تقرير لوكالة إقليمية… تونس تبحث عن ضالتها من بوابة “النقد الدولي”
تونس ــ الرأي الجديد (وكالات)
لم تكن تبعات الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ جويلية الماضي، مقتصرة على حدود البلاد، لكنها كما يبدو وصلت إلى المانحين.
والسبت الماضي، ألمح ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أن التكتل قد يعلق مساعداته المالية لتونس خلال الفترة المقبلة، بسبب “الانتهاكات بحق الديمقراطية” في البلاد.
وحث بوريل الذي كان يتحدث مع قناة “TV5″، تونس “على العودة إلى المسار الطبيعي للديمقراطية وإلى الحياة الدستورية العادية”.
ومؤخرا، قرر الرئيس سعيد، حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو أحد الهيئات الحكومية القليلة المتبقية، التي ما زالت قادرة على التصرف بشكل مستقل عنه، فيما أكد الرئيس أنه يحاول “تخليص البلاد من الفساد”.
على خلفية هذه العقبات أمام ولوج تونس لقنوات الدعم الأوروبي، قال جيري رايس المتحدث الإعلامي باسم صندوق النقد الدولي، الخميس الماضي، إن الصندوق استأنف محادثاته مع تونس حول برنامج إصلاحات يمهد لتمويل جديد.
الملاذ الأول والأخير
ويبدو أن كل الطرق للحكومة التونسية، تؤدي إلى أبواب صندوق النقد الدولي، باعتباره مصدرا مفضلا للحصول على السيولة النقدية، في وقت تعاني البلاد أزمة سياسية واقتصادية ومالية.
والصندوق بالنسبة لتونس، سيكون طوق النجاة للحصول على النقد، لسد العجز في موازنة العام الجاري، ولتجاوز أي خطوات من المانحين الأوروبيين، بتعليق أو تقليص المساعدات للبلد الإفريقي.
ويقدّر حجم الميزانية لعام 2022 بـ 57.2 مليار دينار (19.8 مليار دولار)، أي بزيادة بـ 3.2 بالمائة، مقارنة بقانون المالية التعديلي لعام 2021.
ويُقدّر حجم الاقتراض الخارجي لتونس العام الجاري، بنحو 12.6 مليار دينار (4.3 مليارات دولار) مقارنة بـ 12.1 مليار دينار (4.12 مليارات دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021.
وتعود محادثات تونس مع صندوق النقد الدولي، إلى شهر ماي 2021، وما تزال حتى اليوم تراوح مكانها، ضمن المحادثات الفنية التي تسبق قبول المؤسسة المالية، برنامج إصلاح اقتصادي تقدمه الحكومة.
وهذا هو النموذج للدول النامية في طلب قرض من صندوق النقد الدولي، إذ يقوم على ملف إصلاحات اقتصادية، قد يشمل رفع الدعم أو زيادة الضرائب والرسوم، وخفض النفقات الحكومية، وفي حالات مثل مصر (2016) شمل تعويم العملة.
وبعد موافقة صندوق النقد على الملف، يعلن البدء ببرنامج إصلاح، يكون تحت مراقبته بشكل دوري، يقابله صرف قرض مالي يقدم على شرائح، إذ يرهن الصندوق صرف كل شريحة بخطوة من الإصلاحات المتفق عليها.
وفي قرض الصندوق الأخير المقدم لتونس عام 2016 بقيمة 2.88 مليار دولار، فقد شهدت بعض الفترات تأخيرا من جانب الصندوق بصرف شرائح جديدة من القرض، لخلافات مع الحكومة حينها في سير برنامج الإصلاح.
خشية شعبية
ولطالما كانت علاقة الشعوب العربية مع صندوق النقد الدولي متوترة، لأنها عادة ما تتضمن “إصلاحات” تأتي على جيوب المواطنين ومعيشتهم، وتضيق عليهم واقعهم أكثر.
وفي أمثلة سابقة في الأردن ومصر والمغرب والسودان، كانت زيارات فرق الصندوق تتابع محليا بكثير من الاهتمام والترقب، انتظارا لتوصيات المؤسسة للحكومة المحلية، والتي عادة ما تشمل خفض الدعم وضبط فاتورة الأجور.
وتونس ليست استثناء عربيا في هذه الجزئية، إذ تعاني البلاد من بطالة مفرطة تبلغ 18.4 بالمائة حتى نهاية الربع الثالث 2021، من 17.9 بالمائة في الربع الثاني.
والشهر الماضي، تركت تصريحات ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، علامات استفهام حول مستقبل الوظيفة العمومية في تونس، التي تعد همًّا رئيسيًا للباحثين عن عمل في البلاد المرتبكة سياسيا واقتصاديا.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن “فاشيه” قوله، إن على تونس “الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدا، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم”.
وبحسب بيانات حكومية، يبلغ عدد الموظفين العموميين في تونس حتى 2021، نحو 661.7 ألف موظف، بإجمالي فاتورة أجور سنوية 20.3 مليار دينار (7.2 مليارات دولار)، تعادل قرابة 38 بالمائة من إجمالي الميزانية.
كذلك بلغ حجم الدين العام 102.7 مليار دينار (35.69 مليار دولار) في نهاية نوفمبر2021، مقارنة بـ 91.8 مليار دينار (31.88 مليار دولار) في نهاية الشهر نفسه من 2020، مسجلا زيادة بـ 11.9 بالمائة.
ويتوزع هذا الدين العام إلى 40.9 مليار دينار (14.2 مليار دولار) دين داخلي، و61.8 مليار دينار (21.4 مليار دولار) دين خارجي.