بيان المعهد العربي للديمقراطية: لقاءات المصير الديمقراطي، أو “مدرسة فرانكفورت” التونسية
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
أصدر المعهد العربي للديمقراطية، الذي يرأسه الدكتور، خالد شوكات، بيانا ختاميا لمشروعه في الحوار الوطني الذي حمل عنوان: “لقاءات المصير الديمقراطي”، الذي امتدّ على ثلاثة أشهر، عبر 12 لقاءا، اختتمت يوم 15 ديسمبر 2022..
كان المعهد أطلق يوم 6 أكتوبر 2022 هذا المشروع، بمشاركة ما يزيد عن 80 شخصية سياسية ومدنية وجامعية، مثلت مختلف التيارات الفكرية والتجارب الحزبية التي يتألف منها المشهد العام في تونس.
ركزت هذه اللقاءات، على بوصلة أساسية، وهي التفكير الجماعي وبشكل عميق، في تقييم تجربة الانتقال الديمقراطي طيلة العشرية (2011-2021)، بالتوازي مع كسر الجمود السياسي، ومناهضة الخطابات الفاشية والشعبوية التي هيمنت على الساحة السياسية والمدنية طيلة الأشهر الأخيرة، وتحديدا منذ 25 جويلية 2021، تاريخ انقلاب رئيس الجمهورية على مسار الانتقال الديمقراطي.
وأوضح التقرير / البيان، أنّ اللقاءات الاثنتي عشرة، ناقشت جملة من القضايا المطروحة، في مقدمتها، تقييم العقد الانتقال الديمقراطي، وخصوصا التوقف عند أهم الهنات والأخطاء الكبرى التي ارتكبت وساهمت في الانتكاسة التي انتهى إليها المسار، أولا، وثانيهما استشراف مستقبل التجربة الديمقراطية، واقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان “استدامة الديمقراطية”، سواء منها، الإصلاحات الدستورية والقانونية المطلوبة، أو الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتعلقة بإرساء منوال تنموي، قادر على جعل الديمقراطية التونسية “مقنعة” للمواطنين، بما يجعلهم مستعدين للدفاع عنها في أي محنة قد تطالها.
موضوعات كثيرة، نوقشت خلال هذه الحلقات المنتظمة، من بينها:
المأزق السياسي في تونس وسبل الخروج منه، وضرورة البناء على الفكر السياسي، وليس على خلفية الصراع الإيديولوجي، ومفهوم “الكتلة التاريخية”، وكيفية الاستفادة منها في الحالة التونسية، بالإضافة إلى مفهوم “الديمقراطية المستدامة”، والانتقال القيادي، وأزمة الانتقال الديمقراطي وعلاقته بالإعلام، وغيرها من الموضوعات، التي كان للمعهد العربي للديمقراطية، السبق في مناقشتها والتداول بشأنها مع نشطاء وشخصيات وفاعلين سياسيين من كل الأطياف السياسية والايديولوجية، بما يجعل “لقاءات المصير الديمقراطي”، شبيهة إلى حد بعيد بــ “مدرسة فرانكفورت”، في عمقها وجدلها الفكري، والتأسيس لنصوص جديدة، سياسية وفكرية، قد تكون “لقاءات المصير الديمقراطي”، أول منبر في تونس، يخوض بعيدا عن الخائضين، في مفاهيم ومواقف وأفكار وأنساق سياسية، متنوعة ومختلفة، في هدوء لا يخلو من حماسة، وعمق يقترب من المقاربة بمفهومها الفلسفي، وبعدها الذي كرسته العلوم السياسية الحديثة..
وفيما يلي نص التقرير/ البيان، الذي تمخض عن هذه اللقاءات، وشكل أحد أهم النصوص الصادرة عن المعهد العربي للديمقراطية، الذي يتحول بهذه الفعاليات، إلى مؤسسة منتجة للفكر السياسي، بمشاركة واسعة من مثقفين وسياسيين وإعلاميين..
