عقود اللزمة للأجانب … وثروات التونسيين الضائعة في دهاليز الشراكات غير المتكافئة
بقلم / جنات بن عبد الله
في “أجواء احتفالية”، وتحت أعين الشعب التونسي، أشرفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن مساء الأربعاء 2 مارس 2022 بقصر الحكومة بالقصبة، على موكب المصادقة على مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، في إطار نظام اللزمات بحضور عدد من الوزراء والسفراء وممثلين عن المؤسسات الدولية المانحة والمستثمرين الأجانب أصحاب اللزمات.
وعلى خطى الحكومات السابقة بشرت حكومة بودن بهذا “الإنجاز العظيم”، الذي يندرج ضمن برنامج تحسين الاستقلالية الطاقية لتونس، وتنويع المزيج الطاقي لإنتاج الكهرباء، وتخفيض كلفة الدعم المخصص لقطاع الطاقة، حيث ستمكن هذه المشاريع المصادق عليها في هذا الصدد، حسب رئيسة الحكومة، من التخفيض من واردات الغاز الطبيعي بنسبة 6 بالمائة، والاقتصاد بقرابة 130 مليون دينار من مصاريف الغاز.
وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، بشرت هي أيضا بمواطن الشغل التي ستخلقها هذه المشاريع، والتي ستناهز عن 200 موطن شغل قار وأكثر من 2000 موطن شغل غير مباشر، ليكتب التاريخ أنه في مثل هذا اليوم، وبهذا الخطاب الرسمي الوردي، فرطت تونس في طاقتها الشمسية لشركات أجنبية، بتزكية رسمية، وبحضور أجنبي، بعيدا عن الشعب التونسي، الذي غرق في البحث عن لتر زيت نباتي، وكيلوغرام من السميد، وتعب من الانتظار في طوابير لشراء خبزه.
في هذه “الأجواء الاحتفالية” أيضا، وفي الوقت الذي يتابع فيه العالم الحرب الروسية الأوكرانية، التي ألحقت أضرارا على تزوّد أوروبا بالغاز الطبيعي الروسي، يكون ملف إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في تونس، والذي تقف وراءه الشركات الأوروبية، في إطار سياسة الاتحاد الأوروبي الشاملة، للحد من الاعتماد على الغاز الروسي، وضمان استدامة النفاذ إلى الطاقة، والحد من الاعتماد على الظروف الجيو سياسية، وعلى روسيا، قد أغلق على حساب الشعب التونسي، وحقوقه في إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.
في هذه “الأجواء الاحتفالية” أيضا، يكون الاتحاد الأوروبي قد ربح معركة الطاقة، خارج حدوده بضمان حماية شركاته في مجال الموارد المتجددة، بتشريعات وقوانين صادق عليها مجلس نواب الشعب التونسي، ومررتها حكومات تفننت في مغالطة الشعب ونفذتها حكومة “استثنائية”، تستند صلاحياتها إلى رئيس جمهورية جمع في يده جميع السلطات.
في هذه الأجواء الاحتفالية الهادئة والصامتة توج الاتحاد الأوروبي مفاوضاته مع تونس حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، وفي الباب المتعلق بالطاقة، بعقود لزمات شملت أيضا شركات عالمية غير أوروبية، ولكنها تلتقي فيما بينها في المصالح، ستعمل على تصدير الكهرباء من الأراضي التونسية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وأولها إيطاليا في إطار مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا، والذي كان محور اجتماع انعقد بمقر وزارة الصناعة والطاقة والمناجم في نفس اليوم، أي الأربعاء 2 مارس 2022.
مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا هو المشروع الذي سيؤمن تصدير الكهرباء من الطاقة الشمسية التونسية إلى إيطاليا، والذي سيموله البنك الدولي بقرض سيسدده الشعب التونسي والأجيال القادمة، حيث عبر المدير التنفيذي للبنية التحتية لشمال إفريقيا للبنك، في لقائه هذا مع وزيرة الصناعة، عن استعداد البنك للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، وتقديم المساعدة الفنية للشركة التونسية للكهرباء والغاز، التي ستنجز المشروع باسمها، ويتم استغلاله لتصدير الشركات الأجنبية للكهرباء دون رقابة، ودون الاستفادة من مداخيل هذا التصدير باعتبار أن هذه الشركات هي شركات غير مقيمة وتنشط تحت نظام التصدير الكلي بما يعني أنها ستبيع جزءا من انتاجها لــ “الستاغ” بالعملة الصعبة وبأسعار السوق العالمية كما هو الشأن في تعامل “الستاغ” مع شركة “قرطاج للطاقة” ( وهي فرع لشركة أمريكية) التي تنتج الكهرباء من الغاز الطبيعي في اطار عقد دخل حيز التنفيذ في سنة 2002..
