيل، و”تحقق المخابرات الإسرائيلية الآن في ما إذا كانت تلك المكالمات حقيقية أم مفتعلة”، حسب نيويورك تايمز.

خداع إستراتيجي

بعد المواجهات التي وقعت في مايو/أيار 2021 كان نشطاء الفصائل الفلسطينية عندما يتحدثون مع بعضهم عبر الهاتف وغيرها من وسائل الاتصالات يتعمدون ذكر معلومات مثل أنهم يسعون إلى تجنب نشوب حرب أخرى مع إسرائيل، ويحرصون على القول إنهم يفضلون التهدئة والابتعاد عن أسباب التصعيد “فالفلسطينيون كانوا يعرفون جيدا أن الاستخبارات الإسرائيلية تتنصت عليهم، فقرروا إسماعهم ما يريدون” كما قال مسؤولان إسرائيليان لنيويورك تايمز.

وتشير شهادات قادة الأمن الإسرائيليين إلى وقوعهم في افتراضات خاطئة بشأن التهديد الذي تشكله حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المقاومة من غزة على إسرائيل، فقد افترضوا أن حماس اتخذت موقف “النأي عن النفس”، خصوصا في معركة “وحدة الساحات” التي وقعت في أغسطس/آب 2022 مع حركة الجهاد الإسلامي وتركتها بمواجهة إسرائيل وحدها، وفق تقديرهم.

وخلصوا أيضا إلى أن حركة حماس لا تسعى للتصعيد عندما عملت على تهدئة الاحتجاجات التي اندلعت على طول الحدود في سبتمبر/أيلول الماضي، حتى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي “تساحي هنغبي” كان قد وصف حماس بأنها “منضبطة للغاية، وتدرك جيدا عواقب أي عمل فيه تحدٍ أو استفزاز قد تقوم به”، وذلك في مقابلة إذاعية أجريت معه قبل ستة أيام فقط من “الطوفان”.

وكان أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام قد لفت إلى أن عدم مشاركة الكتائب في الجولات السابقة كان “بهدف الخداع الإستراتيجي لتضليل الاحتلال تجهيزا لهذه المعركة”، مشيرا إلى أن “العدو ارتكب فشلا إستراتيجيا خطيرا ولم يتمكن من قراءة نوايانا رغم مشاركة آلاف المجاهدين بالمعركة، ولم يتمكن من تسريب خطة المعركة”.

وتؤكد صحيفة نيويورك تايمز أن “الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية تعتبر من بين الأفضل في العالم، لكن ما حصل يعد أسوأ اختراق للدفاعات الإسرائيلية منذ نصف قرن”.

وتشير الصحيفة إلى أنه قبل أيام قليلة من الهجوم الفلسطيني قدّم مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية وكبار قادة الأمن تقاريرهم الروتينية عن طبيعة ومصادر المخاطر التي تواجه إسرائيل، وركزوا فقط على المخاطر التي يشكلها حزب الله على طول الحدود الشمالية، ولم يذكروا أي شيء لافت عن المخاطر التي تشكلها الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة أو الضفة الغربية.

كانت حركة حماس تنفذ خطة خداع إستراتيجية تقضي بتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن فكرة شن هجوم بري خاطف، والذي كان مستبعدا إسرائيليا، إذ كانت كل الاحتمالات والفرضيات التي وضعها الجيش الإسرائيلي واستخباراته تشير إلى إمكانية حصول هجوم عبر الأنفاق أو بالمسيّرات والصواريخ كما كان يحصل في المواجهات السابقة.

دقة التخطيط والتنفيذ

وبالنسبة للمقاومة -التي كانت تعرف بمكتسبات النزالات السابقة قدرات العدو ونقاط قوته وضعفه- فقد خططت ونفذت عمليتها على أسس عسكرية علمية قامت على الاستطلاع ورصد منطقة العمليات، وتوفير المعلومات الاستخباراتية والإحداثيات الدقيقة، وتحديد الأهداف، ووضع خطة محكمة والتدرب عليها، وتوفير العتاد والعناصر المناسبة وأدوات التنفيذ، واختيار التوقيت المثالي، والأهم خداع العدو وإيهامه بالاسترخاء، ثم المباغتة وسرعة التنفيذ وهما أساس كسب المعارك.

