“واشنطن بوست” تكشف: هل يحظى قيس سعيّد بـ “شعبية” في تونس … وما هو حجم أنصاره ؟
تونس ــ الرأي الجديد (وكالات)
نشرت صحيفة “واشنطن بوست”، مقالا مشتركا للأكاديميين محمد ضيا حمامي، وشران غريوال، الأستاذ المشارك في الحكومة بكلية ويليام أند ماري، قالا فيه إن دراسة مسحية قاما بها تشير إلى أن التونسيين دعموا استيلاء الرئيس قيس سعيّد على السلطة، لكنهم لم يستجيبوا لدعواته الداعية لهم للتحرك.
وأشار الحمامي، طالب الدكتوراة في العلوم السياسية بمدرسة ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكوز، وشران غريوال، الأستاذ المشارك في الحكومة بكلية ويليام أند ماري والزميل غير المقيم بمعهد بروكينغز، في المقال إلى أن سعيّد سيطر في الأسبوع الماضي على هيئة الانتخابات المستقلة، آخر مؤسسة ضامنة للديمقراطية من بين عدة مؤسسات أخرى سيطر عليها في عملية استحواذه على السلطة منذ شهر جويلية العام الماضي.
وبعد تعهّده بتنظيف تونس من الفساد، قام الرئيس وبطريقة منظمة بتفكيك المؤسسات المهمة التي نشأت بعد الربيع العربي، بما فيها البرلمان والدستور ومجلس القضاء الأعلى وحتى هيئة مكافحة الفساد.
واعتمد سعيّد على الشرطة والمحاكم العسكرية للتحرش واحتجاز ومحاكمة منافسيه السياسيين.
وتظهر استطلاعات الرأي أن هذه التحركات تركت صدى بين السكان المحبطين بسبب الاقتصاد البطيء وما يرونه فسادا.
ورغم تراجع الاقتصاد بدرجات كبيرة إلا أن الاستطلاعات تشير لدعم الغالبية لتحركاته.
وكان التصور بأن الاستيلاء على السلطة حظي بشعبية مهمة لنجاحه، وبحسب مقابلات أجراها الباحثان على مدى عام، فقد كان مفهوم الدعم الشعبي لتحركات سعيّد سببا في منع الأحزاب السياسية التونسية واتحادات الشغل وصناع السياسة الأمريكيين من اتخاذ مواقف مشددة ضد انقلاب 25 جولية.
وسيكون الدعم الشعبي مهما لتمرير الدستور الجديد خلال استفتاء في جويلية حيث سيحاول تقوية الرئاسة وتهميش الأحزاب السياسية.
لكن أبحاث الأكاديميين تظهر وجود مؤشرات بأن الدعم أقل مما يبدو عليه.
فمنذ شهر ديسمبر، لم يستطع سعيّد إقناع إلا أقلية صغيرة من مؤيديه للقيام بتحركات نيابة عنه، سواء الخروج للشارع والتظاهر نيابة عن الحكومة، أو المشاركة في الاستشارة الإلكترونية عبر الإنترنت بشأن الدستور أو التصويت في المجالس المحلية.
كل هذا يقترح أن أنصار سعيّد يمكن وصفهم بـ “الأغلبية الصامتة” غير المستعدة للقيام بتحركات أبعد من الدعم السلبي.
ورأى الكاتبان أن الفجوة ما بين المواقف والسلوكيات الحقيقية، هي نتائج طويلة الأمد وراسخة في دراسات المسح.
ففي البحث الصادر أخيرا، الذي قامت به إيفا- ماريا ترودينغر وأندريه باختيغر، اقترحا مثلا أن الفجوة تناسب الساسة الشعبويين الذين يعتبر أنصارهم عرضة للخطاب الداعم آليات ديمقراطية مباشرة مثل الاستفتاء، ولكنهم لا يشاركون حقيقة في العملية.
والسؤال هل لدى التونسيين نفس الفجوة؟ والجواب أنه وبرغم الدعم الذي يحظى به سعيّد، حسب الدراسة المسحية التي قاما بها إلا أنه كافح من أجل تعبئة أنصاره على الإنترنت وخارجها.
