أحداث 11 سبتمبر: القصة الكاملة لدور شبكة تونسية في هجمات القاعدة (ينشر لأول مرة)
واشنطن ــ الرأي الجديد (مؤسسات استراتيجية)
نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تقريرا حول مجموعة جهادية تونسية كان لها دور التحضير لما حدث من تداعيات في السنوات الماضية، لا سيما الغزو الأمريكي لأفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر.
وأوضح التقرير أن مقتل أحمد شاه مسعود في التاسع من 11 سبتمبر 2001، جاء كهدية قدّمتها “الجماعة التونسية المقاتلة” وتنظيم «القاعدة» إلى حركة “طالبان” لقاء محاربة عدوّهم المحلي، وكإشارة علنية أيضاً على شنّ هجمات 11 سبتمبر.
وأضاف المعهد أنه “بعد إعلان طالبان النصر على قوات المقاومة التي يقودها أحمد نجل مسعود في وادي بانشير، فمن المؤكد أن يحاول تنظيم «القاعدة» والجماعات التابعة له استغلال أفغانستان كما فعلوا قبل عشرين عاماً”.
وجاء في التقرير: “الدور التونسي الكبير والظروف الأخرى التي أحاطت بعملية الاغتيال عام 2001 تستحق نظرة فاحصة، ليس فقط لتأثيرها على التطورات اللاحقة التي حصلت على الحركة الجهادية العالمية، بل أيضاً بسبب التداعيات التي تحملها الآن حيث أصبحت أفغانستان مجدداً تحت سيطرة طالبان. وخدم مقتل مسعود غايات متعددة، بعضها لم يكن واضحاً تماماً إلّا بعد وقوع حادث القتل”.
من هي الجماعة؟
يقول المعهد إنه تم تأسيس “الجماعة التونسية المقاتلة” في جوان 2000 من قبل أبو عياض التونسي وطارق معروفي، وهما شخصيتان رئيسيتان في جهاز المغتربين العرب الذي أُنشئ لمساندة حركة الجهاد العالمية في أوروبا. وكان الجهاديون التونسيون متمركزين بشكل أساسي في ميلانو وباريس وبروكسل ولندن، وكانوا معروفين بتزوير الوثائق. وسبق للكثير منهم أيضاً أن حاربوا كمقاتلين أجانب في أفغانستان والجزائر والبوسنة وبدرجة أقل في الشيشان.
وخلال الثمانينيات، وصف المنظّر الجهادي أبو مصعب السوري التونسيين المتواجدين في أفغانستان بأنهم “جماعة مبعثرة صورتها أقل من أن تكون مثالية” بسبب الاقتتال الداخلي المتكرر، وعدم التنظيم، وانعدام التماسك في صفوفها. ولكن بحلول التسعينيات، كانت العناصر التونسية تعمل بشكل أساسي كوسيطة في شبكات التسهيل الجهادية، وذات خبرة كافية لتجنب الخلافات الداخلية والتعاون بشكل فعال مع جماعات متعددة.
وبحلول عام 2001، كانت “الجماعة التونسية المقاتلة” الناشئة مستعدّة لمساعدة تنظيم «القاعدة» في اغتيال مسعود والهجمات الأخرى، وكذلك التخطيط لعمليات خارجية في أوروبا.
في مطلع عام 2000، وصل أبو عياض إلى أفغانستان بعد أن استقر في لندن منذ عام 1994 ودرس تحت إشراف المنظر الجهادي أبو قتادة الفلسطيني. وحين أسس “الجماعة التونسية المقاتلة” في شهر جوان من ذلك العام، كانت “الجماعة” تضم عشرين عضواً على الأقل. وكان أبو عياض مسؤولاً عن بيت الضيافة التونسي في جلال آباد، بينما كان شريكه المؤسس معروفي مقيماً في بروكسيل وركز بشكل أساسي على التخطيط للعمليات والإشراف على التسهيلات والشبكات اللوجستية في الخارج.
وقد شغل ما لا يقل عن ثلاثة أعضاء آخرين مناصب في المجلس الاستشاري لـ “الجماعة التونسية المقاتلة”، وهم: لطفي بن علي، وعادل بن أحمد بن إبراهيم حكيمي، ومحمد بن رياض نصري. وكان حكيمي نائب أبو عياض في أفغانستان وأشرف على الاتصالات وجهود التجنيد. كما تولى قيادة “كهف تونس” خلال “معركة تورا بورا” في ديسمبر 2001، بينما كان نصري القائد العسكري الأعلى لـ “الجماعة التونسية المقاتلة” داخل أفغانستان. ومن بين كبار الأعضاء الآخرين عبد بن محمد بن أبيس العورجي، رئيس الشؤون المالية في “الجماعة”.
نشاط الجماعة
يقول المعهد إنه “في أوروبا، كان سامي بن خميس بن صالح الصيد عضواً في شبكة معروفي في ميلانو، بينما شغل كمال بن موسى دوراً مماثلاً في لندن. وقد انخرطت هذه الشبكة في عدة هجمات فاشلة في القارة الأوروبية، استهدفت “سوق عيد الميلاد” في ستراسبورغ في ديسمبر 2000، و”البرلمان الأوروبي” في فيفري 2001، والسفارة الأمريكية في باريس في جويلية 2001، و”قاعدة كلاين بروغل الجوية” البلجيكية في سبتمبر 2001، و”برج فيليبس” في بروكسل في فيفري 2003″.
وبحلول الوقت الذي وقعت فيه أحداث 11 سبتمبر، كان أبو عياض قد أصبح أحد كبار مساعدي أسامة بن لادن. ووفقاً لمقابلة أجريت في عام 2016، فحين التقى معروفي بابن لادن وأيمن الظواهري الذي أصبح في النهاية زعيم تنظيم «القاعدة» في أفغانستان في عام 2000، رأى في هذا اللقاء “فرصة مثالية للحصول على موطئ قدم داخل التنظيم”. إن واقع قيام ابن لادن بإسناد عملية اغتيال مسعود إلى “الجماعة التونسية المقاتلة” في هذا الوقت من المرجح أن يعكس أهمية أبو عياض.
وتم تنفيذ العملية بالاشتراك مع القائد العسكري في تنظيم «القاعدة» محمد عاطف.
ووفقاً لمصطفى حامد، الذي هو أحد المطلعين على شبكات المقاتلين الأجانب الذين يطلق عليهم جماعياً اسم “العرب الأفغان”، كانت “الجماعة التونسية المقاتلة” تخطط لعملية الاغتيال مع تنظيم «القاعدة» لفترة دامت أكثر من عام. فقد انتحل العميلان التونسيان دحمان عبد الستار وبراوي العوير صفة صحافيين مهتمّين بإجراء مقابلة مع مسعود، وزرعا قنبلة في آلة تصوير (كاميرا) سرقاها من شبكة تلفزيونية فرنسية ثم فجّراها بالقرب منه – ووفقاً لبعض التقارير فجّرا القنبلة مباشرة بعد أن سألاه: “أيها القائد، ما الذي تنوي فعله بأسامة بن لادن بعد أن تكون قد سيطرت على أفغانستان؟”.
في مذكرات الزوجة الثانية لعبد الستار، مليكة العرود، المعنونة “ليه سولدا دو لوميير” (“جنود النور”)، أوجزت مليكة الرابط بين مكونات “الجماعة التونسية المقاتلة” في أفغانستان وأوروبا. وأوضحت أن زوجها درس “المنهج” مع أبو قتادة في لندن في الفترة أيار/مايو – أوت 2000 قبل سفره من بروكسل إلى أفغانستان. وأثناء وجوده في بريطانيا، حصل على رسالة تعريف لمقابلة مسعود من ياسر السري، عضو منفي من “الجماعة الإسلامية” الجهادية المصرية. وفي وقت لاحق، عند تقدمهما بطلب الحصول على تأشيرات صحفية في باكستان، استلم عبد الستار والعوير جوازات سفر مسروقة من معروفي، الذي كان قد حصل عليها من العميل المقيم في ميلانو فضل السعدي (الذي يتبع شبكة سامي بن خميس بن صالح الصيد المذكورة أعلاه).
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الأعضاء التونسيين لم يكونوا ضمن الأشخاص الذين اختطفوا الطائرات في 11 سبتمبر، إلّا أن بعض التقارير أفادت بأن العديد منهم كانوا متورطين في الهجمات أو على علم بها. ووفقاً لنصري وشخصيات أخرى، كان اغتيال مسعود بمثابة إشارة متعمدة للخاطفين لبدء الهجمات في الولايات المتحدة.
وفي مكان آخر، قضت المحاكم الإسبانية بأن العميل التونسي هادي بن يوسف بوذيبة قدّم مساعدة لوجستية / مالية ووثائق مزورة لمختطفي الطائرات في 11 سبتمبر أثناء تواجدهم في إسبانيا وألمانيا. وغادر لاحقاً هامبورغ إلى إسطنبول قبل أيام فقط من وقوع الهجمات، ليرتبط على الأرجح بشبكات تنظيم «القاعدة» المتمركزة في تركيا والتي أصبحت مركزاً لوجستياً وتسهيلاً مهماً للجهاديين التونسيين في السنوات اللاحقة.
ولا تزال إحدى القضايا ذات الصلة بأحداث 11 سبتمبر مفتوحة – وهي قضية الكندي التونسي عبد الرؤوف جدي الذي كان في البداية من بين 29 “متأهلاً نهائياً” لتنفيذ الهجمات. حتى أنه أعدّ رسالة استشهادية مصوّرة وتدرّب على جهاز محاكاة الطيران “بلاي ستيشن” أثناء إقامته مع خالد شيخ محمد ومحمد عطا وشخصيات أخرى من تنظيم «القاعدة» في كراتشي، باكستان، في ذلك الصيف.
ويُعتقد أنه انسحب من العملية عند سفره إلى كندا في وقت ما قبل الهجمات؛ ووفقاً لـ “لجنة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر”، فقد كلفه تنظيم «القاعدة» بـ “الموجة الثانية” من الهجمات المماثلة التي كان يأمل في تنفيذها فيما بعد. ولا يزال جدي على قائمة أكثر الأشخاص المطلوبين لـ “مكتب التحقيقات الفيدرالي” للمزيد من الاستجواب، ولا يُعرف سوى القليل عما حدث له بعد مغادرته أفغانستان.
التداعيات السياسية
في وقت اغتيال مسعود، لم يلق واقع انخراط شبكة تونسية الكثير من الاهتمام. ومع ذلك، تُظهر أعمال أبو عياض قبل أحداث 11 سبتمبر – وبصورة جوهرية، بعدها – لماذا تستحق مثل هذه التفاصيل تمحيصاً وثيقاً وطويل الأمد.
في الأسابيع التي أعقبت الهجوم على الولايات المتحدة، حارب أبو عياض “التحالف الشمالي” قبل فراره إلى باكستان ومن ثم إلى تركيا. وهناك، في الوقت الذي كان فيه العالم يركز على الحرب ضد “طالبان” وقوات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، كان هو وأعضاء آخرون يساعدون في التخطيط لتفجيرات الدار البيضاء الدموية عام 2003 والمراحل الأولية لتفجيرات قطارات مدريد عام 2004.
وحتى بعد اعتقاله في تركيا في مارس 2003 وتسليمه إلى تونس، واصل إنشاء الشبكات الجهادية من زنزانته في السجن. وحالما أُطلق سراحه مع سجناء آخرين بعد ثورة عام 2011، أسس الجماعة الجهادية «أنصار الشريعة في تونس» وساعد على تجنيد المقاتلين الأجانب من بلاده – الذين كان عددهم كبيراً بشكل غير متناسب – إلى مناطق الصراع في العراق وليبيا وسوريا.
دور أبو عياض
يقول المعهد إن “هذه هي طبيعة الشبكات الجهادية: أبو عياض هو من الأتباع غير المعروفين بصورة جيدة فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر، وحتى أنه كان مسجوناً لسنوات في مرحلة ما، لكنه استمر في لعب دور رئيسي في الهجمات الإرهابية البارزة وتجنيد المقاتلين في العقود اللاحقة. ولهذا السبب يجب على واشنطن وحلفائها مواصلة السعي لاكتساب فهم أعمق للشبكات الجهادية، والجماعات الفردية، والهجمات، لأن كشف الأعضاء الكبار أمثال أبو عياض وتعقّبهم وإضعافهم قد يسهم في إعاقة الهجمات المستقبلية وتدفق المقاتلين الأجانب. وإلا فالأفراد والشبكات الذين بدوا تابعين في عقد واحد من الزمن قد يصبحون لاحقاً مؤثرين محليين مهمين يؤدّون إلى تفاقم النزاعات في بلدان متعددة”.
ويضيف بأنه “من المؤكد أن يحاول تنظيم «القاعدة» والجماعات التابعة له استغلال أفغانستان كما فعلوا قبل عشرين عاماً. يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانهم النجاح مرة أخرى، بيد ستزداد حظوظهم إذا ما تمكّن “رواد الأعمال” الجهاديون الفرديون من تنفيذ عملياتهم بفعالية وإنشاء شبكات عابرة للأوطان في الخفاء”.