صالح عطية لوكالة “الأناضول”: لجنة إدارة الأزمة في “حركة النهضة” جزء من أزمة جديدة
تونس ــ الرأي الجديد (وكالات)
نحو عشرين يوما مضت على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، قرارته الاستثنائية، لتعلن حركة النهضة في آخر بياناتها، عن تكوين لجنة مؤقتة لإدارة الأزمة السياسية في البلاد.
اللجنة التي ستكون برئاسة عضو المكتب التنفيذي للحركة محمد القوماني ستبحث عن “حلول وتفاهمات تجنب تونس الأسوأ وتعيدها إلى الوضع المؤسساتي الطبيعي”، وفق ما أعلنته الحركة في أحدث بياناتها عن الأزمة والصادر الخميس.
وفي 25 يوليو/ جويلية الماضي، قرر سعيد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، ولاحقا أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
ورفضت غالبية الأحزاب التونسية قرارات سعيد الاستثنائية، واعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما أيدتها أخرى رأت فيها “تصحيحا للمسار”، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية .
“النهضة”، اعتبرت أنّ “قرارات 25 يوليو/ جويلية الماضي الرئاسية جاءت لتكسر الحلقة المغلقة التي مرت بها البلاد بحثا عن حلول، لكن بعض تلك القرارات ذهبت بعيدا في الخرق الجسيم للدستور”.
كما أقرت “النهضة” في بيانها الأخير، بأنّ “غياب منجزات تنموية ترتقى إلى مستوى طموحات أبناء تونس، خلّف حالة غضب مشروع لدى العديد من الفئات وفي مقدمتهم الشباب”.
وهناك من اعتبر أنّ “النهضة” ببيانها الأخير، تحاول من خلال ذلك اللحاق بركب أحداث تجاوزتها عبر مرونة مواقفها التي عدلتها وفق ما تتطلبه تطورات الوضع، فيما يعتبر البعض الآخر أن نجاح هذه اللجنة رهين بتغيير الوجوه المأهولة حتى تجد سبيلا للتحاور مع الرئيس سعيد.
*لجنة بوجوه غير مأهولة
وفي هذا الصدد، اعتبر الصحفي والمحلل السياسي صالح عطية أنّ “اللجنة التي شكلتها حركة النهضة ستراهن على وجوه أغلبها غير معروفة في المشهد الحالي وستعول على إشراك شباب جديد”.
واعتبر عطية أن “هناك أطرافا في المشهد الحالي وعلى رأسهم سعيد لا يقبلون وجوها معينة (قيادات بالحركة) كانت بارزة في المرحلة السابقة وفي مقدمتهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، من أجل محاورتهم والجلوس معهم وهو ما سيجعل الحركة تراهن على وجوه غير مأهولة بهدف فتح باب القصر الرئاسي للمفاوضة والحوار مع الرئيس أو من يحيطون به”.
وفي حديثه للأناضول، أكّد أنّ “تشكيل اللجنة سيواجه كثيرا من المصاعب داخليا باعتبار وجود عدة أجنحة تطمح أن تقودها لإخراج الحركة من الأزمة والإعداد للمؤتمر القادم وأنّ من سينجح في هذه اللجنة سيكون رقما جديدا في معادلة هذا المؤتمر”.
وأكمل: “اللجنة تواجه مصاعب حقيقية قبل أن تبدأ أعمالها فالبعض اعتبر أنها ولدت ميتة فيما أقول إنها ولدت حية وبيدها إما شهادة وفاتها أو ميلادها”.
وأوضح أنه أمام اللجنة خياران، إما أن تنجح فتعلن عن ميلادها أو أن تدير الوضع بشكل غير ملائم فتعلن عن وفاتها”، وفق تعبيره.
*لحاق بالأحداث
من جهته، اعتبر رئيس مركز “الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي” عدنان منصر، أنّ “الخطوات التي تقوم بها حركة النهضة هي محاولة للحاق بالأحداث التي تجاوزت كل هذه المراحل”.
