التوافق إذا حضر…
بقلم / محمد الرقـــــاد*
في أصل معنى التوافق
في الأصل تقوم المجتمعات على أقدار من التوافق الداخلي.بل ربّما لا نستطيع أن نتحدث عن مجتمع أو أي شكل من أشكال الانتظام البشري دون حصول نوع أو شكل من التوافق. وضمن هذا التوافق ينتظم التعدّد والتنوّع فيزيد أو يضعف من مرحلة تاريخيّة إلى أخرى وكذلك من مجتمع إنساني إلى آخر. ولعله ما يتحقق في أي مجتمع من توافق داخلي وما يحقق الفاعلون من قدرات على إدارة التنوع خاصة في حالات التأزم يظل من أحد المعايير التي تساعد على تحقيق الاستقرار الإيجابي الذي ينتج النماء والتطور وتعميم الفائدة على الجميع بصورة عادلة وفق ما يتواضعون عليه من دساتير وقوانين.
وهذا التوافق الذي أقصده هو توافق طبيعيّ يتحقق كمنتج للتعايش التاريخي، الثقافي، المجتمعي ثم يتحول إلى صورة تحقق الثقافة والتقاليد والأعراف وأنماط الانتظام المعتمدة. فيحقق هذا الكل المجتمعي هويته وكينونته الحضارية وينتج النمط الاجتماعي وتصبح هي الإطار المنظم للنظام السياسي وللدولة عموما.والنظام الديمقراطي باعتباره الأنموذج الذي يؤمن الحريّة والتعدّديّة والتداول السلمي ويضمن الحق في المشاركة للجميع كما يحترم الحق في المعارضة هو من أرقى مستويات التوافق التي توصل إليها العقل السياسي.
التوافق سمة تونسيّة خالصة
لن أعود إلى التاريخ البعيد أو التاريخ الحديث لإثبات ما تزخر به تونس من محطات كان التوافق عنوانا لها. لكنّني سأعتمد على شواهد ما بعد ثورة الحريّة والكرامة. كيف تبرز هذه القيمة؟ لقد دأبنا في تونس على خوض معركة الحريّة والكرامة في حالة تفرّد قوامها السبق، الاجتماع على مطالب جامعة تهمّ الكل الوطني الذي يتوق إلى الحريّة والكرامة والعدالة والتجاوز الكلي عن الاختلافات الإيديولوجيّة أو السياسية أو المناطقيّة الجهويّة. هي حالة من الانسجام الفريد بين هذا الكل حتى أصبحت تونس أيقونة مميّزة وعنوان تجربة محل تقدير كل العالم.
ظل الشعب التونسي العظيم على هذه السمة على مدار هده العشريّة فلم يفقد صوابه ولم يسر عكس اتجاه البوصلة، عن طريق الجلوس إلى طاولة الحوار الموصل إلى الحل إثر كل أزمة مهما كانت حادّة. ففي ذات ديسمبر سنة 2010 أشعل الشعب موحّدا ثورة فريدة وجابه غطرسة النظام بصدور عارية لكن بإرادة حرّة ضمن حراك شعبي سلمي توحّد فيه الجميع تحت خيمة الوطن حيث لا إيديولوجيا أو أثنية أو صراع جهويّ وإنما كانوا مجمّعين وموحّدين لتحقيق حلم أجيال في الحريّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعية والتنمية والعيش الكريم.سقط النظام وضعفت الدولة وقل الأمن لكنّ الشعب سجّل ملحمة مواطنيّة مشرّفة تصافح فيها الناس وعرف الجار جاره بعدما عمل النظام على تكسير النسيج الاجتماعي، إذ الطبع غلب والأصل استفاق فكانت حالة من التعاون والتآلف والتوافق النفسي والاجتماعي فحمى الناس الأحياء والمؤسسات الخاصة والعموميّة ، وقدّموا صورة مستحيل أن تمحى من الذاكرة بل ستبقى معينا ينهل منه الشعب وقواه الحيّة السياسية والمدنيّة لتكون في الموعد الوطني الذي يوحّد ويعرف كيف يدير التنوّع فيصنع الحدث.