تقرير المصير الديمقراطي
(بيان)
أطلق المعهد العربي للديمقراطية يوم 6 أكتوبر 2022 مشروعه في الحوار الوطني تحت عنوان “لقاءات المصير الديمقراطي”، حيث عقدت على امتداد ثلاثة أشهر 12 لقاءا، اختتمت يوم 15 ديسمبر 2022، شارك فيها ما يزيد عن 80 شخصية سياسية ومدنية وجامعية، مثلت مختلف التيارات الفكرية والتجارب الحزبية التي يتألف منها المشهد العام في تونس.
لقد شكلت هذه التجربة الحوارية حالة مميزة، سواء من حيث تركيزها على التفكير الجماعي والعميق في تقييم تجربة الانتقال الديمقراطي طيلة العشرية (2011-2021)، أو تطلعها إلى كسر الجمود السياسي والتصدي للخطابات الفاشية والشعبوية التي هيمنت على الساحة السياسية والمدنية طيلة الأشهر الأخيرة، وتحديدا منذ 25 جويلية 2021، تاريخ انقلاب رئيس الجمهورية على مسار الانتقال الديمقراطي وتعطيل المؤسسات الشرعية المنتخبة وتجميد العمل بدستور ثورة الحرية والكرامة المصادق عليه في 26 جانفي 2014.
وخلال اللقاءات الاثنتي عشرة، تداولت الشخصيات المشاركة في الحوار، على الكلمة لمناقشة أهم القضايا المطروحة على الساحة السياسية، ضمن سياقين أولهما تقييم العقد الانتقال الديمقراطي، وخصوصا التوقف عند أهم الهنات والأخطاء الكبرى التي ارتكبت وساهمت في الانتكاسة التي انتهى إليها المسار، وثانيهما استشراف مستقبل التجربة الديمقراطية واقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان “استدامة الديمقراطية”، سواء الإصلاحات الدستورية والقانونية المطلوبة، أو الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتعلقة بإرساء منوال تنموي قادر على جعل الديمقراطية التونسية “مقنعة” للمواطنين، بما يجعلهم مستعدين للدفاع عنها في أي محنة قد تطالها.
ولجعل هذه المبادرة الحوارية أكثر نجاعة وذات قيمة مضافة وتكاملية مع بقية المبادرات السياسية والمدنية التي ظهرت في الساحة الوطنية، فقد جرى ربطها منذ حلقتها الأولى بمحددين أساسيين، الأول يتصل بالمجموعة المستهدفة منها، وهي فئة “القيادات الشابة” التي يعول عليها في إعادة بناء الثقة بين النخب والرأي العام، والثاني هو أهمية العمل على “تجذير الثقافة الديمقراطية” بما يخلق “أغلبية من الديمقراطية”، فقد تبين بوضوح أنه لا يمكن “إقامة ديمقراطية دون وجود ديمقراطيين”.
أما على صعيد المضمون، فإن الاتجاه الغالب على النقاش خلال حلقات الحوار جميعها، فيمكن تلخيصه في خمسة محاور أساسية، أفضت إلى إقرار أغلبية بين المتحاورين بالملامح التالية للمشترك الوطني الممكن، والذي بالمقدور البناء عليه مستقبلا، سواء تعلق الأمر بالمسألة السياسية والدستورية والقانونية، أو اتصل بالمسألة التنموية والاقتصادية والاجتماعية، وهنا موجز لأهم هذه الملامح مبوبة وفقا للمحاور الخمسة المشار إليها:
أولا: الديمقراطية المستدامة:
لضمان استدامة المشروع الديمقراطي والحيلولة دون انتكاسه مرة أخرى، رأى الكثير من المشاركين في لقاءات المصير الديمقراطية، أهمية العمل الجماعي على تحقيق الأهداف التالية:
- التخفف من الصراع الإيديولوجي: ومن ذلك السعي إلى توجيه الحياة السياسية والحزبية نحو التنافس البرامجي، وهو ما يقتضي وجود أحزاب جادة تبتعد ما أمكنها عن الخلاف الهووي، الذي يفترض أن دستور 2014 قد توصل فيه إلى التوافقات الضرورية، وتوجه طاقتها إلى صياغة برامج واقتراح حلول لأهم المشاكل التنموية المطروحة في الصحة والتعليم والصناعة والفلاحة وكل ما يمكن أن يقود إلى بناء دولة الرفاه.
