المرابحة… آلية التمويل الإسلامي التي يستخدمها “مصرف الزيتونة” بديلا عن التمويلات الربوية
تونس ــ الرأي الجديد
يمتد تاريخ التمويل الإسلامي إلى أكثر من 1400 سنة، عندما كان سكان العالم يعتمدون بشكل خاص، على أنشطة تجارة السلع..
ويوفر التمويل الإسلامي، حلولا بديلة عن طريق تطبيق هذه المبادئ، على النشاط المالي لحرفائه، ويتم ذالك باستخدام أدوات مبتكرة ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية..
ومن بين أبرز عمليات التمويل الإسلامي، المرابحة، التي يستخدمها مصرف الزيتونة بشكل أساسي من بين عقود كثيرة، تعدّ أدوات عمل البنك منذ نشأـه..
المرابحة
التمويل بالمرابحة هي عملية يتولّى بمقتضاها المصرف، بناء على طلب الحريف الآمر بالشراء، شراء منقولات أو عقارات أو خدمات لدى طرف ثالث ثم بيعها للآمر بالشراء بثمن يعادل تكلفة شرائها مع زيادة هامش ربح محدّد مسبقا. ويكون الربح مبلغا معلوما من كلفة الشراء، ويتم تسديد ثمن الشراء على أقساط معلومة.
مصرف الزيتونة يقتني السّلعة التي يحدّدها الحريف، ويعيد بيعها لاحقا إليه مقابل هامش ربح متّفق عليه بين الطرفين. وهذا الهامش يمكن أن يتمثّل في مبلغ محدّد قار أو نسبة من كلفة الشراء الأصلية لهذه البضاعة. والمرابحة، هي طريقة تمويل مقترحة من قبل “مصرف الزيتونة” بالنسبة للحرفاء من الأشخاص الطبيعيين ومن المؤسسات والمهنيين على حدّ السّواء لتمويل عدّة مشاريع أو مقتنيات، بينها:
* العقارات،
* السيارات الجديدة أو المستعملة،
* المخزون من البضائع،
* المواد الأولية،
* منتجات وسيطة،
* تجهيزات ذات استعمال مهني و/ أو خاصّ.
المرابحة في اللغة:
تحقبق الربح، وفي الاصطلاح: “نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح، وهذا يعني البيع بزيادة على الثمن الأول. فالمرابحة تعتبر من بيوع الأمانات التي تعتمد على إخبار المشتري بثمن السلعة وتكلفتها التي قامت على البائع، ومما هي زيادته عليها، ففيها يقوم صاحب السلعة (البائع)، بتعريف المشتري بثمن شرائها، ويأخذ من المشتري ربحا، إما على الجملة، كأن يقول له مثلا، اشتريتها بخمسة، وتربحني دينارا، وإما على التفصيل: بأن تقول له تربحني مائتين على كل دينار..
الألفاظ ذات الصلة
أ ــ التولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح، والصلة بين المرابحة والتولية، أن كليهما من بيوع الأمانات.
ب ــ الوضعية: البيع بالثمن الأول، مع نقصان شيء معلوم منه، أي من الثمن الأول، ويقال لها أيضا المواضعة والمخاسرة والمحاطة، فهي مضادة للمرابحة..
شروط المرابحة
يشترط في بيع المرابحة، ما يشترك في كل البيوع، مع إضافة شروط أخرى تتناسب مع طبيعة هذا النوع من العقود ومن بين هذه الشروط:
** شروط الصيغة: بحيث يشترط في صيغة المرابحة ما يشترك في كل عقد، وهي ثلاثة شروط:
(1) وضوح دلالة الإيجاب والقبول،
(2) تطابق الجانبين،
(3) اتصال دلالة الإيجاب والقبول،
** شروط صحة المرابحة، وذلك من خلال:
1 * سلامة العقد، أن يكون العقد صحيحا، فإن كان فاسدا، لم يجز بيع المرابحة، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة الربح.
2 * العلم بالثمن، فيشترط أن يكون الثمن الأول معلوما للمشتري الثاني، لأن العلم بالثمن شرط في صحة البيوعات، فإذا لم يعلم الثمن الأول فسد العقد.
3 * رأس المال، أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال، أي أن رأس المال إما أن يكون مكيلات أو موزونات أو عدديات… إلخ..
الحكم التكليفي للمرابحة
ذهب جمهور العلماء، إلى جواز المرابحة ومشروعيتها لقوله تعالى: “وأحلّ اللهُ البيع”، والمرابحة، كما يذهب جمهور العلماء، هي بيع بالتراضي بين طرفين، فالبيع مطلقا بشروطه المعلومة، هو دليل جوازها، وبما أن المرابحة هي بيع بثمن معلوم، وربح معلوم، فقد أجاز الشرع الإسلامي البيع به.
