الخطاب المقبل لقيس سعيّد
بقلم / محمد كريشان
أيها الشعب التونسي العظيم..
أنت فعلا عظيم لكني أنا أعظمكم.. كيف لا وقد نجحت في ما لم ينجح فيه الرئيسان الراحلان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، فالأول أعلن “الاتحاد العام التونسي للشغل” الإضراب العام ضده عام 1978، احتجاجا على سياساته لكنه لم يتجرأ على فعل ذلك معي، وخرجتم ضده مطلع 1984 في “ثورة الخبز” احتجاجا على رفع أسعاره لكنكم لم تفعلوا شيئا ضدي رغم ارتفاع كل الأسعار. أما في ثورتكم ضد بن علي أواخر 2010، فقد صرختم “خبز وماء وبن علي لا” لكنكم معي وصلتم إلى ذلك فعلا، ولم تصرخوا “قيس سعيّد لا”.
أيها الشعب العظيم،
كثيرون في الداخل والخارج ما انفكوا يزعجونني بمطلبهم السخيف بما يسمونه “حوارا وطنيا”، ولا أدري لماذا لم يفهم هؤلاء أن ما جرى في السابق في تونس عام 2013، لم يكن لا حوارا ولا وطنيا، كما سبق وأن قلت، ولم يفهموا كذلك أن لا حوار إلا مع الوطنيين الصادقين الأخيار، أما الخونة والعملاء والمستقوون بالخارج فلا حوار معهم أبدا، مع أني كررت ذلك عشرات المرات.. كم هم أغبياء!!
لدي مفهومي الخاص للحوار الوطني الذي قلت لكم أنه بدأ فعلا، رغم نفي الآخرين فنفيهم لا يهمني، ومع ذلك سأدعو أربع منظمات وطنية قريبا للحوار، وهم نفسهم الحاصلون على جائزة نوبل للسلام، فإن جاؤوا أهلا وسهلا وإن تمنّعوا فذلك لن يربكني في شيء، حتى وإن تخلّف اتحاد الشغل، بل حتى وإن اقتصرت الجلسات على حوار بيني وبين عميد المحامين، المعجب بي جدا، ومعه من انخرطوا في حركة التصحيح بعد 25 جويلية/ يوليو، ولا يهم إن كان هؤلاء من المؤيدين لبراميل بشار الأسد والمتيمين بعبد الفتاح السيسي، فذلك لا يعيبهم في شيء بل هذا هو المطلوب فعلا.
أيها الشعب التونسي العظيم،
قريبا سأعلن عن تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد، برئاستي طبعا، تنهي أعمالها في أيام معدودات لتأسيس جمهورية جديدة ثم يعرض على استفتاء شعبي في الخامس والعشرين من يوليو المقبل. الحمد لله أن لدي من الخبراء وأساتذة القانون الدستوري الجاهزين تماما لتفصيل هذا الدستور على مزاجي بالكامل. أنا متأكد من نجاح هذا الاستفتاء، رغم كيد الكائدين وتآمر المتآمرين، كيف لا وهيئة الانتخابات أنا من يعين أفرادها ورئيسها ومن يعفيهم ومن يؤمّن لهم الحصانة.
سيعلن التونسيون والتونسيات تأييدهم المطلق للدستور الجديد حتى وإن كان الإقبال هزيلا، لا يهم، سأعلنه استفتاء ناجحا كما أعلنت نجاح “الاستشارة الالكترونية”، رغم أنه لم يشارك فيها سوى 500 ألف من شعب تعداده 12 مليونا.
لا تقلقوا فلن يتمخض الاستفتاء عن الرفض لأن ذلك يعني بقاء دستور 2014 وأنا قلت لكم مرارا أن لا عودة إلى الوراء، إذ يكفي هذا الدستور القديم شرفا أن أوصلني إلى سدة الحكم، ويكفي هيئة الانتخابات شرفا على شرف أن أعلنت هذا الفوز.
لن أحدثكم عن الوضع الاقتصادي الخطير في البلاد، ولا حالة المالية العمومية المتدهورة، ولا إحجام العرب والأجانب عن مساعدتنا، ولا عن قرب إفلاس الدولة، ولا عما يعانيه المواطنون من ضنك ارتفاع الأسعار… كل ذلك لا يهم لأن كل ما سبق إما مجرد أكاذيب، أو بسبب من كانوا في الحكم، ولم يجلبوا لنا سوى المصائب، وإما بسبب ظروف خارجة عن نطاقنا مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، المهم أن لا شيء حدث بسببي أنا.
أيها الشعب العظيم..
اسمحوا لي هنا أن أحيي كل الصامتين منكم على ما فعلته منذ تولي رئاسة البلاد وخاصة منذ شروعي في عملية الإنقاذ والتصحيح. لقد أثبت هؤلاء بصمتهم درجة عالية من الوعي والمسؤولية، فلهم ألف شكر على أن جعلوا من النكاية في من يختلفون معهم أيديولوجيا وسياسيا، وفي من فشلوا في هزيمتهم انتخابيا، أولوية الأوليات فهذه هي الوطنية الحقيقية. أيضا، أنا لا أعبأ إن كانت لم تخرج مظاهرات التأييد لشخصي الكريم، أو خرج البعض فقط ممن لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، لأن ما يهمني حقا هو هذا الصمت الثمين فهو سلاحي الحقيقي الذي أفخر به والذي أنا ممتن لكم به كثيرا، فواصلوا رجاء هذا الصمت الذهبي وهذه اللامبالاة الرائعة، خاصة وألا مجال قانونيا أو دستوريا أمام أي كان للطعن في قراراتي.
نحن ماضون في موعدنا مع التاريخ بمقاربات جديدة ليست لبلادنا فقط، بل للعالم أجمع وسيكون رائعا أن تكون لكم جمهورية جديدة بدستور جديد، وبرلمان واع وهادئ، حتى ولو كان ذلك ثمنه تفقير البلاد بكاملها، وتراجع سمعتها وغضب ما يسمى العالم الحر علينا. لسنا في وارد أن نأخذ الدروس من هذا الغرب المنافق، وستكون زيارتي المحتملة إلى موسكو وتمتين علاقاتي مع الصين، فاتحة خير فابشروا…
سنضرب موعدا مع التاريخ، أما المعارضون فبإمكانهم ضرب رأسهم في الحائط.. والسلام عليكم ورحمة الله.
المصدر: جريدة “القدس العربي”