نجحت الثورة في سرعة فائقة وسقط رأس النظام وانكمش أزلامه بل أصاب الرعب كثيرا من زبانيته لأنهم يعرفون حجم ما اقترفوه في حق هذا الشعب من ظلم وحيف اجتماعي طال الجميع حتى قيل أنّ الظلم كان أعدل الأشياء توزيعا بين الجهات وبين مختلف العائلات السياسية ..لكن في المقابل لم يلجأ هؤلاء الضحايا بالمعنى السياسي أو الاقتصادي الاجتماعي أو الجهوي لا إلى الانتقام من جلاديهم أو من ناهبي أرزاقهم وإنما دعوا في لحظة وعي إلى تطبيق العدالة الانتقاليّة التي ستنتهي إلى تحقيق مصالحة وطنيّة شاملة. لم يقتصّ الثوار ولم يرتكبوا حماقات أو جرائم وإنّما هي عدالة انتقاليّة في كنف القانون العادل الذي يضمن حقوق الجميع ويضمّد جراح الماضي لكي تسير سفينة تونس نحو أهدافها الحقيقيّة من حرية وشغل وكرامة وطنية حاملة كل أبنائها. فلا تورّث الأحقاد والأزمات للأجيال القادمة. ولا تتكرّر المآسي.لسان الحال يسأل:ألا يكفي ما عانى السابقون؟ ألا يكفي ما لحق تونس من تخلف وما دفعنا من أثمان كان يمكن أن تكون عناصر بناء وتقدّم ورفاه وديمقراطيّة؟
لقد عبّر الفرقاء السياسيون ومختلف الفعّاليات الاجتماعيّة المدنيّة على كفاءة نوعيّة في إدارة التنوّع بالرّغم من عقود طويلة بل قرون من سيطرة منطق التسلط والرأي الواحد والحزب الواحد الذي عمل فيه كثيرون على تحطيم النسيج المجتمعي وما يزخر به من توافق بل توحّد حتى عدّت هذه الحالة من علامات قوّة مجتمعنا.فطفق المخيال الجامع للشعب التونسي وقواه الحيّة منذ هذه اللحظة الفارقة يعتبرون أنّ تثبيت الديمقراطيّة وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية لا تحصلان إلا بالدربة على إدارة التنوّع بالحوار العقلاني الذي يغلّب المصلحة الوطنيّة على المصالح الفئويّة أو الحزبيّة أو الشخصيّة . وكان الحوار الذي يشارك فيه الجميع هو الكفيل بتفكيك الأزمات في مناسبات ومحطات أساسية.
لقد جمعت الهيأة الوطنية للانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة جميع العائلات السياسية وعددا من الشخصيات الوطنيّة وكانت فضاء مهمّا للتدرّب على الحوار والتوافق السياسي الذي نتج عنه عديد القرارات مثل خيار المجلس التأسيسي وقانون الانتخابات. وظل الحوار هو المخرج من عديد الأزمات نذكر أساسا ما جرى عندما اشتدت الأزمة السياسية اثر الاغتيالات السياسية في 2013 . فتقدّم الرباعي الرّاعي للحوار المؤلف من كبرى المنظمات الوطنيّة التي تمكنت من جمع الفرقاء الأساسيّين حول طاولة الحوار الوطني وانتهوا إلى خارطة طريق ضمنت تثبيت الانتقال الديمقراطي وفوّتت الفرصة أمام المتربصين بالثورة التونسيّة. فنالت تونس بمفعول هدا التوافق جائزة نوبل للسلام ، هي جائزة حسّنت صورة تونس في العالم كان على التونسيين إحكام استثمارها تسويقا للتجربة الديمقراطية الفريدة وجلبا للاستثمار الخارجي. تدرّب التونسيون خلال