- الإصلاح الدستوري والاستقرار السياسي: فقد تبين من خلال تقييم العشرية ضرورة إجراء تعديلات على دستور الجمهورية الثانية، يقود إلى انسجام أكبر بين مؤسسات الحكم التي تمثل السلطات الثلاث، وإلى توحيد السلطة التنفيذية على نحو يفضي إلى تشكيل حكومات أكثر نجاعة وفاعلية دون إخلال بثوابت الحكم الديمقراطي، فضلا عن سن قانون انتخابي قادر على افراز أغلبية حاكمة مستقرة ومتضامنة.
- الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية: فقد ثبت أن ترتيب الأولويات الكبرى للبلاد خلال العشرية لم يكن مصيبا، جراء “النزعة الانتخابية” التي اتسم بها أداء أغلبية القوى السياسية، وهو ما أفضى في نهاية الأمر إلى غلبة “الشعبوية” وظهور “الفاشية” كأمراض خطيرة يمكن أن تفتك بالديمقراطية، ولعل أهم خطأ ارتكب على هذا الصعيد هو عدم منح المسألة التنموية الأولوية سواء في توجهات الأحزاب الحاكمة أو عند رسم السياسات العمومية.
- التثقيف السياسي والمدني: حيث كانت إحدى نقاط الضعف الكبرى التي أثرت بعمق على استمرارية مسار الانتقال الديمقراطي، هي تهميش التثقيف السياسي والمدني، في الوقت الذي كان يقتضي تعبئة جهود المؤسسات العمومية والخاصة لتحقيق ثورة ثقافية وتعليمية وإعلامية مرتبطة بالمشروع الديمقراطي في مفاهيمه ووسائله ومصالحه الجديدة، إذ كيف لديمقراطية ناشئة أن تستقر وتنتصر في ظل هيمنة الثقافة القديمة التي خلقتها الأنظمة الفردية التسلطية التي سادت المجتمع والدولة لعقود طويلة.
ثانيا: الكتلة التاريخية:
إن الديمقراطية الواعدة التي انطلق مسار تركيزها منذ نجاح الثورة في 14 جانفي 2011، ليست مجرد أداة للتغيير السياسي ومرحلة انتقال مؤسساتي، بقدر ما هي نقلة تاريخية وقطيعة معرفية مع ماض طويل من الأنظمة الاستبدادية والفردية التسلطية، وهو ما يقتضي بروز “كتلة تاريخية” تتجاوز في نوعيتها ومضمونها وأهدافها الاستراتيجية “النخبة السياسية” بالمعنى المتعارف عليه، خصوصا إذا ما وضع بعين الاعتبار ريادة تونس في هذا المجال للمنطقة العربية، ودورها في التغيير بمعناه العميق في الدائرة الاقليمية والدولية، مما يستدعي توفير الشروط الأساسية التالية:
- الأرضية المشتركة: في بعديها الفكري والسياسي، فقد تبين أن قدرة النخب التونسية على العمل المشترك، سواء في الحكم أو المعارضة، يشكو من نقائص عديدة، وأن السائد بين هذه النخب “النفخ في المختلفات” بدل “تعظيم المشتركات”، وهو ما يفسر تعثر الائتلافات والتحالفات، وسيادة النزعة الفردية والنرجسية على السلوك السياسي، خصوصا للقيادات الحزبية والمدنية.
- المصالحة الوطنية: التي تمثل إحدى أهم شروط النجاح في أي تجربة للانتقال الديمقراطي، التي تقوم غالبا على تصالح الجديد مع القديم، وبما يفتح المجال لطي صفحات الماضي المؤلمة بطريقة حضارية، وبما يساعد على الحفاظ على المنجزات الوطنية مع توفير الشروط لكسب الرهانات المستقبلية، ولأن هذه المصالحة قد تعثرت فقد تعثر معها المسار برمته، وساد انعدام الثقة بين الفاعلين السياسيين والتنمويين.
