شرعت في تنفيذ إملاءات “النقد الدولي”: وزيرة الطاقة تعلن عن “بيع الثروة الطاقية للشركات الأجنبية”..
بقلم / جنات بن عبد الله
أعلنت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة القنجي نويرة، عن احداث الهيئة التعديلية المستقلة لتنظيم قطاع الكهرباء في القطاعين العام والخاص..
وزيرة الصناعة والطاقة عددت خصال ومزايا هذه الهيئة، التي سيكون من مهامها، تحديد وتعديل تعريفتي الكهرباء والغاز في إطار، ما سمته، الشفافية والنزاهة، مؤكدة في ذات السياق أن ذلك سيجنب الوزارة والشركة التونسية للكهرباء والغاز، الضغط والانتقاد المتواصل عند إقرار ادخال تعديلات على تعريفتي الكهرباء والغاز.
كما أكدت الوزيرة أن هذه الإجراءات، ترمي الى تحفيز الأسر التونسية والشركات الخاصة على الانخراط في برنامج التحسينات التي تم إدخالها على صندوق الانتقال الطاقي.
في هذه الندوة تركت السيدة الوزيرة انطباعا طيبا عن عمل وزارتها والمجهودات التي تقوم بها حكومة نجلاء بودن من أجل المواطن التونسي وضمان تزويده بالكهرباء بأسعار سوف تكون معقولة، بفضل استغلال الطاقة الشمسية، لا مجال للطعن فيها بداية من سنة 2024، تاريخ دخول هذه الهيئة التعديلية حيز العمل.
السيدة وزيرة الصناعة والطاقة لم تتعرض الى القانون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، الذي ينص فصله الخامس على أن مشاريع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة فضلا على أنها تنجز بهدف الاستهلاك الذاتي، وبهدف بيعها كليا وحصريا للهيكل العمومي الذي يلتزم بشرائها، فهي تنجز أيضا بهدف التصدير..
وفي هذا المستوى كان حري بالسيدة الوزيرة اطلاع الرأي العام التونسي على الجهات التي ستتولى عملية تصدير الكهرباء، عوضا عن الشركة التونسية للكهرباء والغاز وتوضيح خيار الدولة التونسية، إقصاء الشركة الوطنية من عملية التصدير، وحرمان الشعب التونسي من التمتع بمداخيل صادرات طاقاته المتجددة، في ضرب صارخ لأحد أهداف الثورة، المتمثل في استرجاع الشعب لسيادته على ثرواته الطبيعية..
السيدة الوزيرة وفي استعراضها للإجراءات “الثورية”، تجنبت استعمال المصطلحات الدقيقة في هذا المجال، وتسمية الأشياء بمسمياتها. فإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بهدف التصدير لا يتم لا من قبل الأسر التونسية ولا من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز، ولكن من قبل ما يسمى بشركة المشروع، وفي اطار عقود لزمات حسب الفصل 24 من القانون عدد 12 لسنة 2015، الذي يمكن منتج الكهرباء بهدف التصدير، حسب فصله السادس، من إقامة خط مباشر لنقل هذه الكهرباء خارج التراب التونسي.
التفويت في ثروة التونسيين
لقد كان القصد من تصريحات وزيرة الصناعة، تفويت الدولة التونسية لأنشطة الإنتاج والتصدير لفائدة شركات أجنبية، في إطار ما يسمى برفع احتكار الدولة لقطاع الكهرباء، وخصخصة هذه الأنشطة في خطوة نحو تجريد الشركة التونسية للكهرباء والغاز من أنشطتها الأساسية من انتاج وتصدير.
ونشير في هذا السياق الى أن القانون عدد 12 لسنة 2015 هو من القوانين التي تندرج ضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية في بابه المتعلق بتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي من خلال التفويت في المؤسسات العمومية. كما يندرج ضمن مقترحات الاتحاد الأوروبي في مفاوضاته مع تونس في إطار اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، حيث نصت مقترحات الجانب الأوروبي على رفع احتكار الدولة في جميع القطاعات، بما في ذلك قطاع الكهرباء. كما أن إحداث الهيئة التعديلية يندرج ضمن توصيات البنك الدولي، وانفتاح قطاعي الكهرباء والغاز على القطاع الخاص الأجنبي، لضمان التبادل عبر الحدود مع أوروبا حسب البنك الدولي.
وفي هذا السياق أيضا، كان حريا بالسيدة وزيرة الصناعة والطاقة، التذكير بالموقف الرسمي التونسي الذي مجد وثمن إعلان المفوضية الأوروبية الصادر يوم 8 ديسمبر 2022 عن موافقة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تخصيص، حسب نص البيان، مبلغ بقيمة 307.6 مليون أورو لتمويل مشروع الربط الكهربائي عبر البحر بين تونس وايطاليا والذي يعرف بمشروع “الماد”.
كما كان حريا بها أن توضح أن هذا التمويل هو قرض بفوائد سيسدده الشعب التونسي، من أجل توفير الرفاه لشعوب الدول الأوروبية الأعضاء، وأن تثمين الخارجية التونسية لهذه الموافقة والتسويق لها، “كتتويج لمجهودات حثيثة لمسار من المفاوضات مع مختلف الشركاء”، هو عينة لتسويق تفويت الحكومات في حقوق شعوبها والاستخفاف باستحقاقاتها..