هذه العشريّة على التداول السلمي على السلطة إثر محطات انتخابيّة متتالية دون اعتماد منطق المغالبة عند تكوين الحكومات المتعاقبة. جرى ذلك إثر انتخابات أكتوبر 2011 فتكوّنت الحكومة من تحالف ثلاثة أحزاب عرفت بالترويكا بالرّغم أنّ الحزب الأغلبي كان يريد أن يكوّن حكومة وحدة وطنيّة ولو انفتح أكثر وصبر قادته أكثر لحققوا ذلك وربّما كانت تلك الوحدة الواسعة إن حصلت لجنّبت تونس الثورة عديد الأزمات ولا يمكن أن ننسى ما قامت به لجنة التوافقات داخل المجلس التأسيسي من جهود في تقريب وجهات النظر الأمر الذي انتهى إلى إقرار دستور 27 جانفي 2014 بنسبة تصويت عالية جدا فاقت كل توقّع، هو الدستور الجامع لكل التونسيين فيجد فيه كل الأطراف كثيرا ممّا يتوقون إليه.وهل هذا بالأمر الغريب؟ أليس ما يجمّعنا أكثر بكثير ممّا يمكن أن يفرّقنا؟ثم بعد انتخابات 2014 تحالف الحزبان اللذان أحرزا المرتبتين الأولى والثانية فكوّنا حكومة ائتلافيّة برئاسة شخصية وطنيّة مستقلة ثم توسّعت لتصبح حكومة وحدة وطنيّة مثلت أطول حالة استقرار كان على المسؤولين والقوى الاجتماعية أن يحوّلوا تلك الحالة إلى فرص للإنتاج النافع .ولا يمكن أن نغفل عن ذكر حوارات قصر الضيافة أو الحوار الذي قاده الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وانتهى إلى ما يعرف بوثيقة قرطاج 1 و2. كان حوارا وطنيّا واسعا شمل أهمّ المشاكل الاقتصادية، الاجتماعية وكان يمكن أن يؤسس لانتقال اقتصادي، اجتماعي لو لم ينته الأمر إلى تعليق الحوار إلا بعد تفاقم الأزمة بين رأسي السلطة التنفيذيّة آنذاك. لكن بالرغم من كل هذه الهنات التي حصلت في أثناء هذه التجربة أو في تلك فقد أضاف العقل السياسي التونسي المبدع للمدوّنة مبدأ التوافق في سياق ديمقراطي تشاركي كآليّة توافق تساهم في تيسير إدارة الشأن العام في مناخ تشاركي شفاف وحوكمي.
واقع الحال أزمة ثم إجابة دون أفق
إنّه بالقدر الذي عبّر فيه التونسيون عن استبشارهم بثورتهم وبالقدر الذي حلموا فيه ذات 2011 بانفتاح آفاق كبيرة أمامهم قوامها الحريّة والتنمية والعدالة الاجتماعيّة في مناخ من التعايش والتنافس الحرّ والنّزيه في كنف الديمقراطيّة والقانون لكنهم بذات نفس القدر لم تمرّ سنتان أو ثلاثة إلا وقد بدأت الأمزجة تتعكّر وخاب ظن كثيرين فيما علقوا من آمال لا سيما في الشغل وفي تطبيق القانون ومحاربة الفساد. وبدأ التذمّر يسري بين فئات ظلت تتسع دائرتها وعددها وهم خاصة من الشباب ومن الطبقات الفقيرة والمهمّشة الذين رأوا أنّ ما تحقق من حرّيات وديمقراطيّة وتداول بعد كل انتخابات لم ينتج أيّة نقلة اجتماعيّة ولم تحقق مطالبهم المشروعة في العيش الكريم التي رفعوها وحلموا بها بل لم يروا بصيص أفق يمكن أن يطمئنهم أو يشعرون أنّ بعض مطالبهم بدأت تتحقق ولو بصفة متدرّجة.