الفاشية الدستورية.. أو ما ترسّب من انحرافات الماضي الاستبدادي !؟
بقلم / د. خالد شوكات
أذكر أنني يوم 17 جانفي 2011 كتبت مقالا في صحيفة “إيلاف” مدافعا عن حق التجمع الدستوري الديمقراطي في البقاء وإعادة البناء، وقلت حينها أن روسيا سمحت للحزب الشيوعي بالاستمرار فكيف لا نسمح نحن بذلك.
ثم كتبت في 6 أفريل 2011 مقالا في جريدة الشروق عنوانه ” هل بالإقصاء سنبني تونس الديمقراطية”، معارضا حينها قانونا يحرّم القيادات الدستورية من حق المشاركة الانتخابية والسياسية.
وقد دافعت منذ اليوم الأول للثورة عن ضرورة المصالحة الوطنية، مذكرا بالنماذج الناجحة في الانتقال الديمقراطي، مثل تلك التي حصلت في جنوب إفريقيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، وجميعها عملت على الحيلولة دون تحول الثورات إلى حالات تشفي وانتقام وتصفية واجتثاث، وعملت ما بوسعي على ان ادفع في اتجاه مصالحة الحاضر الديمقراطي مع الماضي التسلطي لصالح المستقبل التنموي، واجتهدت لتعبئة كل ما هو إيجابي في الأمة من اجل مواجهة التحديات الكبرى المطروحة في الراهن والقادم.
وقد انخرطت في عملية تأسيس وبناء حركة نداء تونس من هذا المنطلق الديمقراطي المحض، الساعي إلى تجسيد المصالحة الوطنية من جهة، والرامي من جهة ثانية إلى تثمين جهود نضال أجيال من الشخصيات السياسية الدستورية التي طالبت قبل جميع العائلات السياسية بالإصلاح الديمقراطي، من قبيل احمد التليلي وأحمد المستيري ومحمد مزالي والباجي قائد السبسي وكثر غيرهم.
وقد راهنت بالمعنى التاريخي هذا، على أصالة الفكرة الديمقراطية في سيرة الحركة الوطنية الإصلاحية الدستورية، إذ نشأ الحزب الحر الدستوري سنة 1920 على قاعدة ديمقراطية تعددية رغم طبيعة وظيفته كحركة تحرر وطني حينها، هذا إلى جانب المرونة الأيديولوجية والخط الوسطي المعتدل الذي اكتسبه الحزب الدستوري طيلة ممارسته للسلطة بعد الاستقلال، رغم كل الانحرافات التي سجلت خصوصا على صعيد الحد من الحرّيات وقمع حقوق الإنسان، وهي انحرافات اقل فداحة من تلك المسجلة لدى جل الأنظمة العربية خلال تلكأ الحقبة الزمنية السوداء التي عاشتها جل مناطق العالم خلال القرن العشرين الدامي.
وكنت قد حذّرت الأصدقاء والخصوم على السواء من نتائج ضعف أو انهيار تجربة حركة نداء تونس، باعتبارها حالة إعادة بناء للحركة الوطنية الإصلاحية الدستورية على قاعدة الديمقراطية، ولأنها شريك أساسي في عملية الانتقال الديمقراطي ومؤسسها الرئيس الباجي قائد السبسي رحمه الله احد كبار مهندسي هذا المسار منذ اختارته الأقدار سنة 2011 لقيادة البلاد في ظروف شديدة الاضطراب ونجح في إيصالها حينها إلى أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخها.
وكان آخر تحذير أطلقته عندما قرر الشاهد الانشقاق على ولي نعمته وخيانة الرجل الذي اختاره دون سبب معلوم لرئاسة الحكومة، ثم بعث حزبا غير قابل للحياة بلا مرجعية أو جذور أو رؤية، انتهى به إلى هدم النداء وفسح المجال أمام ظهور نسخة فاشية مشوهة لحزب الحركة الوطنية الإصلاحية، هو اقرب إلى عملية السطو والاحتيال على موروث لم تبق منه سوى الأسماء، بينما سلك إيديولوجيا وفكريا وسياسيا مسلكا غريبا تماما عن أدبيات القادة والمؤسسين، عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، وظهر نتاجا أمينا لكل ما هو سيّء ورديء في العهود الماضية، خصوصا عهد الرئيس بن علي، حيث يحضر الأمني والاستخباراتي والمشبوه أكثر مما تحضر أفكار الإصلاح والاعتدال والوسطية والوحدة الوطنية التي طالما ميزت أطروحات منظري التيار الدستوري.
نظريا، يفترض أن يصطف الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي اليوم مع المعارضة، باعتباره حزبا متضررا كغيره من الأحزاب السياسية من حالة الانقلاب على الدستور وضرب الحرّيات وحقوق الإنسان وقواعد الديمقراطية، لكن هذا الحزب فضل مواصلة العمل بطريقة عجيبة غريبة تجعل خصومه في المعارضة لا الحكم، على نحو تتنقل فيه جماعته من مقر فرع جمعية في شارع خير الدين للمطالبة بحل منظمة مدنية إلى مقر وزارة التعليم العالي للمطالبة بحل منظمة طلابية. وهكذا هو العمل السياسي في نسخته الفاشية، استثمار في الحقد والكراهية والتقسيم، بدل الاستثمار فيما يعالج قضايا التونسيين الحقيقية في التنمية والديمقراطية.