انهيار العملات الوطنية العربية.. ومعها كرامة الإنسان!!؟
بقلم / د. خالد شوكات
وصل سعر الليرة اللبنانية إلى حوالي 80 ألف للدولار الواحد، وحتى يأخذ القارئ فكرة فإن سعر الليرة مقابل الدولار كان 1,5 ألف سنة 2019 ، وبعبارة أخرى فإن الموظف الذي كان يتقاضى راتبه بالليرة ما يعادل 3500 دولار شهريا أصبح راتبه بسعر الصرف الحالي لا يزيد عن 150 دولار، فكيف يعيش اللبنانيون؟
هكذا تساءل الصديق الكاتب الكويتي الدكتور حامد الحمود في مقاله المنشور في عدد اليوم من صحيفة القبس.. إنّها المأساة التي يحياها الشعب اللبناني بصمت وصبر يكاد يكون خرافيا، ذلك أن انهيار العملة بهذا الحجم وعلى هذا النحو السريع المتسارع انهيار لكرامة الانسان اللبناني، الذي كان بالأمس يعيش قدرا من الرفاهية يحسد عليها فصار يعيش اليوم بنسبة 80 % تحت خط الفقر!!؟
ولا يقتصر الحال في المنطقة العربية على لبنان، فقد انهارت العملة المصرية خلال الأشهر الماضية بشكل لافت، قيل إنه يعود إلى عملية تعويم له، نفذها البنك المركزي في اطار مسعى الحكومة للاستجابة لأحد شروط اتفاقه مع صندوق النقد، حيث بلغ الجنيه إلى الدولار سعر 30 إلى 1، وللتذكير فإن سعر العملة المصرية عندما سقط نظام مبارك سنة 2011 كان في حدود 6 جنيه للدولار.. وتقود مثل هذه الانهيارات في سعر العملة إلى حالة تضخم وارتفاع خيالي في الأسعار يفوق قدرة غالبية المواطنين على التحمل.
علينا التذكير أيضا بالانهيارات التي تشهدها عملات الدول العربية الممحونة بالحروب الأهلية والفتن الداخلية، والتي يكاد بعضها يختفي من الأسواق كما هو الحال في الصومال واليمن، وبدرجة أقل في سوريا وليبيا، وهو ما يثخن جراح هذه البلدان ويجعل من عملية انقاذها أمرًا يحتاج إلى ما يشبه المعجزة..
وتواجه العملة الوطنية أزمات كبيرة غير مسبوقة حتى في الدول العربية ذات الانتاج الكبير من النفط والغاز والموارد الطبيعية مثل الجزائر والعراق، وهو ما ينذر باندلاع احتجاجات اجتماعية في كل حين، ويقود إلى اضطرابات تهدد الاستقرار السياسي..
وفي بلدان عربية مثل تونس وموريتانيا ، تبذل إداراتها المالية جهودا استثنائية للحيلولة دون انهيارات مشابهة لعملاتها الوطنية، وهي تسير على حافة ازمة اقتصادية ومالية متفاقمة، ولا يستبعد خبراؤها إن لم تتمكن من اجراء اصلاحات عاجلة، من شأنها إبعاد شبح الانهيار عنها، معايشة المصير نفسه، وهو ما يقتضي من أنظمتها اتباع سياسات تقوم على التزام الحوار وتحقيق الوحدة الوطنية والتوافق الاجتماعي المطلوب..
وفي ظل متغيرات دولية عاصفة تهدد العلاقات الدولية وموازين القوى المتحكمة، فإن اقتصاديات الدول الهشة من قبيل اقتصاديات أغلبية الدول العربية ستكون الأكثر تضررا من غيرها.. خصوصا في ظل انعدام أي سياسات قومية للتضامن بين دول المنطقة ومنظوماتها المالية والاقتصادية..
وخلاصة القول، أن المنطقة العربية، وربما العالم بأسره، يمرّ بمرحلة مطبّات هوائية من الحجم الكارثي، الذي يتضمّن تحوّلات جيوسياسية عميقة، إلى حد قد تختفي معه دول وتظهر دول جديدة، مرورا بموجة ثالثة من الانتفاضات والثورات خصوصا في العالم العربي، شبيهة بموجة 2010/2011 و2018/2019، قد تقتلع أنظمة وتقيم أخرى، أو تلحق دولا كانت مستقرة بقائمة الدول الفاشلة الرازحة تحت نير الفوضى والفتنة والخاضعة لمشاريع التجزئة والتقسيم.