وأكثر من هذا، فإن المقابلات التي أجرياها هذا الربيع مع الساسة الذين دعموا الانقلاب تظهر أن سعيد واع وقلق بشأن عدم قدرته على تعبئة الرأي العام الأوسع والحصول على دعمه.
وبدأت مظاهر قلق سعيّد، بالبروز العام الماضي في الذكرى الـ11 لوفاة محمد بوعزيزي، الذي أشعل النار في نفسه مطلقا شرارة الثورة التونسية فيما بين 2010 – 2011.
وغير سعيد الذكرى السنوية الرسمية للثورة إلى يوم حرق بوعزيزي نفسه وهو 17 كانون الأول/ديسمبر بدلا من 14 كانون الثاني/ جانفي (اليوم الذي أطيح به بزين العابدين بن علي) ليعبر عن موقفه من أن الثورة قد اختطفتها الأحزاب السياسية في ذلك اليوم.
ولكن قلة حضرت للمشاركة في يوم الثورة الجديد، مقارنة مع الآلاف التي خرجت في 14 جانفي.
وعندما دعا سعيّد أنصاره للتظاهر ضدّ مجلس القضاء الأعلى في 6 فيفري لم يحضر إلا أقل من 400 شخص.
والتحذير الآخر له جاء من الإستشارة الإلكترونية على الدستور الجديد والتي نظمت على مدى 3 أشهر.
وبرغم الموارد التي رصدتها الحكومة لتشجيع المشاركة، بما فيها تقديم خدمات إنترنت مجانية عبر 250 من دور الشباب، لم يشارك سوى 535.000 شخص من 11.8 مليون نسمة، وهي نسبة تصل إلى 6% من الأشخاص الذين يحق لهم الاقتراع من سن 16 عاما إلى ما فوق، وهو رقم أقل من 3.5 ملايين توقع سعيد مشاركتهم في المشاورة وأقل بكثير من 2.5 مليون صوتوا له عام 2019.
أما المؤشر الأخير الذي يظهر أن دعم سعيد ليس إلاّ وهما فقد جاء من الانتخابات المحلية التكميلية التي عقدت ما بين 26- 27 مارس.
ولم تكن المشاركة في الانتخابات المحلية عالية في كل الأحوال، لكن الأعداد الضئيلة هي أقل من مستويات عام 2018 رغم ارتفاع تسجيل الناخبين.
ولم يشجع سعيد أنصاره للمشاركة الواسعة، إلا أن الأعداد القليلة هي نذير شؤم للديمقراطية المباشرة عبر المجالس المحلية.
وما يهم في هذه المؤشرات أن سعيد ربما لم يكن قادرا على دفع أعداد كبيرة من التونسيين، حتى الذين يدعمونه، للتصويت فعليا، المشاركة في التجمعات المؤيدة للحكومة أو ملء الاستمارات الإلكترونية نيابة عنه.
وتطرح هذه الإشارات أسئلة حول قدرة سعيّد، على تعبئة عدد كاف لتمرير الدستور الجديد في جويلية أو حتى الفوز بولاية ثانية.
ويرى الباحثان، أن نسبة أنصاره التي يمكنه الاعتماد عليها ويعبئها للخروج إلى الشوارع أو المشاركة في الانتخابات، اليوم قد تكون قريبة من أعداد الذين دعموه في الجولة الانتخابية الأولى عام 2019، أي نسبة 18% وليس نسبة 73% في الجولة الثانية، عندما حصل على دعم من الأحزاب السياسية والتي تعارضه الآن.
وتحتاج خطط سعيّد لإنشاء نظام سياسي جديد إلى الفوز في الإستفتاء على الدستور هذا الصيف.
وربما نجح سعيّد، بعمل هذا، وعبر مجموعة من تعبئة قاعدته وإقناع بعض الأحزاب وقمع الأخرى.
ولو لم يستطع ووجدت الأحزاب أرضية مشتركة لمعارضة التجربة الدستورية الجديدة، فسيواجه قيس سعيّد، رياحا شديدة في استفتاء جويلية وانتخابات البرلمان المقررة في شهر ديسمبر.