قومي عروبي ماركسي… رئيس الحكومة الجديد: رجل الرئيس أم رجل فرنسا ؟؟
الرأي الجديد / كتب صالح عطية
عيّن الرئيس قيس سعيّد، منذ يومين، أحمد حشاني، رئيسا للحكومة، خلفا لنجلاء بودن، التي أقيلت من منصبها بينما كانت ما تزال في مكتبها بالقصبة، دون أن تعلم بذلك، وفق ما صرح به عدنان بلحاج عمر، أحد الناشطين السياسيين في فيديو أمس.
وأثار تعيين الحشاني، جدلا واسعا في تونس والخارج، بشأن الشخصية الجديدة التي ستتولى إدارة قصر الحكومة بالقصبة، ومن يقف وراءها، بين من ذهب إلى أنه ابن فرنسا، ومن قال إنه من الاختيارات الصميمة لرئيس الجمهورية، ومن تحدث عن موازين قوى سياسية جاءت بالرجل، وفرضته فرضا، بعد أن كان المرشح المفترض لهذا المنصب، هو وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، الذي يعدّ أحد أبرز المقربين لرئيس الجمهورية.
ويعرف عن أحمد الحشاني المولود في 11 جويلية 1957، أنه رجل قانون ذو خبرة طويلة في البنك المركزي التونسي، حيث تخرج من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس العاصمة عام 1983، فيما رجحت مصادر عليمة، أن تكون علاقة الزمالة والصداقة مع الرئيس سعيّد، التي تعود إلى سنوات خلت، منطلقا لهذا التعيين.
تولى “الوزير الأول” الجديد، عدة مناصب ذات صلة بالشأن القانوني في كل من وزارة المالية والبنك المركزي، وبلغ أقصى ما بلغه في المراتب الإدارية، منصب المدير العام للشؤون القانونية للمصرف المركزي، بعد أن تقلّد مسؤولية مدير الموارد البشرية، قبل أن يتقاعد في عام 2018.
من السلالة السياسية للرئيس
ومثلما ينحدر رئيس الجمهورية من أوساط غير مسيّسة، واختار نجلاء بودن بنفس المعيار، لجأ الرئيس قيس سعيّد لرجل من خارج المشهد السياسي في تونس، إذ ليس للحشاني سابقة عمل في الحقل السياسي ولا ينتمي إلى أي حزب، غير أنّ معلومات من أوساط سياسية وجامعية، تفيد بأن الرجل قومي عروبي ماركسي، ومن الذين لهم موقف سلبي من “الإسلام السياسي”، وحتى من الثقافة العربية الإسلامية، وهو ما أشارت إليه تدويناته على صفحته على فيسبوك، التي أعلن من خلالها، أنه من أتباع علمانية الدولة والديمقراطية والمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل.
ليس هذا وحسب، بل إنّ الحشاني، أبان من خلال ما دونه على صفحته المنسوبة إليه، والتي تحمل صورته، عن عداء لتيارات الإسلام السياسي، وانتقاداته للخلافة الإسلامية، ونظام الخليفة، التي وجه بواسطتها انتقادات حتى للرئيس قيس سعيّد، في بعض اختياراته السياسية والدستورية، وأسلوبه في إدارة الدولة، خصوصا بعد موجة الانتقادات التي طالت المساس بالحريات وحقوق الإنسان، منذ انقلاب يوليو 2021، إلى جانب دفاعه عن النظام الملكي الذي كان قائما في تونس قبل الاستقلال..
وكشفت بعض تدويناته الفيسبوكية، انتقاداته لمسيرة الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، وخياراته السياسية والاجتماعية..
رجل فرنسا.. ورجل الجيش.. أم رجل الرئيس ؟؟
لكنّ اللافت في التعليقات والجدل الذي صاحب تعيين الحشاني، أمران اثنان:
الأول: أنّ والدته فرنسية، وتُدعى “تيريز لو غال”، فيما شقيقه ضابط سام في الجيش الفرنسي، وفق ما أعلن المحامي، الاستاذ عبد الرؤوف العيادي في تدوينة لحظة الإعلان عن تعيينه.
