“أوريان21”: تونس تعيش لحظة قيصرية سلطوية… سياسيون ونخب يعتبرون سعيّد متهورا.. وشركاء خارجيون مرتابون
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
كشف الصحفي الفرنسي، تيري بريزيون ملامح ومسارات الإرهاصات التي تشهدها الساحة التونسية، بعد انقلاب 25 جويلية الماضي.
وقال تيري بريزيون، المختص في شؤون العالم العربي، في مقال تحليلي نشره على أعمدة موقع “أوريان 21″، ـم تونس “تبدو لحظتها الراهنة سياسيا، بلدا يعيش على وقع شبح نظام قيصري، يوشك أن ينبثق بعد مرحلة 25 جويلية الماضي”.
واعتبر أنّ هذه الفرضية، تحيل على ضرورة وجود قائد وزعيم قوي، يمسك بمقاليد السلطة، ويعيد ترتيب دولة أنهكتها الفوضى السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل من المشهد التونسي، مفعما بأزمات متعددة الأبعاد، ويعقد مهام الرئيس قيس سعيد الذي يسعى إلى تقديم نفسه كقائد منقذ..
بريزيون ورغم إقراره بالحنين الذي أضحى يسكن الكثيرين في تونس تجاه شخصية الأب الوصي والحازم في استعادة لنموذج بورقيبة، إلا أنه يشير في الآن ذاته إلى أن تكريس سيناريو القيصر في خضم المرحلة الحالية، والذي سيكون مهمة محفوفة بالصعوبات على مستويات عدة ومختلفة، ما يجعل المشهد أقرب إلى “لحظة قيصرية سياسية دون قيصر فعلي”.
قنبلة اقتصادية على حافة الانفجار
تمثل تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس طوال السنوات الماضية، والتي فاقمت مخلفات جائحة “كورونا” من تبعاتها إحدى المخاطر التي تضع البلاد على حافة الانهيار الاقتصادي في ظل اقترابها من مرحلة العجز التام عن تسديد الديون.
تسببت الموجات المتلاحقة من الوباء، في مزيد استنزاف القطاع الصحي المنهك بطبعه، وزادت ارتداداتها من حجم العجز الفادح في الميزانية، في الوقت الذي تواجه فيه السلطة “مديونية حادّة بعد عشر سنوات من التدهور المالي، خاصة مع تطور حجم الدين من 45 ٪ من الناتج القومي العام سنة 2010، إلى حوالي 100 ٪”.
ويحذر الصحفي الفرنسي، من أن الوضع الاقتصادي دخل مرحلة الاحتضار البطيء فيما تقوم السلطة بمسايرة الأزمة فحسب، دون حلول أو بدائل تزامنا مع تخفيض الترقيم السيادي من جانب وكالة “موديز” تحت علامة “بي3″، مع تقييم مستقبلي سلبي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، التي وضعت تونس في المرحلة الأخيرة قبل التخلف عن سداد الدين الخارجي.
أزمة هيكلة اقتصادية ومالية، تضع الوضع الداخلي على حافة الانفجار، وتضع سعيد في مواجهة سيناريو انفجار اجتماعي، نتيجة عجزه عن إدارة الملف الاقتصادي، وضمان السلم الأهلي والاجتماعي.
ويشير تيري بريزيون إلى أن الأزمة الصحية والاقتصادية، لعبت دورا محوريا في تغذية الصراع السياسي المحتدم بين الرئاسات الثلاث، ومساعي الهيمنة التي كشف عنها قيس سعيد، وتوسيع صلاحياته، وبسط يده على السلطة التنفيذية، في مواجهة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ما أنتج أكثر من أزمة وصدام سياسي طوال الأشهر الماضية، تجسدت أبرز معالمه في الخلاف الحاصل بشأن التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي، والذي أحبطه قيس سعيد بحجة عدم احترام الإجراءات الدستورية، وشبهات الفساد التي تحوم حول بعض الوزراء الجدد، ورفض قبولهم أداء القسم، ما تسبب في عدم تنصيبهم، وكانت النتيجة أن الحكومة أضحت تضم خمسة وزراء بالنيابة، من بينها وزارتا سيادة هما العدل والداخلية.
إلى جانب ذلك رفض قيس سعيد اعتماد التعديلات التي أقرها البرلمان على القانون الأساسي المتعلّق بتشكيل المحكمة الدستورية، والذي يسمح بخفض عدد الأغلبية الضرورية لتعيين أعضائها من قبل مجلس نواب الشعب، معللا قراره بتجاوز التاريخ المقرر لتشكيل هذه الهيئة الدستورية بخمس سنوات.
