كيف استخدمت إسرائيل الانقلابات لهندسة العالم العربي؟
بقلم / سليمان صالح
هناك الكثير من الأدلة تبدو أكثر من الشمس سطوعا، عن دور إسرائيل في الانقلابات التي أدت إلى وأد الربيع العربي بكل ما حمله من آمال للشعوب.
لماذا قيس سعيد؟
حالة الانقلاب التونسي توضح حقائق جديدة تحتاج الأمة لمعرفتها، فلقد كان المدخل إلى قلوب الشعب التونسي هو الإعلان عن رفض التطبيع مع إسرائيل، وبذلك تمكن قيس سعيد من الوصول للحكم بأصوات التونسيين الذين يرفضون التطبيع.
لكن قوى الطغيان العربي المرتبطة بإسرائيل خططت لإسقاط سعيد في نظر شعبه عن طريق دفعه للانقلاب على الدستور والديمقراطية وإغلاق مجلس النواب.
ولأن الرئيس التونسي لم يستطع أن يشكل لنفسه مجلسا استراتيجيا، فقد تمكن الطغاة العرب أن يزينوا له الانقلاب الذي سيؤدي في النهاية لسقوطه، وبالتالي فإنهم يتخلصون منه ومن الديمقراطية التونسية التي يمكن أن تلهم الشعوب العربية.
لقد كان من الواضح أن طغاة العرب قد حركوا المنتفعين الجهلاء – مثل الحزب الدستوري الحر ورئيسته التي تعلن عداءها للإسلام – للقيام بدور “البلطجية” في مصر و”الشبيحة” في سوريا، لإحداث فوضى وتعطيل مجلس النواب للانقلاب علي الديمقراطية.
ألم يكن واضحا لكل التونسيين من الذي يحرك هؤلاء البلطجية، ومن الذي يستخدمهم في إدارة المشهد الذي كان لابد أن ينتهي بالانقلاب كما حدث في مصر عام 2013؟!!
ألم يكن واضحا لكل مراقب للمشهد أن الطغاة العرب يريدون إسقاط تونس، وأن هؤلاء يرتبطون بتحالف قوي مع إسرائيل، وأن هذا التحالف يؤثر على قرارات المؤسسات العالمية التي تمنح القروض، فتيسر سبل حل أزمة اقتصادية مصنوعة، والتخفيف من حدة المعاناة التي تواجهها الشعوب التي يمكن أن تفضل الاستقرار والأمن على الحرية والديمقراطية.
بشكل غير مباشر
تستخدم إسرائيل الطغاة العرب، الذين تحالفوا معها خاصة في توفير الأموال ببذخ للبلطجية، الذين يهيئون المشهد للانقلاب فلا تخسر إسرائيل شيئا، وتكسب دائما.
ولقد كان ذلك واضحا في الحالة المصرية.. حيث تدفقت الأموال بالمليارات لإنشاء وسائل إعلامية تزيف وعي الشعب، وتضع أمامه خيار واحد: إما تأييد الانقلاب أو أن تصبح مصر مثل سوريا والعراق.. وكان ذلك الخطاب يحمل تهديدا بإشعال الحرب الأهلية.
ومن الواضح أن تلك الأساليب قد تكررت في تونس، فاتجه البلطجية إلى إحراق مقرات حركة النهضة تماما كما أحرقوا مقرات حزب الحرية والعدالة في مصر.
ومن الواضح أن طغاة العرب فقدوا القدرة على الإبداع والتجديد وابتكار أساليب جديدة.. وكان الشيء الجديد في المشهد، هو استخدام رئيس منتخب في الانقلاب على الديمقراطية.
ولقد كانت زيارة سعيد لمصر هي البداية، حيث غير مساره، وعاد بوجه غير الذي ذهب به.. ومن الواضح أن سلطة الانقلاب المصري تقوم بدور مهم في إدارة المشهد في تونس.. حيث هللت وسائل الإعلام المصرية للانقلاب، واعتبرته يشكل انتصارا لها على الإخوان المسلمين.
العدو الرئيس لإسرائيل
هذا يدفعنا إلى طرح سؤال مهم يمكن أن نستشرف علي ضوء إجابته المستقبل: لماذا يتعامل طغاة العرب بكل تلك القسوة والوحشية والاضطهاد مع التيار الإسلامي خاصة الإخوان المسلمين، الذين تعتبرهم إسرائيل العدو الوحيد الباقي أمامها، وتعلن بوضوح أنها تريد من حلفائها – طغاة العرب – أن يساعدوها في القضاء عليهم.
دراسة الواقع العربي منذ عام 2013 توضح أن الهدف الرئيس للانقلابات، هو القضاء على هذا التيار واستئصاله وإبادته بدعم دولي وإقليمي، بعد توجيه الاتهامات له بالإرهاب.
هل يمكن اتهام “النهضة” بالإرهاب؟
لقد بالغت حركة النهضة في التمسك بالسلمية إلى الحد الذي أثار السخرية من سلوكها السياسي، حتى أنها تخلت عن الكثير من حقوقها خاصة في تشكيل الحكومة، ورضخت لشروط الرئيس، ومنحت الثقة لحكومة هشام المشيشي، وحرصت على نفي انتماء النائب الذي قام بصفع عبير موسي لها، بالرغم من أنه لا يمكن السماح لأحد بتعطيل الجلسات في أي برلمان في العالم.
اتفاق دولي وإقليمي
من الواضح أن إسرائيل استخدمت تحالفها مع الطغاة لمنع الشعوب العربية من بناء تجارب ديمقراطية، يمكن أن تستخدمها هذه الشعوب في تحقيق استقلالها الشامل، وتوظيف مصادر قوتها المادية والبشرية لتحقيق التقدم أو بناء اقتصاد قوي.
كما كان من الواضح أن التجربة التركية تثير خوف الدول الغربية وإسرائيل، فقررت استخدام الطغاة العرب لمنع تكرار التجربة.
إن إسرائيل تدرك تماما أن كل شعوب العرب ترفض التطبيع معها، وترى أن التحالف معها خيانة للأمة ولدينها، ولقد كان ذلك واضحا في مصر عندما اتجهت المظاهرات للسفارة الإسرائيلية وقذفتها بالحجارة.. وكان واضحا في تونس عندما انتخب الشعب سعيد لإعلانه رفض التطبيع مع إسرائيل.
أما سعيد فقد خضع للطغاة العرب، ونفذ مخططهم لإسقاط ثورة تونس وتجربتها الديمقراطية، وساهم في هندسة الواقع العربي لصالح إسرائيل وأميركا.
هناك هدوء في العالم العربي، يقوم على الخوف والوهن والخضوع للقوة الغاشمة والرغبة في الاستقرار. لكن هناك عاصفة كاسحة يمكن أن يراها أصحاب البصيرة الذين يقرؤون التاريخ والواقع بعمق. وإسرائيل تعرف جيدا نتائج تلك العاصفة، لذلك تتحالف مع الطغاة العرب لتأجيلها، وتعمل لهندسة الواقع العربي لتحمي أمنها، وتحافظ على سيطرتها على المنطقة لأطول فترة ممكنة.
هناك حقيقة تعرفها إسرائيل جيدا، هي أن الغضب يغلي في النفوس وسينفجر، وسيكون للانفجار صداه في العالم كله. ومشكلة الطغاة العرب أنهم لا يفهمون التاريخ، وأنهم ما زالوا يعتقدون أن السياسة “فهلوة” وليست علما، كما كان يقول جمال عبد الناصر.