وبمحصلة كل ذلك أرسلت الفصائل الفلسطينية مسيّرات استطاعت تعطيل عدد من مراكز الاتصالات وأبراج المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع غزة، وهو ما شل قدرة الضباط المناوبين على مراقبة المنطقة عن بعد بكاميرات الفيديو المنتشرة هناك والاتصال مع القيادة، بالإضافة إلى طائرات شراعية نفذت عمليات إنزال جريئة ومفاجئة، أي أنها شلت قدرة العدو على الضبط والربط.

وكانت المسيّرات قد دمرت أيضا المدافع الرشاشة الثقيلة التي يتم التحكم فيها آليا والمصممة لردع أي هجوم محتمل يأتي من البر، وقد سهل ذلك على مقاتلي القسام والمقاومة الفلسطينية الاقتراب من السياج الحدودي المحصن وتفجير أجزاء منه، ثم هدم أجزاء أخرى بواسطة الجرافات التقليدية.

من جانب آخر، كان عناصر من المقاومة يقومون بعملية تسلل بحرا عبر القوارب المطاطية ويقومون بعملية مشاغلة وفتح جبهة أخرى تعمي قوات الاحتلال عن الهدف الرئيسي للعملية البرية التي لم تكن تتوقعها.

وهكذا تخطى نحو 1200 من المقاتلين بسهولة مدهشة التحصينات الإسرائيلية دون عوائق ودون خسائر تقريبا إلى عمق المستعمرات واقتحموا المقار العسكرية الإسرائيلية الشديدة التحصين، بينها 8 ثكنات عسكرية، وسقط أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي خلال ساعات قليلة، بينهم جنود وضباط في مهاجعهم، وأسر أكثر من 150، بينهم ضباط برتب عالية.

وأوردت صحيفة نيويورك تايمز (13 أكتوبر) تسلسلا لعملية تم التقاطها من “كاميرا مثبتة على رأس مسلح قتل لاحقا” -أحد الشهداء من عناصر المقاومة- وتم التحقق منه، يبين كيف استهدف 10 من عناصر المقاومة يمتطون دراجات نارية مبنى المخابرات العسكرية و”كانوا يعرفون بالضبط كيفية العثور عليه، وكيفية الدخول إليه”.

 

وطبقا للمقاطع المصورة فإنه “بعد السياج الحدودي، اتجهوا شرقا على متن 5 دراجات نارية، لينحرفوا عن الطريق إلى منطقة من الغابات، ونزلوا خارج بوابة غير مأهولة ليتجهوا إلى قاعدة عسكرية، وقاموا بتفجير الحاجز بعبوة ناسفة صغيرة، ثم أخرج أحدهم من جيبه خريطة بالألوان للمجمّع، اهتدوا بها لإيجاد باب مفتوح لمبنى محصّن، كان مركز الاستخبارات العسكرية، ووجدوا غرفة مليئة بأجهزة الكمبيوتر”.

وأكدت الصحيفة أن المقاطع المصورة للهجوم التي اطلعت عليها والمقابلات التي أجرتها مع المسؤولين الإسرائيليين، تظهر “أن المهاجمين كان لديهم تصور دقيق بشكل مدهش لطريقة عمل الجيش الإسرائيلي ومواقع الوحدات المرابطة، وحتى الوقت الذي من المفترض أن تصل فيه التعزيزات”.

كما كشف تحقيق أولي في مدونة “إنتل تايمز” أن حركة حماس نجحت في التغلب على نظام “إي آر سبيد” الذي يتضمن أجهزة استشعار مصممة للإنذار المبكر واستدعاء أي قوات ليلا أو نهارا، ويمتد لمسافة تصل إلى عدة كيلومترات من السياج على حدود غزة.

ومكّن هذا الاختراق المفاجئ والارتباك العسكري الإسرائيلي رجال المقاومة من فرض سيطرتهم على امتداد أكثر من 45 كيلومترا خارج غلاف غزة، وكان هذا الاختراق هو الأكبر والأخطر الذي تتعرض له إسرائيل فعليا منذ يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973.

كان المخططون من قيادة المقاومة يعرفون أنه تم تحييد السلاح الأخطر للجيش الإسرائيلي وهو الطيران الأكثر تأثيرا بمجرد وصولهم إلى نقطة الالتحام المباشر واختراق المستوطنات والقواعد والثكنات، حيث لن يتم التعرف على العدو من الصديق، واستغرق الأمر ساعات ليعمل الطيران بصورة جزئية رغم أن الأمر لم يكن يتطلب دقائق.