ويفسر الصحفي المتابع للشأن التونسي خلفيات الأزمة السياسية كنتاج لانتخابات 2019، التي أسفرت عن “أغلبية برلمانية مبتورة، ورئيس دولة في قطيعة تامة مع الأحزاب، كما عبرت عن رفض للطبقة السياسية، ومأزق التوافق الذي أصبح عاجزا عن توفير حلول للخلافات السياسية، وهو ما هيأ الظروف نتيجة هذا “التوازن الكارثي” للسلطة، “للحظة القيصرية”.
رئيس معزول… يدفع باتجاه نظام جديد
وحسب بريزيون نفسه، فإنّ الرئيس قيس سعيد، مهيئ للاضطلاع ولعب دور القيصر، في سياق اللحظة القيصرية الراهنة، التي كرست تركز سلطات تنفيذية واسعة بين يديه، فهو يصف مهمته على رأس الدولة بـ “مواصلة الانفجار الثوري”، وهي عبارة كررها في مناسبات عديدة.
ويعتبر سعيد نفسه منذ انتخابه، حصنا منيعا للدولة والسيادة الشعبية، لصدّ “أعداء” لم يحددهم، ومفسدين يعملون سرّا ضد مصلحة الوطن، وقد كانت حركة النهضة من بين المعنيين ضمنيا بهذه الهجومات.
مواقف الرئيس التونسي الانعزالية، تثير كثيرا من الحيرة وتدفع بالدوائر السياسية والدبلوماسية التي تعودت على مسؤولين يبحثون عن التحالفات والتوافقات، إلى سؤال دائم: “ما هو هدفه؟”، في ظل تصريحاته المبهمة التي تزيد من غموض نواياه.
وخلال لقائه بالأمين العام لاتحاد الشغل، كشف سعيد عن رغبته في العودة إلى صيغة معدلة من دستور 1959، دون تفصيل طبيعة هذا التعديل، رغم تصريحه في وقت سابق بأن “تلك النسخة صُممت على مقاس شخص وحزب”.
في الآن ذاته لا يبدو أن الرئيس التونسي قد تخلى عن مشروعه السياسي الرئيسي، لإعادة بلورة النظام، والتأسيس لتمثيل شعبي جديد، يتجاوز الأحزاب السياسية، ويلغي التمثيل النيابي الحالي، وهو مشروع ينطلق من التمثيل المحلي إلى الوطني، من أجل تجسيد السيادة الشعبية.
ويراهن سعيد حسب الصحفي الفرنسي، على شرعيته الشعبية المباشرة، واهتراء شرعية البرلمان، لفرض نفسه في اللحظة الحاسمة، كبديل أوحد لسلطة فاشلة، لكن مسار المشهد الراهن، لا يبدو معبدا أمام رئيس معزول من الحلفاء السياسيين والنخب التونسية، التي تعتبره متهورا، ومعاد للحرية، وكذلك الشركاء الإقليميين والخارجيين المرتابين من مغامرته السياسية .
الاستثمار في المؤسسة العسكرية
منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، ركز سعيد حسب تحليل الصحفي الفرنسي، على الظهور باستمرار مع الجيش، الأمر الذي تزايد إيقاعه منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية، وتجميد عمل البرلمان في 25 جويلية الماضي، ما يعكس بحثه عن دعم من المؤسسة العسكرية ورمزيتها، في مواجهة “سلطة الأحزاب”.
لكنّ الصحفي الفرنسي، يستبعد خروج الجيش التونسي عن حياده، انطلاقا من التقاليد الصارمة لهذه المؤسسة التي يحبذ قياداتها “في زمن الأزمات تحفيز السياسيين على العمل من أجل تثبيت استقرار المؤسسات”.
في المقابل كانت مساعي الاستثمار في الجيش، من قبل سياسيين آخرين يرغبون بدورهم في لعب دور القيصر في تونس، تبدو جلية على غرار المرشح الرئاسي ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي، والأميرال المتقاعد كمال العكروت، فضلا عن عبير موسي رئيسة الحزب الحر الدستوري، والتي تمارس أسلوبا فلكلوريا عبر الظهور بملابس شبه عسكرية، خلال قيادتها التظاهرات في الشارع..
ينتهي الصحفي الفرنسي في قراءته لخبايا المشهد الراهن في تونس قائلا: “إذا كانت اللحظة تستدعي قيصرا، فلا يبدو أن أيا من المرشحين بما فيهم قيس سعيد، قادر على فرض نفسه كبديل للجمود الحالي، حتى مع تصاعد الأصوات المؤيدة لإعادة اعتماد النظام الرئاسي، رغم أن هذا النظام يضاعف من أخطاء القائد، أكثر من ضمان فاعلية السياسات العامة”.