التحويلات المالية المشبوهة… أغرب ما تشهده البلاد منذ بروز موجة المهاجرين الأفارقة إلى تونس
الرأي الجديد / كتب صالح عطية
ما كشف عنه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي يوم الجمعة المنقضي، يقدّم صورة عن خطورة الوضع في تونس، مع قدوم المهاجرين الأفارقة إلى بلادنا، بعيدا عن خطاب العنصرية المزعومة، وتلك التوشيحات التي تحاول حشر الموضوع الحقوقي في هذه القضية الشائكة لسبب أو لآخر..
فقد تحدث سعيّد، بطريقته المعهودة، الخالية من كلّ نواميس الاتصال والإعلام وحتى البروتوكول، عن “أموال طائلة وصلت إلى تونس من الخارج، عن طريق شبكات الاتّجار بالبشر، ما يؤكّد أنّ تلك الشبكات تستهدف الوطن”.
وأشار سعيد، نقلا عن تقارير لأمنية وتقنية ومالية، إلى أنّ “تحويلات مالية كبيرة وصلت إلى تونس”، قبل أن يضيف بأنّ أرقام هذه التحويلات “صادمة للكثيرين”، وهي “تمثّل دليلا على أنّ المتاجرين بالبشر وبأعضائهم، يستهدفون أيضا الوطن”، وما يقومون به من أخطر أنشطة الشبكات الإجرامية.
ووفق المعلومات التي أوردها مجلس الأمن القومي، فإنّ التحويلات المالية في مكتبيْ بريد فقط، بلغت على التوالي 18 مليون دينار، و13 مليون دينار، 80% منها موجّهة للأفارقة جنوب الصحراء.
ليس هذا وحسب، بل إنّ قيمة المبالغ التي انتفع بها الأفارقة جنوب الصحراء في مدينة صفاقس بالذات، خلال 6 أشهر، تناهز 23 مليون دينار، فضلا عن سحب 3 مليون دينار خلال ستة أشهر من قبل الأفارقة جنوب الصحراء، وثلث عمليات السحب تمت من البريد التونسي.
وبالتأكيد فإنّ الرئيس التونسي، محق عندما يعتبر في تصريحه أمام مجلس الأمن القومي، بأنّ الأمر يتعلق بــ “عملية تهجير مبرمجة”، وليست بالهجرة المعروفة، وهي تطال ديمغرافيا الأوطان، أكثر حتى من رهانها على الأعضاء البشرية، وما يعرف بالاتجار بالبشر..
لكنّ الأمر اللافت للنظر، والذي يطرح الكثير من التساؤلات على رئيس الجمهورية، أين أجهزة الدولة إزاء هذه الظاهرة؟ لماذا تركت الأمر سائبا طيلة 6 اشهر؟ وكيف تتم التحويلات لأفارقة ليست لهم “هويات” أو ما يعرف بــ “الأوراق الثبوتية”؟ بل الأدهى من ذلك وأمر، كيف يتم صرف هذه المبالغ لمن لا يملكون هويات مصرفية في تونس أو في البريد التونسي؟
وسواء تعلق الأمر باختراقات أمنية أو لوجستية أو غيرها كما يحاول أن يفسّر البعض، فإنّ ضمت الأجهزة الرسمية طيلة 6 أشهر، يجعلها “متهمة” بالإنخراط في هكذا قضية شديدة الخطورة على أمن البلاد وماليتها واستقرارها الاجتماعي؟
ثم هل فتح رئيس الجمهورية تحقيقا في الغرض، لكشف هذه المافيات التي تحدث عنها ؟ أم أنّ الأمر مجرد خطاب سياسي، للاستهلاك والإلهاء الاجتماعي والسياسي، وربما تبرير حالات الطرد التي تقوم بها الجهات الأمنية الرسمية للأفارقة إلى خارج البلاد، بعد التطورات الاجتماعية والأمنية التي تسببوا فيها ؟؟
وأخيرا وليس آخرا، ماذا تفعل وزيرة المالية، المعنية مباشرة بالجهاز المالي، والعمليات الدائرة في فلكه؟؟ وقبل ذلك وبعده، كيف يمكن أن نفهم تصرف البنك المركزي التونسي، إزاء ملف بهذه الدرجة من الخطورة، على الأمن القومي، وهو الذي ما فتئ يحدّثنا عن حرصه على السلامة المالية والحفاظ على “الأمن المالي” لتونس..
ويرى مراقبون، أنّ ملفا بهذا الحجم الخطير، يحتاج إلى تشكيل لجنة وطنية ممثلة من الأطراف المعنية، لبحث أسباب المشكل والمورطين فيه، وتداعيات الأمر على المالية العمومية، وعلى العمليات البنكية، خصوصا في ضوء اتهامات بدأت توجّه ــ ولا ندري مدى دقتها ــ إلى بعض البنوك، من حيث تورطها في الصمت إزاء هذه التحويلات المشبوهة، والسماح بإجراء عمليات تحويل وسحب ــ وفق ما يتردد ــ بما يجعل الموضوع خطيرا، إذا ما صحت هذه الأنباء.
نحتاج إلى معالجة لهذا الموضوع، من منطلق المصالح العليا والأمن القومي للبلاد، بعيدا عن العنتريات السياسية، والتجاذبات بين الرئاسة والمعارضة، وبمعزل عن تلك الخطابات الحقوقية الجوفاء، مدفوعة الثمن من منظمات خارجية يعرفها الخاص والعام..