“نيويورك تايمز”: ضغوط “قوية” على قيس سعيّد لإنقاذ الإقتصاد … لكنّه منشغل بتعزيز سلطته
واشنطن ــ الرأي الجديد (وكالات)
تحت عنوان “الضغوط تتزايد على الرئيس التونسي لإنقاذ الاقتصاد”، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته من تونس مراسلتها فيفيان يي، قالت فيه إن قيس سعيّد وعد عندما استولى على السلطة في جويلية بمعالجة الأزمة الاقتصادية، ولكن التونسيين لا يزالون ينتظرون.
وبدأت المراسلة، بالإشارة إلى محادثة تمت قبل وقت العشاء في ميناء تونس، حيث حيّى حاج مراد (45 عاما) صاحب بقالة صغيرة قرب الشارع الرئيسي زبائنه ورحب بهم بابتسامة ونكتة، وضحكوا جميعا وهم يدفعون ثمن الدجاج وعلب الطماطم، لكن المرح كان يشبه مزاح من يقف على منصة المشنقة.
وقال لسائح أمريكي: “ماذا لو أعطيتني بعض الدولارات ووفرت لي تأشيرة لأمريكا” قبل أن يبدو جادا “الناس قلقون وخائفون” و”ارتفع سعر كل شيء من البيض واللحم إلى الخضروات، يبدو وكأن وحشا قادما”.
وهذا الوحش هو تهديد الانهيار الاقتصادي، والذي وعد الرئيس عندما استولى على السلطة بمنعه. وبرر سعيد تحركه في جويلية، بوقف البرلمان ومراكمة السلطة بين يديه بناء عليه. وفي الوقت الذي يقود سعيد البلد باتجاه الحوار الوطني والاستفتاء بشكل يعزّز من حكمه الديكتاتوري كما يقول النقاد، فإن الضغوط تتزايد عليه للوفاء بوعده، والسؤال هو إن كانت لديه القدرة على إنقاذ اقتصاد البلد.
وتعاني تونس من الديْن وتواجه منذ سنين عجزا في الميزانية وسوء الإدارة وتبعات وباء كورونا، وأعلنت الحكومة أنها قد تقترض حوالي 7 مليارات دولار هذا العام. وللحصول على المال، يجب على التونسيين البحث عنه في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي سيطالب مقابل المال بإصلاحات اقتصادية مؤلمة وإجراءات تقشف. وقد يؤدي هذا للمس برواتب قطاع واسع من التونسيين والتأثير على الدعم الحكومي، في وقت ترتفع فواتير الكهرباء والمواد الأساسية. وهي صيغة ستؤدي لمزيد من الاحتجاجات والاضطرابات.
وتواجه سلسلة من “المشاورات” مع المواطنين عبر الإنترنت بشأن التعديلات الدستورية، شكوكا تتعلق بالشفافية والأمن. ولم يتم بعد الإعلان عن الهيئة التي ستوكل إليها مهمة كتابة مسودة الدستور الجديد. ولم تعلن الحكومة كذلك عن التحضيرات اللوجيستية أو الميزانية للاستفتاء الدستوري الذي حدده في 25 تموز/ يوليو المقبل، ولا يزال البرلمان معلقا.
واستهدفت السلطات نقّاد سعيد، وحاكمت واعتقلت عددا من المعارضين السياسيين ورجال الأعمال. وأغلقت أيضا مؤسسات إعلامية بحجة عدم الحصول على ترخيص. وقامت قوات الأمن يوم الجمعة باعتقال نور الدين بحيري، نائب رئيس حركة النهضة التي سيطرت مرة على البرلمان ووصفت تحرك سعيد في جويلية بالانقلاب.
وقال قادة النهضة، إنه لم يتم الكشف عن مكان احتجاز بحيري، وأن حالته الصحية تتدهور. وفي رسالة إلى سعيد، طالب زعيم النهضة، راشد الغنوشي، بالإفراج عن بحيري وإلا السماح لـ”فريق طبي وحقوقي” بزيارته.
وقال إسحق ديوان، أستاذ الاقتصاد المتخصص في العالم العربي بجامعة باريس للعلوم والآداب: “أشك كثيرا في قيام صندوق النقد الدولي بإعداد برنامج طالما ظل هناك غموض سياسي”. مضيفا: “بالعكس، فبرنامج متعجل يحتوي على تقشف قاس سيضر بالعملية السياسية الجارية”.
وبعبارات أخرى، فال تونسيون الذي يشعرون أن محافظهم المالية تفرغ من النقود، قد لا يتحملون خطط سعيد لمدة طويلة. ولكن الرئيس لا يزال يتمتع بدعم داخل البلد، رغم تراجع الأحزاب السياسية ونقابات الشغل التي دعمته. ووصلت شعبية سعيد بعد الإجراءات التي قام بها إلى 87% مع أنها تراجعت إلى ما بين 62- 67%. وبشكل نظري تقول نسبة 76% إنها ستصوت له في حال جرت انتخابات رئاسية.