عقد المرابحة
ويمكن اعتماد المرابحة في المتاجرة بالسلع المحلية أو المستوردة، ولا يتم الشراء إلا بعد أن يحدد المتعامل المادة التي يطلبها والمصدر لذلك.
وفي التعاملات البنكية يقوم البنك بتثبيت الصفقة للمتعامل، إضافة إلى الربح، وهي أقرب شيء إلى التجارة العادية، وهي أن يقوم صاحب المال بشراء سلعة من أجل بيعها بسعر أعلى، سواء كان هذا البيع نقدا أم تقسيطا أم آجلا.
وقد طور عقد المرابحة ليصبح صيغة تمويل مصرفية، ويشترط فيها معرفة رأس المال الذي قامت به السلعة على المصرف، وكذلك تحديد الربح بالإضافة إلى تملك المصرف للسلعة وقبضها قبل بيعها للحريف.
أصناف المرابحة
وقد تم التمييز بين عدة أصناف من المرابحة في التعاملات المصرفية الإسلامية وهي:
ـــ المرابحة الشخصية، وهي للحصول على بعض السلع المعمّرة للاستخدام الشخصي كالسيارات والأجهزة المنزلية والمعدات وغيرها.
ويقوم المصرف بتوفير السلع بوسائل دفع ميسرة عن طريق بيع المرابحة، ولا يجوز للمصرف شراء سلعة من أحد عملائه سبق أن باعها له من قبل.
ـــ المرابحة التجارية، ويقصد بها قيام المصرف بشراء متطلبات المؤسسات والشركات التجارية من السلع والخدمات نقدًا، وذلك لقلة إمكانيات المؤسسة التمويلية، ويعتمد المصرف الإسلامي لذلك سقفا ائتمانيا للتمويل، ويمنح العميل بموجبه حق الاستفادة من ذلك السقف في تمويل شراء ما يحتاجه بالمرابحة.
ـــ المرابحة الدولية، من خلالها يقوم المصرف الإسلامي بالوكالة عن حريفه، بشراء سلع من السوق الدولية نقدًا، مثل الحديد والنحاس والألمونيوم والأخشاب وغيرها، ثم يبيعها لأطراف أخرى في نفس السوق بسعر أعلى، وبشروط دفع مؤجلة.
أحكام وقواعد
ثمة أحكام لعقد المرابحة بناء على كونه تعهدا من الآمر بالشراء (حريف البنك)، منها:
- وجوب تملك المصرف للسلعة قبل أن يبيعها، ويتحمل المصرف تبعة الهلاك طالما أن المشتري لم يستلم البضاعة، ويتحمل المصرف الرد بالعيب أو مخالفة الأوصاف إن خالفت الاتفاق، ويشترط أن يعرف المشتري سعر التكلفة أو رأسمال السلعة.
- وجوب تعيين سداد الثمن حالا أو مؤجلا وتحديد الأقساط، بما لا يدع مجالا لجهالة تؤدي إلى منازعة، ويجب إيضاح خطوات البيع في المرابحة، بأن تكون معلومة للمشتري.
بين المرابحة والقرض الربوي
عند المقارنة بين عقد المرابحة والقرض الربوي، يتبين أن المرابحة بديل للقرض الربوي، فالمؤسّسة التي تحتاج سلعة، قد تتقدم إلى المصرف التقليدي، فتحصل على قرض بفائدة، أو تتقدم إلى المصرف الإسلامي فتحصل عليها مرابحة.
لكن بينهما فروقا، منها أن محل التعاقد في المرابحة هو السلعة، فالزيادة فيها هي على سعرها، أما المحل في القرض الربوي فهو النقود، لذا تصبح المعاملة ربوية بالزيادة على القرض، كما أن القـرض الربوي يزيد بزيادة الزمن، أما دين المرابحة فهو ثابت، بحيث لا تكون هناك زيادة في حجم المرابحة..
مجالات التطبيق
تعتبر المرابحة من أكثر صيغ التمويل استعمالاً في المصارف الإسلامية، وهي تصلح للقيام بتمويل جزئي لأنشطة الحرفاء، الصناعية أو التجارية أو غيرها، وتمكنهم من الحصول على السلع المنتجة والمواد الخام، أو الآلات والمعدات من داخل البلاد أو من خارجها..
ومن المجالات أيضا البيوع الدولية في البضائع، إذ يوكل البنك شخصا يشتري البضائع ثم يستلمها البنك ليبيعها للتاجر بربح متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيما يلي، ترجمة لهذه المفاهيم والمعاني المتعلقة بالمرابحة، من خلال الإجابة على سؤال، كثيرا ما يتردد على ألسن وأذهان حرفاء بنوك التمويل الإسلامي، وبخاصة الحرفاء والمتعاملون مع مصرف الزيتونة..
ففي الإجابة على هذا السؤال، اختزال لمعاني المرابحة وشروطها وتفاصيلها..
