تحليل سياسي: شرف الدين والرئاسة والمؤسسة العسكرية و”لوبي السواحلية”
بقلم / صالح عطية
علمت “الرأي الجديد”من مصادر جديرة بالثقة، أن تعديلا حكوميا وشيكا، من المرجح أن يشمل عدّة حقائب على درجة كبيرة من الأهمية، في مقدمتها حقيبة رئاسة الحكومة.
ولعبت بعض الأطراف المعروفة بعلاقتها بكواليس التعيينات صلب القصر، دورا مهما في تحديد بعض الاسماء، التي تتماشى مع وجهتها في المرحلة المقبلة، سواء الوجهة السياسية، التي تجعلها تتحكم في سياقات السلطة والقرار السياسي، أو الوجهة الاقتصادية (المصلحية) التي تتماهى ومصالح هذه الأطراف وحساباتها.
ومن المتوقع حينئذ، أن يذهب هذا التعديل المتوقع، برئيسة الحكومة الحالية، نجلاء بودن، خارج السياق الحكومي، فيما يتداول بقوة، إسم وزير الداخلية الحالي، توفيق شرف الدين لخلافتها..
“اللوبيات” تتحرك.. و”السواحلية” على الخطّ
ويبدو أنّ “اللوبي السياسي” الساحلي، الذي تعوّد الإستحواذ على القرار السياسي، وعلى مقاليد السلطة، من خلال ماكينة “المنظومة القديمة”، التي عادت للهيمنة من جديد في المشهد الحكومي، وصلب دواليب الدولة عبر ما تبقى من رجالاتها، يدفع بهذا التعديل، في ضوء قراءتهم التي تحيل على “نهاية الرئيس”، بما يجعل شرف الدين الأقرب إلى رئاسة الجمهورية، بمقتضى ما نص عليه المرسوم 117، الذي يمنحه إمكانية دخول القصر الرئاسي بشكل مرسومي / قانوني لا لبس فيه، وفق تقديرهم..
وكان المرسوم الرئاسي (117)، نص على أن يتولى رئيس الحكومة مسؤولية رئاسة الجمهورية، فيما لو تعرض المنصب الرئاسي إلى شغور بسبب المرض أو العجز أو أي عائق آخر، بما جعل البعض ممن بات يرغب في التغيير على رأس السلطة، استخدام الفصل المتعلق بتسديد الشغور، الذي يتوقعون حصوله في منصب رئاسة الجمهورية.
ويجري الحديث في هذا السياق، عن دعم كبير يجده شرف الدين من قبل “لوبيات” وقوى الدولة العميقة، الذين يعتبرون وزير الداخلية الحالي، الأكثر ثقة في هذه المرحلة، حيث بإمكانه أن يعتلي سدّة الحكم لفترة 90 يوما، تنظم في أعقابها انتخابات جديدة، تعصف بالمشهد السياسي الراهن، وتضع لبنات وضع جديد، وفق ما ترغب الدولة العميقة، التي تشتغل ــ على ما يبدو منذ فترة ــ على وضع تفاصيل هذا المشهد الجديد، بعيدا عن القوى الرئيسية الراهنة، سياسيا ومؤسساتيا.
وكان عدد من الملاحظين والمدونين، حذّروا مما أسموه بــ “التخطيط لانقلاب لا غبار عليه”، معلنين رفضه جملة وتفصيلا، وفق بعض التدوينات التي كتبها أصحابها خلال الأيام القليلة الماضية، أو تضمنتها فيديوهات، حتى لمن يزعمون أنهم قريبون من الرئيس، قيس سعيّد، على غرار “السيد عرفة”، وتسجيلاته التي تكشف خبايا ما يجري في القصر الرئاسي، من صراعات بين شق نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي، ووزير الداخلية، ومدير الديوان الرئاسي، في ارتباط بوزيرة العدل، خاصة فيما يتعلق بتحريك بعض الملفات أو الإعتقالات والإيقافات ذات الصبغة السياسية.
وضعية نادية عكاشة
وتتحدث بعض المصادر التي فضلت عدم ذكر هويتها، عن قرارات شرع في تنفيذها للمضي في اتجاه هذا الخيار، من بينها، وضع مديرة الديوان الرئاسي المستقيلة، نادية عكاشة، في وضع شبيه بالإقامة الجبرية، من خلال منعها من السفر، أو مغادرة بيتها، أو استخدام الهواتف، خشية استخدام علاقاتها وتحالفاتها، وربما “ميكماكاتها” مع مكونات في الداخل والخارج، وتوظيف ما بات لديها من معلومات، قد تستفيد منها جهات أخرى، ربما كانت غير راضية عن هذا التمشي.
وكانت الأيام الماضية، قد كشفت أنّ نادية عكاشة، خرجت من القصر لأنها رفضت سيناريو كان يجري الإعداد له، في مقابل دفعها باتجاه سيناريو آخر، يعتبره خصومها “الأسوأ منذ الثورة إلى الآن”، دون أن تظهر ملامح أو تفاصيل بشأنه إلى الآن، عدا بعض القصص التي هي من نسج الخيال حينا، أو من نحت الخصوم أحيانا أخرى.
