الخبيرة جنات بن عبد الله لــ “الرأي الجديد”: ارتفاع التضخم ينذر بتهديد التونسيين بالجوع والجهل والتشرد
تونس ــ الرأي الجديد (خاص)
تفيد معطيات الاقتصاد والتجارة العالمية، أنّ النصف الأول من شهر جويلية المقبل، على أقصى تقدير، ستعرف المواد الغذائية، نقصا لافتا، خصوصا في مستوى الزيوت والعجين والسميد والفرينة، بالنظر إلى تنامي الحرب الروسية الأوكرانية، واستخدام الغذاء العالمي كرهينة بين الدولتين في إطار ضغوطهما على الدول الغربية والأوروبية.
ويرى خبراء ومراقبون، أنّ هذه الوضعية العالمية، ستعقّد الوضع بالنسبة للحكومة التونسية، التي توخت سياسة إصلاحات، غير قادرة على مجابهة التطورات المتوقعة، خصوصا مع بداية تشكل خارطة اقتصادية تجارية عالمية، تبدو تونس غائبة عنها تماما، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، وخيارات العزلة التي وضعت الحكومة نفسها فيها، نتيجة سياسات متراكمة، زادها غموض الوضع السياسي، وضبابية الأفق الراهن، أزمة لا لا غبار عليها.
فكيف ينظر المحللون والمختصون في التنمية الاقتصادية والتحليل المالي، لهذه الأزمة المركبة؟
وما هو المتوقع لتونس، على المستوى الشعبي المعيشي خلال الفترة القادمة؟
الأرقام خير دليل
فقد أوضحت نشرية المعهد الوطني للإحصاء الأخيرة عن تواصل ارتفاع نسبة التضخم لتصل إلى مستوى 7.8 بالمائة في شهر ماي بعد أن كانت في حدود 7.5 بالمائة خلال شهر أفريل و7.2 خلال شهر مارس و7 خلال شهر فيفري و6.7 بالمائة خلال شهر جانفي.
من مظاهر أزمة السكن المتوقعة
وحسب ذات النشرية يعود هذا الارتفاع، إلى تسارع نسق ارتفاع مجموعة التعليم بــ 9.6 بالمائة، ومجموعة الملابس والأحذية بــ 9.4 بالمائة، ومجموعة الأثاث والتجهيز المنزلي بــ 8.4 بالمائة، ومجموعة التغذية بــ 8.2 بالمائة، بنسق أكبر من معدل التضخم، وذلك من ماي 2021 إلى ماي 2022.
وقالت جنات بن عبد الله، الخبيرة في شؤون التنمية والمحللة الاقتصادية والمالية، في حوار خاطف مع “الرأي الجديد”، أنّ هذا التطور السريع للتضخم، يعود بالأساس، إلى ارتفاع مجموعة السكن والطاقة المنزلية بــ 7.3 بالمائة، وتحديدا أسعار الكهرباء والغاز، نتيجة انخراط الحكومة في آلية التعديل الآلي لأسعار المحروقات، حيث جاء آخر تعديل في شهر أفريل بنسبة 12.2 بالمائة، وهي المرة الثالثة منذ بداية السنة، بالإضافة إلى مجموعة النقل بنسبة 6.7 بالمائة.
ولفتت بن عبد الله، إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار هذه المجموعات، معتبرة أنّ ذلك، ينذر بتعرض فئة واسعة من الشعب التونسي، إلى تهديدات حقيقية تمس حقوقها الأساسية في التعليم والتغذية والسكن والصحة والنقل، في ضوء المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وفي سياق تطور الأحداث العالمية ذات العلاقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها على الأسواق العالمية للنفط والمواد الأساسية.
سياسات خاطئة.. كلفة اجتماعية باهضة
ولئن تختفي الحكومة وراء الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية والشحن، لكي تبرر فشلها في السيطرة على الأسعار، وفق تعبيرها، فإن تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بصفة عامة، يعود إلى عدم قطع حكومة بودن مع سياسة الإصلاحات الاقتصادية في مجال المالية العمومية، التي تقوم على تجميد الأجور، وتجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية، إلى جانب رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية، والترفيع في الضرائب، وتخلي الدولة عن المؤسسات العمومية، سيما منها ذات البعد الاجتماعي، من تعليم وصحة ونقل.
البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي الذي أعدته حكومة بودن للتوجه به إلى صندوق النقد الدولي، بغاية الحصول على تمويل جديد لتعبئة موارد ميزانية الدولة لسنة 2022، انبنى على خيارات وتوجهات، تقوم على سياسة تقشف، وغياب سياسات قطاعية، “الأمر الذي وضع القطاعات المنتجة، في منافسة شرسة مع منتوجات أجنبية، أغرقت سوقنا الداخلية، وقضت على قدراتنا التنافسية، ودفعت مؤسساتنا إلى الإفلاس”، وفق تقديرها.
وأشارت الخبيرة في شؤون التنمية، إلى أنّ تخلي الدولة عن توفير الخدمات العمومية، من صحة وتعليم ونقل، مقابل استحواذ القطاع الخاص على هذه الخدمات، التي أصبح النفاذ إليها غير مجاني، كل ذلك “تسبب في إقصاء صارخ للفئات ذات الدخل الضعيف والمحدود”، بما سوف يضاعف من حدّة الأزمة التي ستطل على البلاد في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، حسب توقعاتها.
الخبز سيكون أحد أهم أسباب الإضطرابات المقبلة
وحذّرت جنات بن عبد الله، في تصريحها لــ “الرأي الجديد”، من “مزيد تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، وتزايد ارتفاع نسبة التضخم، بما يدفع فئات واسعة من الشعب التونسي، إلى دائرة الفقر والخصاصة والجهل والجوع والتشرد”، وفق تقديرها.
وتقول المحللة لشؤون الاقتصاد التونسي والدولي، أنّ خيارات حكومة بودن، التي تأكدت ببرنامج الحكومة الإصلاحي، وعدم إلغاء قانون استقلالية البنك المركزي، الذي يقف وراء الترفيع المستمر لكلفة الاستثمار، وانزلاق الدينار التونسي، ودخول العالم في تشكل جديد لخارطته على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، “كلها معطيات ومحددات تنذر بوضع أكثر تفاقما لحياة التونسيين، وخاصة على المستوى الاجتماعي وعلى صعيد غذائهم وحاجياتهم الأساسية، من أغذية وأدوية وصحة ونقل وتعليم..