في وثيقة أميركية رسمية: هكذا حدّث الرئيس الجزائري وزير الخارجية الأميركي عن تونس والمغرب والتطبيع والوضع في ليبيا
الجزائر ــ الرأي الجديد
نشرت وزارة الخارجية الأمريكية، على موقعها على “فيسبوك”، فحوى المحادثات التي دارت بين الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال الزيارة التي أداها إلى كل من الجزائر والمغرب خلال الأيام القليلة الماضية..
وخارج الخطاب الدبلوماسي المعتاد، بدت التفاصيل التي نشرتها الخارجية الأميركية، مثيرة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية المغربية، والوضع في منطقة الساحل، ونظرة تبون للإصلاح الاقتصادي وإشراك الشباب في العمل السياسي ومحاربة الفساد، إلى جانب الملف الليبي، وما يجري في تونس..
“الرأي الجديد” حصلت على نص هذه المحادثات، وتنفرد بنشرها من خلال هذا التقرير..
“حسب نص المحادثات المنشورة، استعرض الرئيس الجزائري، الوضع في المنطقة بقوله: “نحن محاطون بدول لا تشبهنا كثيراً باستثناء تونس. لهذا السبب لدينا علاقات وثيقة للغاية معها، وإلا فإن كل حدودنا مشتعلة. ليبيا المزعزعة، بعد ليبيا بالطبع هناك منطقة الساحل بأسرها، مثل تشاد وبوركينافاسو ومالي والنيجر. وحتى موريتانيا ليست بهذه القوة.
وفي الجوار لدينا المملكة المغربية، حيث شهدت علاقاتنا دائمًا تقلبات منذ استقلالنا. إنها ليست حديثة. وليس ذلك بسبب قضية الصحراء الغربية”، حسب قوله..
الخلاف الجزائري المغربي
وأبرز تبون في حديثه الخلفيات التاريخية العميقة للخلاف الجزائري المغربي، التي تعود إلى حرب الرمال، حيث هاجم المغرب الجزائر سنة بعد استقلالها، وأراد الاستحواذ على جزء من الأراضي الجزائرية. ووفق الرئيس الجزائري، فإن المغرب “ظل يطبق سياسة توسعية في المنطقة ليس مع الجزائر فقط، بل حتى مع موريتانيا التي رفض الاعتراف باستقلالها سنة 1960، وانتظر لغاية سنة 1972 ليقر بذلك”.
وأدرج الرئيس الجزائري، قضية الصحراء الغربية في سياق الرغبة التوسعية للمغرب، مؤكداً أن “الجزائر ليست لها نية في الصحراء الغربية كما يقولون (في المغرب)، بل هي مشكلتهم”.
واستعرض في هذا السياق، مواقف للجزائر في دعم تحرر دول أخرى، مثل تيمور الشرقية وجزر القمر وجنوب إفريقيا من نظام الأبرتايد، مشيراً إلى أن هذا النهج لا ينطبق على الصحراء الغربية فقط، بل هو ثابت في السياسة الجزائرية.
مسألة التطبيع
وبخصوص القضية الفلسطينية، استبق الرئيس الجزائري أي حديث عن مسألة التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة، مؤكداً لبلينكن أن الموقف الجزائري لم يتغير، وهو داعم لقرار الجامعة العربية بالتوصل إلى سلام مع إسرائيل، في إشارة إلى مبادرة السلام العربية في بيروت لسنة 2002، التي تنص على سلام مع إسرائيل مقابل الاعتراف بدولة فلسطين على أراضي 1967 وعاصمتها القدس، وهي مقاربة تختلف كلياً مع اتفاقات أبراهام التي تبنتها دول عربية. وشدد الرئيس الجزائري على أن “المشكلة الوحيدة التي لدينا هي فلسطين، ولا شيء آخر على الإطلاق”.
