بين قيس سعيّد وحركة النهضة: الديمقراطية التائهة بين الاتهامات المتبادلة.. و”معركة كسر العظام”
بقلم / صالح عطية
ما انفكّت العلاقة بين رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، والحراك المعارض للانقلاب الذي قام به يوم 25 يوليو الماضي، تشهد توترا وتبادلا للتهم، والتجاذب الواضح في التعبيرات والأوصاف والنعوت والتعبيرات السياسية المتشنجة، وسط اتساع دائرة التناقض والصراع إلى مستويات متقدمة من حيث المعجم السياسي، وأدوات المعركة، وسياقات التحرك، وأفق العلاقات داخليا وخارجيا..
اتهامات رئاسية بالترتيب لاغتياله
فقد اتهم الرئيس قيس سعيّد، كالعادة، “أطرافا” لم يسمها، “بالترتيب للاغتيال والسطو على الدولة”.
وقال سعيد خلال لقاء جمعه أمس بوزير الداخلية: “إن البعض يرتب للاستيلاء وللاغتيال، وللسطو على إرادة الشعب، وعلى ما جاءت به ثورة 17 ديسمبر”.
ووعد سعيّد بأنه “ستتم إثارة عديد القضايا، حينما تتهيأ كل الإثباتات المتعلقة بمن يقف وراء هذه الترتيبات ويدبرها”.
وشدد رئيس الدولة، على أنه لن يترك الدولة “فريسة للسباع والضباع”، على حدّ وصفه.
يذكر أنّ هذه ليست المرة الأولى، التي يتهم فيها الرئيس سعيّد، “أطرافا” بمحاولات اغتياله، أو “الترتيب لذلك مع جهات أجنبية”، دون أن تصدر تفاصيل أو حيثيات بهذا الشأن من القصر الرئاسي.
وتشهد خطابات رئيس الجمهورية، في كل إعلان اتهامات ضدّ خصوم لم يسمها، رغم أنّ التقديرات صلب الملاحظين تشير إلى أنّ المقصد من اتهاماته، “حركة النهضة” وحزب “قلب تونس”، تحديدا، اللذين اتهمهما دائما، بالفساد والاحتيال والفشل وبيع الأوهام للتونسيين، والعبث بمقدرات الدولة التونسية.
عجز الرئيس لأول مرة منذ 1987
وتأتي الاتهامات الجديدة للرئيس قيس سعيّد، هذه المرة، تزامنا مع صدور بيان لحركة النهضة، وصف بكونه “الأخطر” منذ انقلاب 25 يوليو الماضي..
واتهمت حركة النهضة في بيانها، رئيس الجمهورية بــ “العجز عن إدارة الدولة”، باعتباره “لم يقدم حلولا لقضايا البلاد، لكنّه أمعن في خطابات التقسيم والاتهام والتهديد” وفق تعبير البيان..
وأشارت إلى أنّ الوعي السياسي لدى الأحزاب والمنظمات والجمعيات، تطورت باتجاه رفض الانقلاب، و”التورط في خوض تجارب هلامية”، وفق بيان أصدرته على إثر انعقاد مكتبها التنفيذي.
وأشارت إلى “حدود ما يطرحه قيس سعيّد، وخطورة سياساته على الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي، وعلى أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، وعلى علاقات تونس الدولية، زيادة عما أصاب الحقوق والحريات من انتكاسة”، وفق تقدير الحركة…
وأضافت: “ظهر عجز الرئيس عن إدارة شؤون البلاد، وتراجعه عن وعوده، وإمعانه في الفردانية”، محذّرة مما أسمته، “خطورة انهيار أوضاع البلاد، بسبب الانحراف بالسلطة، والاتجاه بها قدما صوب الانغلاق والإنفراد، ومصادرة جوهر ومبدأ أساسي في الديمقراطية، هو فصل السلط، بديلا عما يجري من تمركزها في يد واحدة” حسب ما جاء في نص البيان الذي وصف بالأخطر” منذ انقلاب 25 يوليو الماضي.
وتعدّ هذه أول مرة، تذكر فيها كلمة “عجز رئيس الجمهورية”، منذ أن ذكرها الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي عام 1987، تاريخ الانقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة.
معركة كسر العظام
ومعلوم أنّ ذكر “العجز الرئاسي”، يحيل في جميع الدساتير في العالم، من حيث الصيغة ــ على الأقل ــ إلى تطورات لافتة في علاقة بالحكم ورئاسة البلاد، وربما هذا ما يبرر خطاب رئيس الجمهورية، الذي استبق ذلك، باتهام “بعض الأطراف” بالترتيب لاغتياله، والاستيلاء على الحكم..
الأكيد أن المرحلة المقبلة، ستكشف عن تطورات في المشهد السياسي، ربما كانت الأكثر تأثيرا على مستقبل البلاد، في ضوء هذه التجاذبات التي خرجت من طور الحديث السياسي، إلى استخدام عبارات “العجز عن إدارة الدولة”، و”الاغتيال” و”الاستيلاء على السلطة”، وغيرها، ما يعني أنّ مياها تتحرك في وادي تونس الراكد منذ عدّة أشهر، فيما تبقى الديمقراطية التونسية الناشئة (والمعطلة بعد انقلاب سعيّد)، تائهة بين اتهامات متبادلة بين الطرفين، ومعركة “كسر عظام”، لا يعلم المرء إلى أين ستؤدي؟ ومن سيكون ضحاياها؟