- تجديد الفكر الوطني: فعلى الرغم مما يقتضيه المسار السياسي الجديد من تجديد فكري، فقد بقيت الساحة الوطنية مجالا لتصفية حسابات قديمة بين تيارات فشلت جميعها في تجديد فكرها وأطروحاتها وقياداتها، وفي ذلك تناقض جوهري استوجب العمل الجماعي على تفكيكه.
- الهوية الديناميكة: فبدل العمل على تكامل العناصر المكونة للهوية الوطنية، وتحويل الدوائر المتعددة التي تنتمي إليها البلاد التونسية، وتوظيف المحاور المطروحة لخدمة مصالح الوطن العليا، بما يخلق هوية ديناميكة مفيدة، جرى تحويل الساحة الوطنية إلى مجال لصراع متعدد الأبعاد عزز الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وحول الثراء والتعدد إلى نقمة بدل أن يكون نعمة.
ثالثا: الانتقال القيادي:
إن أحد أبرز التحديات التي واجهتها التجربة الديمقراطية الناشئة خلال عقدها الأول، هو النجاح في إجراء انتقال قيادي سلس، سواء على مستوى الأحزاب السياسية، أو في مستوى مؤسسات الحكم والإدارة، وعلى الرغم من وجود الكثير من المؤشرات الإيجابية في هذا السياق، فإن هذا التحدي ما يزال مطروحا بقوة، بل لعله يمثل أهم معوقات الانتقال الديمقراطي، وعليه يتوقف نجاح التجربة برمتها، وخصوصا القدرة على استعادة المسار إلى طريقه السوي، ويمكن إجمال الأمر في النقاط الآتية:
- المبادرات الجديدة: فقد شهدت الساحة السياسية، رغم كل الترذيل التي تعرض له المشهد الحزبي، وخاصة عدائية الخطاب الرسمي، ظهور عديد المبادرة الحزبية الجديدة التي تقتضي الدعم والتأطير والمساندة، باعتبارها جيلا جديدا من المشاريع السياسية التي من شأنها أن تساعد في التخفف من الصراع الإيديولوجي وفي استقطاب القيادات الشابة إلى حقل العمل العام وكسر العزوف المواطني عن العناية بالشؤون العمومية.
- القيادات الشابة: حيث تحتاج الديمقراطية الواعدة إلى حل معضلة القيادة، التي تعتبر إحدى الشروط الأساسية لأي عملية تنموية، ومن هنا ضرورة تكثيف البرامج السياسية والمدنية الهادفة إلى تنمية المهارات القيادية لدى الشبيبة التونسية في جميع أرجاء البلاد، فعنصر العمر وحده لا يكفي، ولا بد من السعي إلى ضمان عنصر الجودة والكفاءة.
- برامج التغيير: التي تعنى بمضامين التصحيح والمراجعة ورسم السياسات المستقبلية، وهي برامج مطلوب العمل على وضعها وتوثيقها في جميع المجالات التنموية، وهي المحدد في الانتقال من الثقافة الشفاهية والخطابية، إلى الثقافة العملية والعلمية.
- الطموح الوطني: وهو ما يقتضي العمل الجماعي بين النخب على تجديد العقيدة الوطنية، والنهوض ب”قيمة العمل”، والتشجيع على ثقافة الابتكار والخلق والابداع، وإعادة الثقة إلى عموم التونسيين في أنفسهم وبلادهم، وبما يساهم في القضاء على ثقافة التواكل والريع واليأس والإحباط والكسل، التي سادت في الفضاءين العام والخاص.
رابعا: المشروع الحضاري:
إن غرق النخب التونسية طيلة العشرية في مستنقع من الصراعات التفصيلية والمناورات السياسية والمكايدات الحزبية، جراء توفر مساحة غير مسبوقة من الحرية، قاد إلى غياب مشروع حضاري وطني للنهوض والتقدم، وبدل أن تتحول الديمقراطية إلى أرضية تنموية صالحة، تحولت إلى غاية في ذاتها لا مجرد وسيلة يبتغى من خلالها التفكير في القضايا الاستراتيجية والسعي إلى خلق تجربة حضارية، تونس مؤهلة لاحتضانها والتحول إلى نموذج لها، على غرار تجارب كثيرة شهدها العالم النامي منذ حركة الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، ويمكن تلخيص أسس هذا المشروع الممكن في العناصر التالية:
- النظر شرقا: ففي الشرق، سواء تعلق الأمر باليابان، أو بالنمور الآسيوية، أو بالصين وتركيا مؤخرا، برزت العديد من التجارب التنموية في زمن وجيز، وهي تجارب يمكن لتونس النظر فيها والقياس عليها والاستفادة منها، لرسم تجربتها النهضوية الخاصة، كنمر عربي وأفريقي ممكن.
