المغرب: عشرية من مشاركة الإسلاميين في السلطة… هل نجح “العدالة والتنمية” فيما فشل فيه آخرون؟
الرباط ــ الرأي الجديد
يجمع عديد الباحثين، على أن نجاح إسلاميي المغرب، يرجع إلى وعيهم بتعقيدات الواقع السياسي، وبأن القرار هنا يتطلب التواصل مع الفرقاء، من أجل خلق تحالفات، يستطيعون من خلالها تقوية موقعهم.
فقد وصل إسلاميو حزب “العدالة والتنمية” في المغرب إلى السلطة، عقب انتخابات مبكرة وتعديل دستوري، تلا احتجاجات شهدتها البلاد عام 2011، وخلال موجة الربيع العربي التي أشعلت المنطقة.
واستمر حزب “العدالة والتنمية” في قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، بعد تصدره نتائج انتخابات 2011 و2016، مما جعل هذه التجربة الفريدة بالمغرب، موضع اهتمام ودراسة ومقارنة، مع تجارب دول عربية أخرى، اتسمت بإقصاء الإسلاميين أو استئصالهم.
وتشهد المملكة اليوم، انتخابات نيابية وبلدية وجهوية في يوم واحد، ستكون نتائجها حاسمة في مسار حزب العدالة والتنمية، وما إذا كان سيترأس الحكومة للمرة الثالثة، أم سيكون مكوّنا ضمن الأغلبية الحكومية، أم أنه سيعود لمقاعد المعارضة.
تدرّج في السياسة
تأسس حزب العدالة والتنمية، عندما قرر أعضاء من “حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية” الانضمام إلى حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية عام 1996، الذي أسسه السياسي المخضرم عبد الكريم الخطيب.
وراكم نواب الحزب الإسلامي سنوات من التجربة في المعارضة، إلى أن قادتهم رياح الربيع العربي إلى الحكومة لأول مرة عام 2011.
ونجح الحزب بعد الانتخابات البلدية عام 2015، في مضاعفة عدد مستشاريه في البلديات بما يقرب 4 مرات، واكتسح المدن الكبرى بأغلبية مطلقة.
وفي الانتخابات النيابية لعام 2016، حصل على المرتبة الأولى بـ 125 مقعدا، ليشكل أكبر فريق برلماني ضمن مجلس النواب، مما مكنه من رئاسة الحكومة للمرة الثانية، وتشكيل ائتلاف مع 5 أحزاب أخرى.
وأدى تعسّر مفاوضات تشكيل الحكومة الثانية للإسلاميين إلى إعفاء رئيسها المعين عبد الإله بنكيران، وتعيين الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة.
وإثر ذلك، شهد الحزب هزّات داخلية دفعته لإطلاق حوار داخلي، غير أن هذه الهزات تواصلت في لحظات سياسية متفرقة، وزاد توقيع سعد الدين العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، على اتفاق إعادة العلاقات مع إسرائيل، من حدّتها.
ويدخل الحزب الإسلامي الانتخابات المقبلة وعينه على الولاية الثالثة مسلحا -كما تقول قيادته- بحصيلة مشرفة، وببرنامج مبني على مواصلة الإصلاحات على مستوى الحكومة والبلديات والمحافظات.
الإسلاميون في مواجهة المغاربة
بالنسبة للباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن زهر بأغادير، عبد الإله السطي، فإن 10 سنوات من رئاسة الإسلاميين الحكومة، كافية لتقييم كفاءة الحزب في تدبير الشأن العام، وأيضا في تقييم شعبية الإسلاميين التي اكتسبوها خلال السنوات الماضية، والتي ساهمت إلى حد كبير في تبوئهم المراتب الأولى في الانتخابات التشريعية الماضية.
لكن السطي يعتقد أن تجربة الإسلاميين في هذه الانتخابات أصبحت على المحك، وستجيب نتائجها على عدد من الأسئلة من قبيل: هل استطاع الإسلاميون إقناع المغاربة بطريقة مباشرتهم للسياسات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية؟ وإلى أي مدى التزم الحزب بوعوده تجاه المغاربة طيلة العقد الماضي؟
التطبيع السياسي… مع الدولة
لم تمضِ مشاركة الإسلاميين في السلطة دون مكاسب، على مستوى تطور الوعي السياسي، أو الاندماج في بنية الدولة، أو الوعي بواقع تدبير الشأن العام، وفي نظر الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي، فإن أهم هذه المكاسب هو وعي إسلاميي العدالة والتنمية، بوجود فرق بين خطاب الحركة الإسلامية وخطاب الدولة.
ويوضح التليدي “عندما تكون جزءا من الدولة فذلك يتطلب منك إنتاج مواقف تتماشى مع سياستها، أكثر من أن تحاول إخضاع الدولة لمنطق الحركة، والموقف من التطبيع كشف بعمق هذه القضية”.
ويرى التليدي أن الحركة الإسلامية المغربية، قطعت شوطا كبيرا في مجال التطبيع السياسي، وأصبحت جزءا من الدولة المغربية ومن النسق السياسي، وهذا بحسبه، شيء فريد مقارنة بالسياق المغاربي والعربي.
ويشير إلى أن الحركة الإسلامية، حين اشتغلت في تدبير السياسات العمومية، بدأت تعي تناقضات الواقع، وبأن “اليوتوبيات الحالمة” التي كانت تتبناها هي غير شروط الواقع، وأن الإصلاح ليس مفردات عامة، ولكنه مكابدة لإكراهات الواقع، وبحث عن تحالفات مختلفة من أجل تحسين شروط تطبيق المشروع الإصلاحي.
تجربة إيجابية
ويُنظر للتجربة المغربية في دمج الإسلاميين باهتمامٍ بالغ، إذ يقارنها الباحثون والمهتمون مع تجارب أخرى في محيطها الإقليمي والعربي، حيث أجهض بعضها وتواجه أخرى مطبّات وتعقيدات.
وبالنسبة للسطي، فإن تجربة المشاركة السياسية للإسلاميين في المغرب، كانت أكثر إيجابية مقابل ما شهدته بعض البلدان العربية في تعاملها مع الفاعل الإسلامي.
ويرى أن النظام السياسي الملكي بالمغرب، ساهم في إنجاح هذه التجربة، إذ تفاعل مع الإسلاميين بشكل إيجابي، وأتاح التدرج في دمجهم حتى أصبح الإسلاميون أحد مكونات اللعبة السياسية.
وبالنسبة لبلال التليدي، فإن نجاح إسلاميي المغرب، يرجع إلى وعيهم بتعقيدات الواقع السياسي، وبأن القرار هنا يتطلب التواصل مع الفرقاء، من أجل خلق تحالفات يستطيعون من خلالها تقوية موقعهم التفاوضي.
لذلك، يقول التليدي، كان سلوكهم براغماتيا في الغالب، ولجأوا للتوافق، وتقديم تنازلات معقولة في وقت الأزمات.
وبعد عقد من الدمج السياسي وتدبير الشأن العام في الحكومة والمدن الكبرى والصغرى، يرى السطي أن وجود الإسلاميين اليوم، صار مرتبطا بمدى الاقتناع الشعبي بشرعية الإنجاز من عدمها لدى هذا المكون السياسي، وهل ما زال المواطن المغربي يرى فيهم القدرة على الاستجابة لمطالبه وحاجياته الاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: موقع “الجزيرة نت”