سقطت “فرقة غزة” -التي تتكون من لواءين وتعمل تحت إمرة المنطقة العسكرية الجنوبية، ومقرها قاعدة “رعيم” التي تبعد عن قطاع غزة 7 كيلومترات- بكاملها في أقل من 3 ساعات، وكان ذلك عملا دقيقا ومحترفا بالمقاييس العسكرية.

بالمنطق العسكري، وفي ارتباط العملية بالتوازنات العسكرية المختلة بين الطرفين وعامل الوقت والظروف وعدد القتلى والأسرى وحالة الارتباك والرعب التي سادت، فإن إسرائيل تكبدت في عملية الاختراق هذه أكبر هزيمة في تاريخها، فقد بقي ما كان يُعرف بـ”الجيش الذي لا يقهر” عاجزا عن القتال، وظلت المستوطنات وغيرها من المناطق السكانية الإسرائيلية على امتداد الحدود دون جيش يدافع عنها طوال يوم كامل على الأقل.

تحطيم أسس نظرية الأمن الإسرائيلية

تقوم نظرية الأمن الإسرائيلية التي وضعها ديفيد بن غوريون عام 1953 -أول رئيس وزراء ووزير دفاع إسرائيلي- على معطى رئيسي، وهو تحقيق الأمن لشعب قليل العدد يواجه أغلبية معادية لوجوده، وقد أخذ في الحسبان ضعف إسرائيل ديمغرافيا ومساحتها الضيقة ومواردها المحدودة، وهي لذلك ارتكزت على مبادئ عدة رآها ضرورية لضمان أمن إسرائيل.

وإذا كانت نظريات الأمن القومي لأي دولة تُختزل في قدرتها على حفظ مصالحها وسيادتها والدفاع عنها وحمايتها من الأخطار التي قد تهددها، فإن مفهوم الأمن الذي صاغه بن غوريون يشذ عن هذا التعريف، إذ يستند إلى مفهوم “الدفاع عن الوجود”.

 

والملاحظ أيضا أن نظرية الأمن الإسرائيلية تستند إلى أبعاد دينية وقومية وجغرافية وتاريخية، فقد عملت الصهيونية على تحويل العقيدة الدينية اليهودية إلى نظرية سياسية تطالب بما يسمونه “حقا تاريخيا” يقوم على “وعد إلهي”، وتحولت إلى نظرية عسكرية وأمنية متكاملة تستند إلى ما يلي:

  • أن كل الشعب هو الجيش.
  • مفهوم الاستقرار يرتبط بقوة الردع والتهديد.
  • تكوين قوة عسكرية واستخباراتية ضاربة.
  • التفوق الكمي والنوعي للجيش الإسرائيلي على كل أعدائه.
  • اعتماد عقيدة قتالية هجومية تقوم على المبادأة.
  • استعداد الجيش لتنفيذ المهام الموكلة إليه في كل مكان.
  • الاعتماد على الحرب الخاطفة والسريعة.
  • تجنب الحروب الطويلة والمكلفة بشريا.
  • نقل الحرب دائما إلى أرض العدو.

وإضافة إلى البعد الديني الذي اعتمده بن غوريون، فقد كانت بصمة بعض المنظرين الصهاينة واضحة، وأهمهم زئيف جابوتنسكي قائد عصابات “الإيتسل”، إذ تعد نظرية الأمن الإسرائيلية تفصيلا لما ورد في نظريته التي وضعها عام 1923 بعنوان “الجدار الحديدي”، أي تكوين قوة عسكرية هائلة وقوة استخباراتية تتيح الضربات الاستباقية وتكريس سردية حتمية الانتصار الإسرائيلي الحاسم على كل أعدائها، وقد ساعدت النكبة ومجريات حرب 1948 وما بعدها في ترسيخ هذه السردية.

ما الذي تحطم يوم 7 أكتوبر؟

يقول يوئيل جوزانسكي المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي لنيويورك تايمز “إننا ننفق المليارات على جمع المعلومات الاستخبارية عن حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، وفي ثانية واحدة فقط انهار كل شيء مثل قطع الدومينو”.