- التوجه جنوبا: حيث لم تتمكن تونس إلى حد الآن من وضع خطة استراتيجية فاعلة، سواء بشكل منفرد أو في إطار التكامل الإقليمي، نحو قارتها الأفريقية التي يجمع خبراء التنمية على أنها قارة المستقبل بامتياز، وحيث بمقدور تونس الاستفادة من أسواقها الكبرى الناشئة كإحدى دول القارة الأصيلة فيها.
- تثمين الموقع: فتونس تمتلك موقعا جغرافيا فريدا من نوعه، في قلب العالمين القديم والجديد على السواء، إذ هي تتوسط القارات الأربع الأساسية التي يتشكل منها كوكب الأرض، وهي التي تتوسط البحر المتوسط، أقدم بحار الدنيا، ولا شك أنها تتوفر على جميع الإمكانيات التي تساعدها على تثمين موقعها الفريد هذا، والاستفادة منه إلى أبعد الحدود.
- الديناميكية الوحدوية: ولئن كانت تونس ذات مساحة جغرافية محدودة قياسا إلى جيرانها، فإن تاريخها البعيد والقريب على السواء، فضلا عما تتطلبه مصالحها العليا، يجعلها قادرة على المساهمة في تنمية ديناميكية وحدوية هي في أمس الحاجة إليها، مغاربيا وعربيا وأفريقيا وإسلاميا، فالدول مجبرة على بناء تكتلات إقليمية ودولية تؤهلها للمنافسة دوليا.
خامسا: استكمال الاستقلال:
لقد بينت تجربة السنوات العشر الأولى للاستقلال، أهمية استئناف خوض المعارك الوطنية الكبرى غير المستكملة، وعلى رأسها استكمال معركة الاستقلال، التي كانت مدرجة على أجندة الحركة الوطنية التي خاضت معركة التحرر الوطني، لكن جرى تهميشها لاحقا لأسباب متعددة ليس هنا مقام التفصيل فيها، فعدم استكمال هذه المعركة الكبرى كان أحد أسباب عدم تقدم التجربة الديمقراطية، وهنا عناصر هذه المسألة:
- استقلال القرار الوطني: فقد كشفت وقائع انتكاسة التجربة الديمقراطية، أن عدم استقلال القرار الوطني بما يكفي شجع العديد من الأطراف المستاءة منها على السعي إلى تخريبها وإنهائها.
- التمكين اللغوي: حيث تبين أن أحد أهم مجالات الصراع الإقليمي والدولي في بلادنا، هو عرقلة كل جهد للتمكين للغتنا الوطنية العربية، باعتبارها أحد أهم عناصر الاستقلال الثقافي والمعنوي وأحد أهم شروط القدرة على إطلاق مشروع حضاري للنهوض والتقدم، فلا وجود لبلد تقدم بلغة أجنبية.
- الأمن الروحي: إذ تبين أن نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، كانت ستفضي لانتصار النسخة المعتدلة للإسلام المعتدل، سواء في مواجهة ظواهر التطرف الديني والتشدد العقدي والتوجه العنيف والإرهابي، أو في مواجهة ظواهر التفسخ القيمي والانحلال السلوكي.
- الدفاع عن العائلة: فقد أبرزت الأحداث والوقائع أن تونس مؤهلة إقليميا ودوليا، عبر تجربتها الديمقراطية الواعدة، للمساهمة في معركة كبرى تخوضها المجتمعات المعاصرة، دفاعا عن العائلة كنواة للمجتمع وعن القيم الأسرية التي تهددها “النزعة الفردانية” بما تعنيه من تفكك مجتمعي وغلو لبعض التيارات الاجتماعية وسلوكية الطارئة.