“دير شبيغل”: سعيّد يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء… واعتقال الغنوشي يقود إلى الاستبداد..
برلين ــ الرأي الجديد (صحافة عالمية)
وصفت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية الوضع في تونس، بأنّه “يؤشر على صعود الدكتاتورية من جديد”، بعد أن عرفت البلاد تحولا ديمقراطيا في 14 جانفي 2011.
وقالت الصحيفة، إنّ حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت المعارضة ونشطاء سياسيين، “توحي ببداية حقبة جديدة في تونس”، مشيرة إلى أنّ اعتقال رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي “يؤكد المنحى الاستبدادي الصاعد في تونس”.
وأورد التقرير تصريح يسرى الغنوشي، ابنة رئيس البرلمان المنحلّ، التي استحضرت طريقة اعتقال والدها من منزله في شهر رمضان، إذ أكّدت أنّ قوات الشرطة أمضت ساعتين في تفتيش مقر الإقامة، وصادرت التسجيلات الشخصية، والأجهزة الإلكترونية الخاصة برئيس حركة النهضة.
وجاء في تقرير الصحيفة الألمانية، أنّ المداهمة كانت بعد أيام من تصريح الزعيم الأبرز في المعارضة قال فيه: “تونس دون النهضة، دون الإسلام السياسي، دون اليسار ومكونات أخرى، ستذهب إلى حرب أهلية”.
وأوضحت الصحيفة أن السلطة بقيادة الرئيس قيس سعيّد، أوّلت من جهتها، حديثه على أنّه دعوة صريحة إلى الاضطرابات والعنف المهدد لكيان الدولة.
وحسب صحيفة شبيغل الإلكترونية، يمثّل اعتقال راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، الذي كان يعتبر واحدًا من أبرز رموز السلطة السياسية في البلاد، “قمعا وانتهاكا لحقوق الإنسان والديمقراطية”.
اعتقال الغنوشي.. والأزمة السياسية
ويعكس هذا الحدث، التحوّل الذي شهدته تونس بعد الثورة، إذ بدأ البلد في إصلاح نظامه السياسي والاقتصادي بعد سنوات من الفساد والاستبداد تحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وفي 2010، بدأ الشعب التونسي انتفاضته ضدّ الحكم الفاسد والقمع، الذي كان يمارسه النظام الحاكم، وسرعان ما تحوّلت هذه الانتفاضة إلى ثورة، ثمّ أسس البلد نظامًا ديمقراطيا جديدا وانتخب النهضة، حزبا إسلاميا معتدلا، ليشكّل حكومة ائتلافية في 2011.
ورغم التحوّل الديمقراطي الذي شهدته تونس، إلاّ أنّ البلاد ما زالت تُواجه تحدّيات كبيرة في ما يتعلّق بتحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وأشارت “دير شبيغل”، إلى أنّه على السلطات التونسية ضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية وتحقيق التنمية والازدهار للشعب التونسي.
ومنذ أن أصبح سعيّد رئيسا في أكتوبر 2019، وجدت البلاد نفسها مرة أخرى في طريق استبدادي، على حدّ تقدير الصحيفة..
وفي 2021، علّق سعيّد البرلمان وجمّد الحكومة المنتخبة، ثمّ اتّخذ خطوات لتوحيد كل السلطات في يديه، لكنّ غضبه لم يتركّز فقط على المعارضة.
وفي هذا السياق، أوردت الصحيفة تصريحا ليسرى الغنوشي قالت فيه: “الآن أصبح لدينا ديكتاتور مرّة أخرى”، مضيفة: “المسؤولون لن يبذلوا أي جهد للحصول على مذكرات إيقاف بعد الآن”.
وقالت ابنة الغنوشي إنّه بعد اعتقاله بيومين، لم يُسمح لوالدها البالغ من العمر 81 عاما -يعاني مشاكل في القلب ومرض باركنسون- بمقابلة محام أو زوجته.
وأكّدت “دير شبيغل”، إنّها تواصلت مع يسرى الغنوشي عبر مجموعة “واتساب”، لأنّها تعيش في لندن، ويُمكنها التحدّث بحرية، على عكس أفراد عائلتها الآخرين.
سعيّد… والاستبداد المتصاعد
وكانت يسرى الغنوشي، قالت في مؤتمر صحفي ببروكسل في تعليقها على ردّ فعل الاتحاد الأوروبي: “على الاتحاد الأوروبي أن يتخطى تعبيرات القلق، فمن الواضح أن أعضاءه فشلوا في إقناع سعيّد بوقف تدميره المتهوّر للديمقراطية التونسية”.
وفي تونس، يوجد أكثر من 20 شخصا معتقلا حاليًا لأسباب سياسية، منذ فيفري الماضي، إذ تمّ سجن السياسيّين المعارضين والصحفيين والقادة النقابيين والنشطاء، بعد أن وصفهم سعيّد بأنهم “خونة” أو “إرهابيون”، مهدّدا خصومه بـ “حرب لا هوادة فيها”.
في هذا السياق تقول إيزابيل فيرينفيلس، محلّلة المنطقة المغاربية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، “إنّ كل الأصوات الصاخبة المرتبطة بالديمقراطية، يتمّ إبعادها الآن”.
وتضيف فيرينفيلز: “كانت لدى الكثير من الناس فكرة خاطئة، مفادها أن الديمقراطية تترجم تلقائيا إلى فرصة اقتصادية”، مؤكدة إنّ تحول النهضة من حزب إصلاحي إلى الجمود وعدم قدرتها على مواجهة النخب الاقتصادية القديمة (لوبيات النظام السابق)، كانا جزءًا من الأزمة”.
مسؤولية الاتحاد الأوروبي… والغرب
وحسب صحيفة دير شبيغل، فإن حركة النهضة التي شاركت في الائتلافات الحاكمة في البلاد بشكل شبه مستمرّ في السنوات التي أعقبت الإطاحة بالديكتاتورية، تعتبر مسؤولة عن حقيقة أنّ الثورة ضدّ بن علي، لم تثبت فائدتها للشعب التونسي، لذلك يمكن تحميلها جزءا من المسؤولية عن العودة إلى الحكم الاستبدادي..
وحمّلت الصحيفة ضمنيا في تقريرها، مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، للدول الغربية وتحديدا الاتحاد الأوروبي.
وقالت دير شبيغل، إنّ بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)، “ظلت صامتة إلى حدّ كبير بشأن هذه القضيّة”، مشيرة إلى أنّ تلكؤ التكتل الأوروبي يعود بالأساس إلى اعتبار تونس شريكة في الجهود الدولية المبذولة، للحد من تدفق المهاجرين من إفريقيا إلى أوروبا.