هذا العقد، جاء بعد توقيع اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي لسنة 1995، وذلك بمقتضى القانون عدد 27 لسنة 1996 المؤرخ في 1 أفريل 1996، يتعلق بإتمام المرسوم عدد 8 لسنة 1962 المؤرخ في 3 أفريل 1962، والمتعلق ببعث وتنظيم الشركة التونسية للكهرباء والغاز، حيث تمت إضافة الفصل 3 (الفقرة الثانية) الذي ينص على: “غير أنه يمكن للدولة أن تقوم بإسناد لزمات لإنتاج الكهرباء إلى الخواص وتضبط شروط وإجراءات منح اللزمة بأمر”، وبمقتضى هذا التنقيح تم إنهاء احتكار إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي، من قبل الشركة التونسية للكهرباء التي أصبحت مدعوة، بمقتضى هذا العقد الذي تم إمضاؤه بين الشركة الأجنبية ووزارة الصناعة بتاريخ 24 مارس 1999 إلى تزويد “قرطاج للطاقة” بحاجياتها من الغاز الطبيعي بسعر تفاضلي، أي بسعر أقل من السعر المعمول به مع بقية الشركات، وشراءها لكامل إنتاج الكهرباء بسعر أعلى من كلفة إنتاجها للكهرباء وبالعملة الصعبة، وقبول كامل الإنتاج حتى ما يزيد عن حاجاتها.
اليوم يعيد التاريخ نفسه بسحب نشاط إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة من الشركة التونسية للكهرباء والغاز، ومنحه لشركات أجنبية في إطار لزمات، وذلك بمقتضى القانون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015 يتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة الذي جاء حسب فصله الأول بهدف إلى إنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة بهدف التصدير.
القانون كان واضحا بخصوص الجهة المعنية بالتصدير، فهي ليست الشركة التونسية للكهرباء والغاز، ولكن منتج الكهرباء من الطاقات المتجددة، الذي عرفه الفصل 2 منه: “كل شخص مرخص له في انجاز واستغلال وحدة لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة طبقا لأحكام هذا القانون ونصوصه التطبيقية”، بما يعني أن هذا القانون جاء خطوة أخرى في مسار رفع احتكار الشركة الوطنية لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، ومنح هذا الامتياز لشركات أجنبية، كشكل من أشكال الخصخصة التي رفضتها الولايات المتحدة الأمريكية في قطاع الطاقة.
وبخصوص آلية الخصخصة، التي تمر عبر عقد اللزمة، ينص الفصل 24 من القانون على: “تنجز مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، بهدف تصديرها في إطار عقود لزمة”، وهي عقود عرفها القانون عدد 23 لسنة 2008 المؤرخ في 1 افريل 2008 والمتعلق بعقود اللزمات، على أنها “العقود التي يفوض بمقتضاها شخص عمومي يسمى مانح اللزمة لمدة معينة، إلى شخص عمومي أو خاص، يسمى صاحب اللزمة التصرف في مرفق عمومي، أو استعمال أو استغلال أملاك أو معدات عمومية، بمقابل يستخلصه لفائدته من المستعملين حسب الشروط التي يضبطها العقد”، بما يعني أنّ المستفيد من إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، ليست الشركة الوطنية، وأيضا ليس الشعب التونسي، ولكن الشركات الأجنبية التي تولى مجلس تواب الشعب، ضبط كل القوانين الحامية لمصالحها على حساب مصلحة أصحاب الثروة الطبيعية.
ومرة أخرى، يكون الشعب التونسي الشاهد المغيّب على تفريط الحكومات لثرواته الطبيعية، والضحية بامتياز، لهذه الحكومات التي اختارت نهج المغالطة للبقاء في السلطة.