السؤال:
ما الفرق بين المرابحة الإسلامية والربا بشكل عام؟
الجواب:
المرابحة بيع يقوم على أساس معرفة الثمن الأول وزيادة ربح، فهو من بيوع الأمانة التي ينبغي أن يكون الثمن والربح فيها معلومين، بناء على اتفاق بين المتعاقدين. كما قال الشربيني رحمه الله: “يصح بيع المرابحة… بأن يشتري شيئاً بمائة مثلاً، ثم يقول لغيره وهما عالمان بذلك: بعتك بمائتين، أو بما اشتريت، أي بمثله، أو برأس المال، أو بما قام عليَّ أو نحو ذلك، وربح درهم لكل عشرة” “مغني المحتاج”..
فالمرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز بالإجماع، قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة / 275، وقال ابن قدامة رحمه الله: “هذا جائز لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة”/ “المغني” (4/ 136)، وبهذا عملت البنوك الإسلامية في كثير من تعاملاتها التجارية.
ويختلف بيع المرابحة عن البيوع الشائعة، في أنّ البيع العادي لا يعرف فيه المشتري ربح البائع، بخلاف بيع المرابحة، فإنّ المشتري يعرف ربح البائع، وباتفاق معه على الزيادة على رأس المال..
وبهذا يتبين الفرق بين المرابحة والربا من وجوه عدة:
نبيل مدني / الرئيس المدير العام لمصرف الزيتونة
أولاً: المرابحة، بيع سلعة يجوز فيها الزيادة والنقصان، في حين أن الربا عملية قرض بزيادة ترد على النقود فقط، وذلك لأن النقود وسيلة في الإسلام وليست سلعة، في حين أن الاقتصاد الرأسمالي يعتبر النقود سلعة.
ثانياً: البائع في المرابحة يشتري السلعة ويقبضها وتدخل في ضمانه، ثم يبيعها للمشتري منه نقداً أو بالأقساط، ولذا فإنه يتحمل المسؤولية عن الشيء الذي اشتراه قبل أن يبيعه إلى المشتري ويسلمه إياه، أما المرابي فهو يقرض غيره كي يشتري ما يحتاجه بنفسه، ولا يشتري المرابي هذا الشيء ولا يتملكه، ولا يدخل في ضمانه، ولا يتحمل أية مسؤولية عنه أبداً.
وهذا الفرق الجوهري بين المعاملة الإسلامية والمعاملة الربوية، وهو الذي جعل ربح البنوك الإسلامية جائزاً، لأنه ناتج عن عملية بيع وشراء وضمان، وجعل ما تتقاضاه البنوك الربوية من فوائد حراماً، لأنها مقابل عملية الإقراض فقط.
ثالثاً: أرباح البنوك الإسلامية لا تقبل الزيادة خلال فترة تقسيط الثمن في المرابحة، لأن نسبة الربح ثابتة، وأما في عقود القروض الربوية، فإن نسبة الفائدة متغيرة، لوجود شرط ينص على أن الفائدة قابلة للتعديل خلال سداد أقساط القرض الربوي.
رابعا: المرابحة الإسلامية، بيع يتم فيه تداول سلعة معينة، وفي هذا تحريك لعجلة الاقتصاد في المجتمع، أما الربا فهو تأجير مجرد للنقود، وتعطيل لحركة الاقتصاد.
الجدير بالذكر، أنّ “مصرف الزيتونة“، يعدّ أول بنك إسلامي تونسي في أكتوبر 2009. وهو بنك تجاري شامل يخضع للنصوص القانونية التي تدير النشاط البنكي في تونس.
ويريد “مصرف الزيتونة “ أن يكون بنكا قريبا من المواطن، وذا مسؤولية اجتماعية، إذ تحدوه رغبة كبيرة في الإسهام في النهضة الاقتصادية للبلاد.
ويوفّر “مصرف الزيتونة“، سلسلة متكاملة من المنتجات والخدمات المتوافقة مع مبادئ الصيرفة الإسلامية، وتستجيب للحاجيات الخصوصية لحرفائه من الأفراد والمهنيين والمؤسسات.
انطلق نشاط المصرف في 28 ماي 2010، ليوفّر منتجات وخدمات في مجال حسابات الإيداع والتمويلات والاستثمارات التشاركية، بهدف مرافقة ومساندة المؤسسات في التصرّف اليومي في خزينتها.
ويوفر “مصرف الزيتونة“ تمويلات الإنتاج والاستثمار كما يوفّر حلول جديدة لتمويل عمليات التجارة الخارجية.
ويضع “مصرف الزيتونة“، على ذمّة حرفائه، جملة من خيرة مستشاري الحرفاء والمكلفين بالأعمال، وذلك لتشخيص حاجياتهم والعمل على تجسيم طموحاتهم .