وقالت الصحيفة، إن إشارات عن السخط ظهرت، ففي العاصمة تونس، يقوم المئات بالتظاهر بشكل منتظم ضد سعيد، وفي منطقة القصرين، وهي ولاية مهمشة وسط تونس، تظاهر المئات قبل فترة بسبب غياب الأعمال وارتفاع الأسعار، كما توفي متظاهر في نوفمبر عندما استنشق الغاز المسيل للدموع، وذلك عندما قامت شرطة مكافحة الشغب بفض احتجاج بشأن تراكم النفايات في مكب بمدينة صفاقس، ثاني كبرى المدن التونسية.
وإلى جانب احتجاجات صغيرة ومتفرقة، فعدد التظاهرات التي جرت في الأشهر التي أعقبت استيلاء سعيد على السلطة تفوق على عدد التظاهرات في نفس الفترة قبل عامين، وذلك حسب بيانات جمعها المنبر التونسي للاقتصاد والحقوق الاجتماعية.
وقالت ضحى حمامي، التي كانت تتسوق في حي حلق الوادي بتونس: “إنه يضيف للمشاكل” مشيرة إلى برنامج الرئيس المضطرب لتسجيل التطعيمات لكوفيد-19 وخططه لتجميد أجور القطاع العام، مضيفة: “إنه لا يعيش في العالم الحقيقي”.
وتعلق الكاتبة، أن التظاهرات لا تزال ثانوية في بلد عُرف بالاحتجاجات الكبيرة، خاصة منذ عام 2011. وتوقع المحللون تظاهرات أوسع نظرا لعدم وفاء سعيد بوعوده، لكنها لم تحدث، مع أن نقاده يتوقعون وبثقة اندلاعها.
ويقول سيد الفرجاني، عضو البرلمان عن النهضة: “عندما تملك العديد من السلطات في يد واحدة، فهذا يجعلك مسؤولا عن كل شيء”. مضيفا: “هو يملكها منذ أشهر ولم يقدم أي شيء”.
ومن أجل تخفيض العجز في الميزانية، أشارت حكومة سعيد إلى أنها ستفرض أو تزيد الضرائب في عدد من المجالات بما فيها النقل والفواتير الورقية للمتسوقين، مما سيزيد على أعباء التونسيين الذين يكافحون للحصول على المواد الأساسية. ومع زيادة أسعار القمح العالمية، والعجز في الميزانية التونسية، فإن الحكومة قد تتوقف عن دعم الخبز للمواطنين، حسب الاقتصاديين.
ونظرا لحكم الرجل الواحد الذي يمارسه سعيد، فإن الميزانية مُررت بدون نقاش في البرلمان، وظلت أجندته الاقتصادية بعيدة عن الأنظار وكذا مقترحاته السياسية التي ظلت غامضة. وأخافت ميوله الديكتاتورية وخطابه الشعبوي، رجال الأعمال كما قال عصام عياري، مدير شركة الخدمات المالية “تونسي فالور”.
وعلى الجبهة السياسية، يتساءل المحللون عن طبيعة المشاورات التي ستجرى عبر الإنترنت على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، وفيما إن كانت ستتم بالشفافية. وسيطلب من المواطنين الإجابة على عدد من الأسئلة تتعلق بالعملية الانتخابية وتقديم تعليقات حول النظام التعليمي والصحي والاقتصادي.
ويقول المحللون إن الحكومة لم تعلن إن كانت ستنشر النتائج ولا كيف ستؤثر هذه المشاورات على الدستور. ويقول المحلل السياسي التونسي محمد ضياء الحمامي: “أعتقد أنها طريقة لمنح الشرعية على القرار الذي سيتخذونه”. وهناك أسئلة حول الأمن في عملية المشاورة عبر الإنترنت، ذلك أن عملية التسجيل للتطعيم ضد كورونا لم تكن محصنة من التلاعب وضربت بعد أيام.
وإلى جانب الغموض السياسي والمصاعب الاقتصادية، عانى التونسيون مما يصفه المدافعون عن حقوق الإنسان، تدهورا وإن لم يكن كبيرا للحريات منذ استيلاء سعيد على السلطة، بشكل جعلهم يتذكرون أيام الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي.
وصدر على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، حكم بالسجن غيابيا لمدة أربعة أعوام بعد وصفه سعيد بـ”الديكتاتور” ودعوته فرنسا للتوقف عن دعمه. وتم الاعتداء على ناشط مثلي بشكل أظهر استهدافا متزايدا منذ جويلية. وتمت محاكمة عدد من السياسيين والصحفيين في محاكم مدنية وعسكرية وهي محاكم وافق عليها سعيد علنا.