وفي مقالة له في صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري يصف الكاتب الإسرائيلي حاييم ليفنسون ما حصل بأنه “كارثة إسرائيلية وعار لا يزول، إذ اكتملت الخسارة مع الصفعة الأولى..”.

فقد أدت عملية طوفان الأقصى عمليا إلى تهشيم نظرية الأمن الإسرائيلية بالكامل. وإذا كانت حرب أكتوبر 1973 قد كسرت عسكريا هذه النظرية التي استندت في صلابتها حتى ذلك الوقت إلى نتائج حرب 1948 وهزيمة 1967، فإن إسرائيل حاولت لاحقا جبر ما كسر بإخراج مصر من دائرة الصراع، ثم استئناف سياسة الردع بعملياتها الاستباقية في لبنان (1982) والعراق (ضرب مفاعل تموز 1981) وتونس (غارة حمام الشط واغتيال أبو جهاد وأبو إياد) وغيرها، مع السعي لإكمال دائرة التطبيع.

وحتى مع توجه الفلسطينيين إلى السلام عبر اتفاق أوسلو عام 1993 واتفاقيات التطبيع الثنائية مع بعض الدول العربية والتوجه للخيار السلمي، واصلت إسرائيل تطبيق نظريتها الأمنية القائمة على الردع والضربات الاستباقية (العسكرية والاستخباراتية)، وحرصت على خوض كل معاركها وحروبها بعيدا من حدودها الجغرافية، لتجنيب جبهتها الداخلية أي أضرار محتملة نتيجة تلك المعارك، لكن عملية “طوفان الأقصى” -خصوصا التوغل البري- كانت مختلفة في شكلها ونتائجها وأبعادها التالية:

  • حطمت نظرية الردع ذاتها، والتي كانت ترتكز على التخويف من القوة الضاربة.
  • حطمت نظرية الاستقرار والأمن والأمان التي حاولت إيهام المواطنين الإسرائيليين بها.
  • حطمت نظرية الجيش الذي لا يقهر وقدراته غير المحدودة.
  • حطمت نظرية الجدار الحديدي وجهاز الاستخبارات الذي يعرف كل شيء.
  • حطمت نظرية اعتبار إسرائيل دولة آمنة لليهود.
  • حطمت مقولة “الجيش هو الشعب” بالمشاهد التي بثت عن حالة الفزع في أوساط الجنود وجنود الاحتياط.
  • حطمت نظرية أن إسرائيل تشكل سندا للعديد من دول المنطقة في ما يتعلق بالقضايا الأمنية.
  • هزت صورة إسرائيل المتفوقة عسكريا وأمنيا، وكذلك اقتصاديا وتكنولوجيا.
  • حطمت سردية حتمية الانتصار الإسرائيلي الحاسم التي تم الترويج لها طويلا.
  • أكدت العمق الأمني الضعيف والهش للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
  • أكدت أن الأمن الإسرائيلي ما زال يعتمد على القوى الكبرى التي رعتها في السابق، وقد يؤدي هذا الاختراق العميق للأمن الإسرائيلي ومشاهد الفزع والهروب الكبير من المستوطنات وإخلائها ومن المدن الإسرائيلية التي استهدفها القصف والازدحام الشديد على المطارات فرارا من الحرب والعودة للحديث عن الجنسيات الثانية التي يمتلكها الإسرائيليون إلى هجرة معاكسة تعد أخطر ما يمكن أن يصيب المشروع الإسرائيلي ذاته.
  • أكدت أنه من المستحيل القضاء على حركة حماس أو المقاومة التي تستند إلى عمق القضية الفلسطينية، وأن ذلك الأمر لن يتم إلا بالقضاء على جميع الفلسطينيين وعلى الضمير العربي والعالمي.

في المحصلة كان هجوم صباح السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تاريخا فارقا على المستوى العسكري والسياسي، بالنسبة لإسرائيل له ما بعده، فقد انهارت نظرية الأمن التي بنتها طوال عقود، وبمنطق التأثيرات النفسية ستبقى هذه المعركة نقطة سوداء وعقدة ترقى إلى مستوى “النكسة”، والتي لن تمحوها المجازر الجماعية التي تنفذها في عدوانها على غزة والأراضي المحتلة.

المصدر: الجزيرة نت

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى