تونس: وماذا عن “الخطر القاتل”؟!
بقلم / محمد كريشان
لا فائدة في استعراض ما جاء في خطاب الرئيس التونسي أمس الأول في موكب أداء قسم الحكومة الجديدة، فلم يكن هناك سوى طاحونة خطبه المعتادة.
لا فائدة كذلك في التطرق إلى الحكومة الجديدة وتركيبتها، ليس فقط بسبب قضية الشرعية التي ستظل تلاحقها، ولكن أيضا لأن لا أحد منها معروف، وكذلك برنامجها ورؤيتها للبلاد، وخاصة قدرتها على التحرك خارج ما يريده قيس سعيّد.
أهم شيء في الحدث كله الذي شهده قصر قرطاج، ومشهد وضع اليد على المصحف الكريم أمام رئيس لم يحترم يمينه، وكذلك قسم الوزراء لاحترام دستور لم نعد نعرف ماذا بقي منه أصلا، هو الموضوع الاقتصادي الذي لم يقع التطرق إليه، مع أنه جوهر الموضوع ومربط الفرس.
علّق عدنان منصر أحد الأكاديميين التونسيين، والذي شغل كذلك مديرا لديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، فقال “إن كان للانقلاب على الدستور الذي قام به سعيّد أن يفشل فذلك لن يتم إلا من خلال أحد هذه العناصر الثلاثة: الشارع أو الضغط الخارجي أو الاقتصاد. الفرق بين هذه العناصر، التي قد تأتي منفردة أو مجتمعة، أنها متباينة الوضوح.. فتحركات الشارع الحالية لم تبلغ بعد زخما نوعيا يمكن أن يغيّر المشهد جذريا، أما الضغط الخارجي فلا أحد يعرف درجته بدقة، في انتظار ماذا ستكون عليه ردود الفعل الدولية على الحكومة الجديدة، في حين أن الخطر الاقتصادي واضح المعالم، وقد يدرك الجميع مأسويته عندما يتجلى في كل تفاصيله المخيفة قريبا”.
الكل يتحدث عن أوضاع اقتصادية قاسية جدا تنتظر تونس والتونسيين، ومع ذلك فالرئيس ليس في وارد الانشغال بها، فهو ما زال يلوك قصة “الخطر الداهم”، كما ورد في الفصل 80 من الدستور أو “الخطر الجاثم” الذي لم يره سوى في البرلمان، لكنه لم يتطرق أبدا إلى “الخطر القاتل” الذي يهدد البلاد بالإفلاس، وبمصير يشبه مأساتي اليونان أو لبنان.
ليته اكتفى بذلك، بل رأيناه يستهزئ وينتقد تصنيف بلاده الائتماني، رافضا أن تكون “تلميذا ينتظر درجة من أستاذه”، رافعا شعار “السيادة الوطنية”، مع أن بلاده تسعى لدى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ 5 مليارات دولار هو ثلث ميزانيتها، وهو سعي معلّق بحكم الغياب السابق للحكومة، ولا أحد يدري ما إذا كان سيستأنف حاليا أم لا بعد تشكيل حكومة لا ندري كيف سيكون تعامل المؤسسات المالية الدولية معها، ومدى خبرة وزرائها في إدارة ملفات بمثل هذا التعقيد.
يقول المثل التونسي “طارت السكرة وحضر الدائنون”، وهذا هو واقع الحال بالضبط، فالمانحون الغربيون يدعون إلى حوار سياسي شامل في البلاد مع جدول زمني واضح للعودة إلى الوضع الدستوري العادي، وإنهاء “الأحكام الاستثنائية”، التي فرضها سعيّد، ولكن لا شيء يبشر بخير في هذا المجال، فالحوار الوطني الذي يتحدث عنه الرئيس لا علاقة له بالحوار الذي ينادي به الجميع مع الأطراف السياسية والاجتماعية، إذ هو يتحدث عن حوار هلامي مع الشباب، كما أنه لم يتطرق أبدا إلى أي تسقيف زمني لإجراءاته التي فضّل أن تكون “حتى إشعار آخر”، مع أن تونس في أشد الحاجة لهؤلاء المانحين لتفادي انهيار أوضاعها المالية.
ووفق ما ذكره خبراء اقتصاديون تونسيون فإن “كارثة ستحل بتونس.. هذا الأسبوع”، من ذلك مثلا ما قاله أنيس الجزيري رئيس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي، من أن وكالة “موديز”، ستجتمع هذين اليومين للنظر في ترقيم تونس الجديد، والذي قد تخفضه إلى مستوى المخاطرة، واصفا تصريحات الرئيس الأخيرة حول وكالات التصنيف العالمية بـ “الكارثية”.
وأوضح بأن “العديد ليس لديه فكرة على الكارثة التي ستحل بتونس بهذا التخفيض والصعوبات التي ستواجهها مؤسساتنا وبنوكنا للاقتراض وشراء المواد الأولية”.
أما أستاذ الاقتصاد والعضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي، فتحي النوري، فقال إن التحدي الأبرز الذي يواجهه الاقتصاد التونسي، هو إيقاف نزيف المالية العمومية، وأن “الحلول الموجعة” لذلك، قد تتمثل في التخفيض في أجور الموظفين بنسبة 5٪، أو تجميد الأجور لمدة 3 سنوات، بعد إجراء مفاوضات مع الاتحاد العام التونسي للشغل، علاوة على مقترح “رفع الدعم” عن مواد أساسية لمعيشة المواطن، واصفا كل الحلول بـ “الشر الذي لا بد منه”، وأن على “المواطن أن يعي جيدا أن التضحية ضرورة للخروج من الأزمة، وصاحب القرار في كل هذا هو رئيس الجمهورية”.
في هذه الحال، كيف سيسوّق الرئيس كل ذلك للناس، التي ظنت أنه جاءها بالفرج بعد طول ضنك؟ وكيف سيتصرّف اتحاد الشغل الذي قد يضطر هذه المرة إلى التحرك دفاعا عن لقمة عيش العمّال، بعد أن أقعدته الحسابات عن التحرك دفاعا عن الديمقراطية؟
هذه هي الأسئلة التي لن تنفع معها، لا الشعارات ولا الخطب ولا أبيات الشعر ولا التنمّر على من أنت في حاجة إليهم لنجدتك من الهاوية. هاوية، يقول كثيرون، أن تونس سقطت فيها وليست على حافتها.
حرام فتونس لا تستحق ذلك.
المصدر: صحيفة “القدس العربي” اللندنية