وتسببت هذه المعلومات في موجة جدل واسعة، اعتبر الرجل من خلالها ــ في بعض التحاليل ــ “رجل فرنسا”، وذهب البعض حد الحديث عن “تدخل فرنسي في الشأن التونسي”، فيما استغل آخرون الأمر للطعن في السيادة التونسية، وانبرى معلقون، يتحدثون عن ضغوط فرنسية لتعيين شخصية جزء من جذورها فرنسية، في وقت تتخلص دول إفريقية من الهيمنة الفرنسية على الحكم وعلى ثروات البلاد، مثلما يجري حاليا في النيجر، وجرى بالأمس في مالي وبوركينا فاسو وغيرها..
ومن المؤكد، أنّ هذه التعاليق، ستظل ترافق الرجل في مهامه على رأس الحكومة، وستجعل أعين المجتمع المدني وهيئات الرقابة والأوساط السياسية المعارضة، على خيارات الحشاني وتصريحاته واجتماعاته المرتقبة.
أما الأمر الثاني، فيخص، هوية رئيس الحكومة الجديد، حيث أنّ والده، هو الرائد في الجيش التونسي، خلال ستينات القرن المنقضي، صالح الحشاني، الذي أعدمه بورقيبة عام 1963، على خلفية محاولة انقلاب جرت عام 1962، واشترك في القيام بها مجموعة من العسكريين والمدنيين من مختلف التوجهات السياسية من مقاومين سابقين وعسكريّين ومدنيين معارضين للنظام، من بينهم من ينتمي للتيّار اليوسفي والقومي.
وحكمت المحكمة العسكرية بإعدام 13 شخصا، فيما نُفذ الحكم بحق 10 من المتهمين رميا بالرصاص، من ضمنهم سبعة عسكريين، كان صالح الحشاني أحدهم، بالإضافة إلى مقاومين مدنيين من ضمنهم الأزهر الشرايطي.
واعتبر بعض المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي، أنّ المؤسسة العسكرية لها ضلع في تعيين الحشاني، بالنظر لسجل والده، وفي نوع من ردّ الإعتبار له، غير أنّ معلقين آخرين استبعدوا ذلك، واعتبروا أنّ الأمر يتعلق بخيار رئاسي فردي، بنفس المعايير التي اختيرت بها نجلاء بودن قبل عامين، أي فور الانقلاب..
بعيد عن الملف الاقتصادي
لكنّ جميع التعاليق، وبقطع النظر عن اتجاهاتها السياسية والاجتماعية والإيديولوجية، تكاد تتفق على أنّ اختيار الرجل، تم بناء على وضعه الاجتماعي، كمتقاعد منذ خمس سنوات، وعلى أنّه سيكون الشخصية الطيعة لرئيس الجمهورية، تماما مثلما كانت رئيسة الحكومة السابقة، نجلاء بودن.
ويستبعد كثيرون، أن تكون للرجل خبرة بالاقتصاد والمالية، على اعتبار أن المناصب التي اشتغل فيها في وزارة المالية والبنك المركزي، كانت ذات صلة بالجانب القانوني أو في مجال الموارد البشرية، ولم تكن له صلة بالاقتصاد أو المسائل المالية والموازنة وغيرها، أو حتى بالتنمية والتطور الاقتصادي، ما يعني استمرار نفس آليات حكومة بودن، مع تغيير في مستوى الشكل والأسلوب، لأنّ الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية في تونس، أكبر من مجرد استبدال رئيسة حكومة أنثى برئيس حكومة من الذكور..
يذكر أنّ “سيد أحمد”، كما يحلو لنجلاء بودن أن تناديه، يعدّ رئيس الحكومة الثانية بعد انقلاب 25 يوليو 2021 على الدستور، وعلى الانتقال الديمقراطي، ومن المتوقع أن يتم الإعلان بين الفينة والأخرى، عن تشكيلة حكومية جديدة، لأن إقالة رئيسة الحكومة، يفترض ــ في دستور قيس سعيّد ــ أن تشمل إقالة كافة أعضاء الحكومة.