إزاء هذه الحالة المزرية دبّ اليأس وانسدّت الأفق وبدأنا نسمع أسئلة من قبيل ما قيمة الديمقراطيّة إذا لم تنج ثروة أو عدالة اجتماعيّة؟بقي حال التأزم الاقتصادي، الاجتماعي يبرز ويتفاقم سنة بعد أخرى: فارتفع عجز الميزانيّة العموميّة ووصلت المديونية أقصى مدى لها كما ارتفعت الأسعار ارتفاعا مشطا فتدنّت المقدرة الشرائيّة عند عموم الشعب وارتفعت نسبة التضخم التي بلغت بصفة عامة إلى حدود ,46 %وارتفعت من جديد نسبة البطالة لتصل إلى حدود18 ,6% وفق آخر بيانات المعهد الوطني للإحصاء إلى جانب ما عرفته المؤسسات العموميّة من تعليم وصحة ونقل من تردّي وضعف وحالة أزمات عميقة وقد ظلت المجموعة الوطنيّة تنتظر أن يشملها إصلاح عميق وشامل يجعلها قاطرة فعليّة لكل تنمية مستدامة ينتظرها الشعب التونسي منذ الألفيّة الماضية…تواصلت هده الحالة وكانت تزداد تأزّما يوما بعد يوم وتهيأت الظروف الاجتماعيّة المجتمعيّة لأيّ تغيير وعمليّة تبديل وما كان منطق الأشياء أن يقبل أن تتواصل الأمور التي تتسم بكل هذا التأزّم وبكل ما عرفته الدولة من تنازع في السلطة بين مكوّنات أساسيّة فيها سيما بين رأسي السلطة التنفيذيّة وبين السلطة التشريعيّة إلى درجة كادت الدولة أن تتفكك بل لم يبق ما يجمع بين مكوّناتها إلا ما ثبت في تاريخ وبنية الدولة التونسية ذات العراقة أو ما هو مدوّن في الدستور وما تنظمه القوانين لكن الواقع لم يكن يعكس كل هذه الأسس. ويسجل التاريخ القريب أنّ هدا الوضع المأزوم لم يكن غائبا عن كل ناظر أو كل وطنيّ بل قد وجدت مبادرات ودعوات لاجتماع الفرقاء للحوار والتفاوض للوصول إلى حلول تعالج الراهن وتفتح البلاد إلى مستقبل ذي أفق ولعلنا هنا نذكر الدعوة الصريحة التي توجه بها الاتحاد العام التونسي للشغل كبرى المنظمات الوطنيّة إلى رئيس الجمهوريّة الأستاذ قيس سعيّد منذ أفريل 2021 لكي يشرف على حوار وطني يشمل الجميع لكن لم يستجيب الرئيس لهذه الدعوة. كما دعا آخرون من أطراف سياسية وشخصيات وطنيّة ومنظمات من المجتمع المدني إلى مثل هذا الحوار الذي ينتج توافقا وخارطة طريق يلتزم الجميع بها حتى نخرج من حالة الأزمة التي غدت حالة تتعقّد وتستفحل يوما بعد يوم….فكان من الطبيعي أن يحدث تغيير ما. وهذا ما يبرّر أحداث 25 جويلية بوجه من الوجوه. بناء على ما تقدّم ما أظن أنّ عاقلا وطنيّا مهما ظل متمسكا بالمسار الديمقراطي ما زال يقبل أن يدافع أو يبرّر ما كان سائدا قبل 25 جويلية 2021 لكن بنفس القدر اعتبر الكثيرون مواطنون ونخبة أنّ الخروج عن المسار الدستوري واعتماد التدابير الاستثنائيّة وتعليق العمل بالدستور وإصدار المرسوم 117 الصادر في 22 سبتمبر الماضي أنّ كل هذه التدابير هي إجابة خاطئة ولا أفق لها ولن تقدّم حلولا لواقع الحال ناهيك أنها قد زادت الأمر تعقيدا وبلادنا عزلة إضافة لما عملته من تقسيم لا عهد للشعب التونسي به. وأن الإصلاح مطلوب لكن يتمّ ضمن الأليات الدستورية.