واستدرك منصر بالقول إنّ “هذه المحاولات كان يُمكن أن تكون لها وجاهة قبل 25 يوليو/ جويلية وحتى الرئيس قبل ذلك التاريخ كان رافضا الحوار مع النهضة”.
وأوضح: “ما كان مستحيلا قبل تاريخ 25 (يوليو) جويلية، لا يمكن أن يكون ممكنا بعده”، وفق تعبيره.
ولفت منصر إلى أن “النهضة تحاول التلاؤم واللحاق بالأحداث بكثير من التخبط..”.
في المقابل، رأى منصر أنّ “هناك تراجعا ولكن ليس هناك مراجعات والدليل أن اللجنة وضعت في يد مقربين من رئيس الحركة وهذا لا يدل على رغبة حقيقية في التقييم ..”
وأضاف أنه “لا يمكن للمراجعات أن تتم في ظرف أسبوع أسبوعين لأنه يجب أن تكون عميقة.”
وأشار إلى أنّ “قيادة النهضة فضلت عدم تحمل مسؤوليتها تجاه مناضليها وبينت أنها غير قادرة على تحمل مسؤولية سياستها طيلة السنوات الأخيرة ودفعت ثمن ذلك”.
وزاد: “المقترح لا أمل له في أن يلاقي أي صدى معتبرا أنه غير جدي ولا يراعي التّوازنات الحالية”.
*”تفاعل الرئاسة مشروط”
وعن تفاعل الرئيس التونسي مع اللجنة، رأى عطية أنّ “سعيد قد يتفاعل مع مقترح النهضة إذا وجد خريطة طريق أو مقاربة قريبة من موقفه يمكن أن ينساق معها، ولكن إذا أعادت اللجنة خطابا قديما وأعادت نفس الوجوه التي تدافع عن رئيس الحركة وخياراته باستماتة كبيرة فإن هذا سيعطل اللجنة.”
ولفت إلى أن “تسمية محمد القوماني على رأس اللجنة باعتباره قادم من خارج الحركة والتحق بها مؤخرا وكان مع الإسلاميين التقدميين، أثار جدلا حول هذا الموضوع داخل الحركة.”
وأوضح رئيس مركز الدراسات أنّ “الرئيس اليوم بيده كل السلطات ولا يمكن أن يتجاوب مع مثل هذه المقترحات” في إشارة إلى اللجنة المقترحة من قبل النهضة.
* المراجعة العميقة .. ضرورة
واعتبر عطية أنّ “المراجعة العميقة تقتضي انسحابات أو استقالات أو محاسبة لذلك لازال بعض القيادات بالحركة يعتبرون أنهم لا يمكن أن يتحملوا مسؤولية ما آلت إليه الأمور بمفردهم”.
ولفت إلى أنه “لو قامت الحركة بهذه المراجعات قبل أشهر عندما كانت تعيش البلاد انسدادا سياسيا للقيت صدى أكثر مما تقترحه في الوضع الحالي”.
وأكد أن “الإشكال يتمثل في فقدان عدة أطراف الثقة في خطاب النهضة ونواياها .”
واعتبر أن “هذه المقترحات لن تكون لها أية تبعات أو أنها ستقنع أي طرف”.
ولفت المتحدث إلى أن “قرارات سعيد فردية، ولابد من سبب حتى يتراجع عن قرارته، وهذا السبب غير متوفر الآن، وبغض النظر عن ما إذا كان ما يقوم به صحيح أم لا، فهو الآن في موقع قوة وسند شعبي”.
* البحث عن صيغة جديدة
واعتبر عطيّة أنّ على حركة النهضة “البحث عن صيغة جديدة تتلاءم مع رئيس الجمهورية ومع الطروحات حتى العالمية والدولية فيما يتعلق بالانتقال الديمقراطي وقضايا التنمية والاقتصاد الدولي وهو ما يستوجب مقاربة شاملة لثلاثين عاما قادمة”.
المصدر: (وكالة الأناضول)