الخصخصة هي العنوان الأبرز
كما أن القول بأن مشروع الربط الكهربائي سيمكن من تلبية حاجيات تونس من الطاقة وتعزيز أمنها وانتقالها الطاقي لا يخرج عن سياق سياسات المغالطة والتعتيم الممنهجة التي اتبعتها جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، باعتبار أن نص عقد اللزمة بين الجانب التونسي والشركات الأجنبية، ينص ــ بناء على الفصل 26 من القانون عدد 12 لسنة 2015 ــ على حصول تونس على معلوم وعلى نسبة الحصة الراجعة للدولة من الكهرباء المنتجة المعدة للتصدير… والحال أن وطنية الحكومات تفرض عليها منح امتياز الإنتاج والتصدير للشركة التونسية للكهرباء والغاز، لتجنيب البلاد حالة التسول على أبواب المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي، التي تدفع نحو تحرير القطاعات الاستراتيجية وفتحها أمام المنافسة، على غرار قطاع الكهرباء الذي تم تحريره بمقتضى القانون عدد 12 لسنة 2015، والاعلان عن إحداث هيئة تعديلية مستقلة هو الخطوة الأخيرة لاستكمال الاطار القانوني للتفويت في القطاع وخصخصته على مرأى الرأي العام والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي لم يبق له سوى النفخ في قربة مثقوبة.
ان الحديث عن تركيز هيئة تعديلية مستقلة في قطاع اقتصادي معين هو إقرار بفتح هذا القطاع للقطاع الخاص. وترويج المؤسسات المالية الدولية لهذا التوجه، على أنه انفتاح على المنافسة وعلى الشركات العالمية، التي ستؤمن ازدهار القطاع بفضل قدراتها التمويلية والتكنولوجية.
ولئن لا يمكننا الاعتراض على هذه النظرة الوردية للانفتاح، فإن تطبيقها في الواقع يتطلب كثيرا من الحذر ويستوجب تطعيمها بجرعة من السيادة الوطنية باعتبار أن هذه الشركات العالمية ستستحوذ على القطاعات الاستراتيجية، وتوظفها لخدمة مصالحها دون اعتبار حاجة البلد المعني ومصلحة الشعب.
ويتعمق اختراق هذه الشركات العالمية للدول ويتوسع نفوذها المالي والسياسي مع حكومات ومسؤولين، تطبعوا وتبنوا هذه الأطروحات على حساب معاناة الشعوب وتطلعاتهم البسيطة، ولنا في مجلس المنافسة عينة على ذلك عندما قدم تقييمه لدرجة انفتاح السوق التونسية للكهرباء في وثيقة صادرة عن جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 19 جويلية 2018، بعيدا عن تقييم آثار الانفتاح على المواطن التونسي وعلى سيادتنا، وعلى ثرواتنا الطبيعية، وبعيدا عن تجارب عرفتها دول عديدة، أقدمت على تحرير قطاع الكهرباء وقطاع المياه وغيرها، ذاقت بسببها الشعوب ويلات الخصخصة والتحرير والانفتاح.
الرقم المجهول
في هذه الوثيقة اعتبر مجلس المنافسة أن السوق الراهنة للكهرباء في تونس، بقيت متسمة بعدم تحرر كلي لقطاع الكهرباء، وبهيمنة المتدخل العمومي “الستاغ”، وافتقادها لهيئة تعديلية على غرار الدول الأوروبية التي حررت السوق بدخول الخواص لسوق انتاج وتوزيع الكهرباء، وركزت هيئة تعديلية على غرار هيئة تعديل الطاقة بفرنسا.
وتضيف الوثيقة “في هذا الاطار يتجه السعي لمزيد تحرير القطاع لضمان إرساء مناخ استثماري جاذب وشفاف والذي يمر حتما عبر إحداث هيكل تعديلي مستقل للقطاع”.
ما يلفت الانتباه في صياغة هذه الوثيقة المحسوبة على جهاز رسمي وطني، يسمى مجلس المنافسة، أنه تحول الى ناطق رسمي باسم التحرر الاقتصادي والعولمة، دون قيود ولا شروط ودون مراعاة التأثيرات المحتملة لتحرير القطاع على الاستقرار الاجتماعي، ودون تقديم إثباتات على جدوى التحرير على الأسعار.
الغريب أنّ هذا الرأي جاء مجردا من كل انتماء لبلد يعاني من المديونية، ومن التبعية ومن أزمة سيولة وأزمة مالية عمومية يمكن معالجتها، ولو نسبيا، بتقوية الأساس المالي للشركة التونسية للكهرباء والغاز، وتمتيعها بامتياز إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة وتشجيعها على التصدير تحت الراية التونسية، لنقف عند حقيقة مرّة، أنه لا يمكن إيقاف النزيف المالي مع حكومات ارتمت في أحضان أجندات تتضارب مصالحها مع مصالح الشعوب، وأن الحديث عن تعتيم وتضليل من قبل الحكومة، لا معنى له باعتبار أن الشعب تحول الى رقم مجهول.