اليوم لم يبق من خيار إلا التوافق النّوعي
إنّه من أوكد الأولويات أمام التونسيين أن يتنادوا اليوم قبل الغد إلى لقاء وطنيّ جامع فيتوافقون على خارطة طريق يضبطون محطاتها وآليات تنزيلها وشروطها كما أزمنتها ومخرجاتها. ولا حلّ سواه أمام الجميع لا بدّ من قطع مسافات هي في الغالب وهميّة من قبل الجميع حتى لا تضع البوصلة أو تفقد تونس بريقها وفرادتها التي ظلت عنوان فخر. فهل نرى هذه الأيام بوادر لحوار نوعيّ على قاعدة صلبة وهندسة في التخطيط؟ هل يدرك كل الأطراف أنّهم مطالبون بالتحلي بقوّة إرادة ووجاهة اختيارات وأوليات من شأنها إحداث التغيير الذي بدأ يطول انتظاره؟ ألا يتابع الفرقاء ما يختمر في المجتمع وما يبديه المواطنون من تذمّر ومن يأس وخوف ممّا يخفي المستقبل؟ هل ما وصلت إليه البلاد من تردّ مازال لم يقنع البعض ؟!ألا يلتقطون اللحظة ويتنازلون لبعضهم من أجل المصلحة الوطنيّة ؟ هذا ما يتمناه كل وطني عاقل ينشد تثبيت مسار الانتقال الديمقراطي لكن مع تنقيته ممّا لحقه من شوائب لاسيما بارونات الفساد التي انتعشت في ظل الديمقراطية الهشة. عديد الوطنيين يرون إنّه الأمل الأخير للخروج من الأزمة التي طالت وتشعّبت بل إنّه الطريق الصحيح إلى تحويل ما جرى في 25 جويلة إلى فرصة حقيقيّة فنجنّب البلاد ما يتهدّدها من هزات قد تأتي على الأخضر واليابس. ربّما هذه تكون الفرصة الأخيرة.أنه لا سبيل آخر أمامنا كتونسيين حتى نعالج الأزمة الاجتماعية وندعم الحرية والديمقراطية إلا بالمزيد من التوافق المجتمعي والسياسي وهذا هو التمشي الوحيد الذي يؤهلنا إلى إنجاز إصلاحات كبرى فننتج الثروة ونحقّق التنمية والعدالة الاجتماعيّة في ظل تطبيق القانون على الجميع على قدر المساواة. لا غرابة أن يختلف التونسيون وقد تتعارض أهداف بعض الأطراف السياسية إلى حدّ التناقض وهذا طبيعي جدّا ومشروع بل في ذلك ثراء للمشهد ودليل حيويّة مجتمعيّة وسياسيّة وثقافيّة ولكن مهما علت الأصوات ومهما يحدث بينهم من صراع وتجاذب ثقتي أنّهم سيتنادون إلى حوار وطني مسؤول يوصل إلى تفاهمات وتوافقات فتتجاوز ما حلّ بنا من أزمات أو لحظات انسداد. ونترك الخلافات وأوجه التمايز للبرامج والمشاريع الانتخابيّة.هذا هو الطريق الذي دأب عليه التونسيون وظل نقطة مضيئة جنّب البلاد السقوط في المحظور.لكن ألا يحق أن نتساءل اليوم لم إضاعة كل هذا الوقت؟ ألا يكفي ما يعانيه الناس من صعوبات وشظف عيش؟. ألا يشعر الجميع بالقلق وهم يرون الشباب يفقد الأمل ويرمي بحياته في عباب المجهول؟
نعرف جميعا أنّ للتوافق بعض العوائق قد يحاول البعض أن ينمّيها أو يستثمر فيها لقصر في النظر أو لضعف في التجربة لكنّني لم أرد الإشارة إليها الآن قصدا فكتبت عن “التوافق إذا حضر” لأن الأمل يحدوني أنّ في وطني الجميل ذي القيمة الحضاريّة العالية قادة وأطراف سياسيّة ومنظمات وطنيّة وأهل رأي وعقلاء،جميعهم لن يتأخروا- كما عهدناهم – إلى بذل الجهد لتحقيق توافق نوعي بنّاء وهم يدركون أنّ تونس في أمسّ الحاجة إليه أكثر من أيّ وقت مضى.ويسارعون إلى حوار جدّي وعميق دون مواربة أو مجاملة لكن دون إقصاء. نريده حوارا وطنيا عميقا ينتج توافقا صلبا ينتج خارطة طريق تخرجنا من الأزمة الخانقة ويلتزم بها الجميع.
رجاء بحجم هدا الوطن الجميل، بحجم هده الثورة الجامعة، بحق هدا الشعب الكادح، المعطاء وبكل بقايا أمل خامر الشباب فثار طالبا الحريّة والتشغيل والحق في العيش بكرامة، لا تتردّدوا، لا تبخلوا ، تواضعوا إلى بعضكم البعض نحن كتونسيين قادرون على مساعدة أنفسنا لا أحد سينقضنا. فعلا يحدوني كل الأمل ألا أكتب في قادم الأيام مقالا يكون عنوانه ” التوافق إدا غاب”.
* باحث في الحضارة