صحيفة تكتب: “قمع” ومحاكمات عسكرية و”إستبداد” … تونس إلى أين ؟
لندن ــ الرأي الجديد (صحافة عالمية)
نشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية الخميس 27 جانفي، افتتاحية بعنوان “قيس سعيد يقود تونس نحو طريق خطير”، في إشارة إلى سياساته التي تهدد التجربة الديمقراطية في البلاد وتضرب الأصوات المعارضة، وتضيق على الحريات في ظل أزمة اقتصادية خانقة، حسب الصحيفة.
ووصفت الصحيفة البريطانية قيس سعيد بـ “مهندس رد الدولة العدواني على منتقديه ومعارضيه”، وذلك بعد قيامه بتعليق البرلمان بعد أقل من عامين على توليه رئاسة الجمهورية، متذرعا بالمادة 80 من الدستور التونسي لتبرير سيطرته على كل السلطات التنفيذية والتشريعية، و”الحكم بمقتضى أوامر تنفيذية في سيناريو يحمل بصمات الانقلاب”.
وتناولت الافتتاحية بشكل موسع سياسات قيس سعيد “أستاذ القانون المتقاعد الذي فاجأ الكثيرين بفوزه في انتخابات 2019 رغم أنه غير معروف سياسيا”، والذي يشكل تهديدا للمكاسب الديمقراطية التي تحققت عقب الثورة، ويسعى قيس سعيّد، إلى تعزيز سلطاته عبر إجراء استفتاء على الدستور، يعيد البلاد إلى رئاسة تنفيذية على غرار تلك التي تمتع بها زين العابدين بن علي، الديكتاتور المخلوع عام 2011، مع تأجيل إجراء انتخابات برلمانية جديدة حتى نهاية العام الجاري على الأقل.
مؤشرات مقلقة
كما توقفت الافتتاحية عند القمع الأمني للمتظاهرين المعارضين للرئيس التونسي يوم 14 جانفي/يناير، والذين نزلوا إلى شارع الحبيب بورقيبة بمناسبة ذكرى الثورة، مشيرة إلى أن المتظاهرين السلميين “تعرضوا في تونس للضرب بالهراوات والرش بخراطيم المياه”.
تصاعد إحالات المدنيين على القضاء العسكري مثل بدوره مؤشرا مقلقا توقف عنده المقال، والذي دفع جماعات حقوق الإنسان إلى التعبير عن مخاوفها من ارتفاع عدد المدنيين الذين يواجهون هذه المحاكمات، مضيفا أنه “جرى اعتقال نواب معارضين ومذيع تلفزيوني وآخرين وتمت إحالتهم على المحاكم العسكرية بعد انتقادهم قيس سعيد”.
واعتبرت الافتتاحية أن هذه الممارسات التي ينتهجها الرئيس تعد من “الإشارات المقلقة، التي تشير إلى أن تونس تعيش خطر عودة الاستبداد الذي انتفض ضده ملايين التونسيين بشجاعة قبل عقد من الزمن”.
الأزمات الاقتصادية
ورأت الافتتاحية أنه على قيس سعيد “أن يحترم المنظومة الديمقراطية وأن يركز على التعامل مع المشاكل الاقتصادية للبلاد”، في ظل الأزمات المالية والمشاكل الاجتماعية المرتبطة بالفقر والبطالة والتنمية التي تعيشها تونس.
واعتبرت الصحيفة البريطانية أن قيس سعيد فشل في تحقيق المطلب الرئيسي الذي ينادي به التونسيون بشكل أساسي، والمتعلق بوضع خطة اقتصادية قابلة للتطبيق لمعالجة ارتفاع معدلات البطالة وتدهور مستويات المعيشة، وغيرها من المظالم الاجتماعية التي رزح تحتها التونسيون لسنوات طويلة.
وأوضح المقال أن هذا الاحتقان الاجتماعي، كان من بين العوامل التي تفسر الدعم الشعبي الذي حظي به قيس سعيد بعد “استيلائه الوقح على السلطة”، في 25 جويلية/يوليو الماضي، نتيجة خيبات الأمل والإحباط الذي أصاب التونسيين من إخفاقات الأحزاب السياسية القائمة والائتلافات الحكومية الضعيفة، التي ميزت سنوات ما بعد الثورة، وأدت إلى تواتر 10 حكومات في البلاد خلال عقد من الزمن.
وأضافت فايننشال تايمز في حديثها عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، “تعد تونس الفقيرة من حيث الموارد إحدى الدول العربية الأكثر عرضة لتضخم أسعار الغذاء العالمي وارتفاع أسعار النفط، ولكن بدلا من وضع رؤية لمعالجة هذه الصعوبات التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، اختار قيس سعيد إلقاء اللوم على منظومة الفساد ومنتقديها، متهما المعارضين بتلقي تمويلات أجنبية”..
وحذرت الافتتاحية من تداعيات المشاكل الاقتصادية على رصيد شعبية الرئيس التونسي، “فكلما طال أمد هذه الصعوبات، كلما تآكلت شعبيته بشكل أسرع وزاد مؤشر إحباط التونسيين وغليان الشارع”.
العودة لمسار الديمقراطية
بينت الصحيفة البريطانية أن قيس سعيد مطالب بإعادة تونس إلى مسار الديمقراطية، وتركيز طاقته على تحسين مناخ الأعمال وتقليص البطالة، محذرة من أن العودة إلى الديكتاتورية على غرار نظام بن علي “لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأمور”.
وفي السياق ذاته، تبنت الافتتاحية الدعوات إلى العودة إلى طاولة الحوار بين الرئيس التونسي ومعارضيه لإيجاد مخرج من المأزق السياسي الراهن، وذلك على قاعدة اعتراف الأحزاب والقوى السياسية بأخطائها ومراجعة إخفاقاتها، مضيفة “خلال الأزمات السابقة أظهر السياسيون استعدادا للانخراط والتسوية للحفاظ على المثل الثورية ، ويجب على قيس سعيد وخصومه أن يفعلوا ذلك مرة أخرى”.
كما دعت “الفايننشال تايمز” المجتمع الدولي، إلى استخدام نفوذه للضغط على قيس سعيد وكبح ميوله الاستبدادية، إلى جانب توظيف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للتخفيف من حدة تأثير الإصلاحات المؤلمة المفروضة على الاقتصاد التونسي، والتي تشمل التخفيض من كتلة أجور القطاع العام المرتفعة ومراجعة سياسة الدعم، مبينة أنه إذا واصل قيس سعيد سياسته دون رادع ، “فهنالك خطر حقيقي بأن ما تبقى من ديمقراطية فاعلة في العالم العربي سوف تصبح جزءا من التاريخ”.08