لكنّ الأمر المؤكد أنّ الفرنسيين الذي كانوا على تماس مع مديرة الديوان الرئاسي، هم من دفعوا إلى إخراجها اليوم من القصر، لأنّ أجندتهم تغيرت، وبات الإستقرار طريقهم إلى ما تبقى من مصالح وحسابات في ليبيا المتاخمة مع حدودنا الجنوبية.
ويبدو من خلال المعلومات التي حصلت لدينا، أنّ المؤسسة العسكرية، لا تريد المغامرة بهذا الاتجاه، اتجاه الرهان على توفيق شرف الدين، على اعتبار أن وزير الداخلية الراهن، قد لا يكون الإسم الذي يمكن تسويقه على الصعيد الخارجي، ليس فقط لوجود قضايا مرتبطة به في بعض المحاكم، على خلفية الملفات الحقوقية والتعاطي الأمني اللذين حصلا في الأسابيع الأخيرة، ولكن أيضا لأن الرجل ليس حوله إجماع داخل المؤسسات السيادية، ولا صلب الطبقة السياسية، على اختلاف تناقضاتها..
لكنّ شرف الدين، يعدّ اليوم، الرجل الأقوى صلب المؤسسة الأمنية، سيما بعد أن ربح “معركة إخراج عكاشة” من القصر، بما قد يساهم ــ نظريا على الأقل ــ في إضعاف مدير الديوان الرئاسي، الذي جرى الحديث عن تنسيق كبير بينه وبين مديرة الديوان الرئاسي، ضدّ وزير الداخلية الحالي.
لطفي براهم.. وكمال اللطيف
ويتحدث خصوم توفيق شرف الدين، عن وجود داعمين له بقوة، في مقدمتهم، وزير الداخلية الأسبق، لطفي براهم، الذي يتردد أنّه “العضد الأيمن” لشرف الدين، وهو الوجه الساحلي المعروف، والذي دخل في صراع مكشوف خلال فترة إشرافه على وزارة الداخلية، سواء ضدّ اتجاهات حركة النهضة، أو ضدّ رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد، الذي سارع إلى إزاحته، بعد أن نسجت حوله “خيوط التخطيط لمؤامرة”، جعلت منه شخصية مسترابة صلب الحكومة..
ويتطلع لطفي براهم، إلى العودة إلى الحكومة، من بوابة وزارة الداخلية، التي يتحدث البعض أنه بات يعرفها معرفة دقيقة، فيما يتردد من اوساط عليمة، أنّ الرجل كان على هامشها، بعد أن سحبت منه القيادات الأمنية كل الصلاحيات والمهام، وهو ما عجّل برحيله، وفي جرابه ما يعرف بــ “ملف المنيهلة” الذي ذهب ضحيته عدة مواطنين في مداهمته الشهيرة تلك.. وهو الملف المطروح لدى القضاء، بما يجعل إشرافه على الوزارة ــ الأكثر جدلا وتأثيرا في الحكم في تونس ــ أمرا صعب المنال، وفق بعض التقديرات السياسية، وحتى الأمنية القريبة من دفّة التسيير بتلك البناية الرمادية.
تبقى الإشارة إلى الرجل الخفي والهام، كمال اللطيف، الذي يتردد أنه بات له دور متقدم في سيناريو المرحلة المقبلة، دون أن تتضح صورة الدور ومضمونه وأفقه، لكن في كل الأحوال، لا يبدو الرجل مقتنعا بالمسار الحالي، ولا هو مع خيار “الإقصاء” الذي تطالب به بعض الأطراف، للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، بما يجعل مقاربته، قريبة من المؤسسة العسكرية، الباحثة عن سيناريو أو مشروع سياسي للتهدئة، لأنّ المناخ السياسي، والظرفية الاقتصادية، والوضع الاجتماعي ــ النقابي، والأزمة المالية للموازنة التونسية، على “كفّ عفريت”، فيما المؤسسة العسكرية لا يمكنها أن تجابه جميع هذه الملفات، ولا هي من مشمولاتها بالأساس.
وإذا أضفنا إلى كل ذلك، ما نقله البعض عن تحرك للجيش في أحد شوارع العاصمة مساء أمس، وما يتداول عن “رمال متحركة” صلب القصر الرئاسي، ستظهر نتائجها ومظاهرها خلال الأيام القادمة، ندرك أنّ سيناريو شرف الدين، قد يكون الخطوة الأقرب، وقد يكون “سيناريو”، مجرد سيناريو “لجس نبض” القوى الحية في البلاد، والأطراف الخارجية المعنية بالشأن التونسي، بعيدا عن أي مزايدة أو شقشقات لفظية..
الأكيد، أنّ الأيام، إن لم نقل الساعات القادمة، ستكون حبلى بالجديد في تونس، خصوصا مع استقالة وزير الخارجية، عثمان الجرندي، وتدوينته “الخطيرة”، التي تحدث فيها عن “بيع تونس”، واصفا من يقدم على هذه الخطوة بــ “الأنذال”.
وهذه بوابة أخرى من بوابات الصراع على السلطة في تونس، في علاقة بأجندات أجنبية، حان وقت الكشف عنها أمام الرأي العام التونسي..