الأزمة الليبية
وحول الأزمة الليبية، أظهر تبون للمسؤول الأمريكي انزعاجاً كبيراً من تدخل قوى أجنبية في حروب بالوكالة، مثل قوات فاغنر (مرتزقة روس) وسوريين وأتراك وسودانيين وتشاديين، لافتاً إلى أن هناك ثلاث أو أربع دول تتدخل في ليبيا، وهي حرب ليست لليبيين، ولا علاقة لهم بها، كما قال.
وأضاف: “لهذا قلنا إنه إذا أرادت ليبيا أن تُبنى مرة أخرى بطريقة ديمقراطية، فنحن بحاجة إلى انتخابات من الصفر. يمكننا مساعدتهم على تنظيمها”.
العلاقة مع فرنسا عبر مالي
كما استعرض الرئيس الجزائري ما وصفه “بسوء التفاهم مع الأصدقاء الفرنسيين” بخصوص قضية مالي، منتقداً الوجود العسكري الأجنبي في هذه الصحراء الممتدة، الذي مع مشاكل التعدد العرقي “سيصبح ذريعة لنشوء الإرهاب في المنطقة””، رغم أن الجزائر سعت لتسوية الملف سلمياً عبر اتفاق المصالحة الذي يحاول البعض الرجوع عنه.
وخلص تبون بعد هذه الإحاطة بالقضايا الإقليمية، إلى القول إن “ما تريده الجزائر هو أن تكون حدودها هادئة”. وأضاف: “ما ننفقه حاليًا لحماية حدودنا، نود استغلاله لتنمية شبابنا وتنمية أراضينا. لسنا بحاجة إلى هذا العدد الكبير من الأسلحة الذي يهدف إلى الدفاع عن أرضنا. لدينا نظرية عسكرية دفاعية. لم يكن لدينا قط نظرية للهجوم أو الذهاب إلى مكان آخر”.
الإصلاحات في الجزائر
وفي الشأن الداخلي الجزائري، تحدث تبون عن إصلاحاته السياسية التي أثمرت “أول انتخابات تشريعية نزيهة لم يطعن في شرعيتها، وإقحام الشباب في تسيير المجالس المحلية، وتعزيز دور المجتمع المدني”، وهي في عمومها مسائل لا تراها المعارضة الجزائرية بالنظرة نفسها.
وشدد الرئيس الجزائري، في حديثه، على أولوية محاربة الفساد، مشيراً لأول مرة إلى أن الأوليغارشيا (مصطلح يطلق على رجال الأعمال النافذين في وقت الرئيس الراحل)، اختلست كل أموال البلاد وارتبطت بالمافيا الروسية والإيطالية.
وفي مجال الإصلاح الاقتصادي، كشف تبون عن وضع قانون للاستثمار يستمر عشر سنوات في ظل الانتقادات التي تطال الجزائر في مجال الاستقرار التشريعي. وقطع وعداً طموحاً بتحويل الجزائر من بلد مستورد للحبوب إلى مصدر لها، قائلاً: “يمكننا مساعدة إفريقيا من حيث توفير الحبوب. من الممكن تقنيًا تحقيق إنتاج يصل إلى 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن، ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون مواجهة أية مشاكل”.
زيادة حجم التبادل التجاري
وكان بلينكن الذي زار الجزائر في 30 مارس الفارط، قد ذكر أن الجزائر تلعب دوراً مهماً في أمن منطقة الساحل، خاصة دولة مالي، كما أشاد بدورها المهم في حل الأزمة بليبيا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية “تعمل بالتنسيق مع الجزائر من أجل محاربة الإرهاب في المنطقة”.
وبخصوص التعاون الاقتصادي، أكد وزير الخارجية الأمريكي أن بلاده تطمح لرفع التبادل التجاري مع الجزائر. وقال: “هذا وقت ديناميكي للمجال التجاري في الجزائر، نحن نرى ذلك بالأرقام؛ في 2020 بلغ حجم المبادلات التجارية 1.2 مليار دولار، وفي 2021 تضاعف ليصل إلى 2.6 مليار دولار رغم جائحة كورونا، وفي شهر جانفي 331 مليون دولار”.