وزير الصحة الجديد في مواجهة “المرحلة الصحية” الأكثر صعوبة… فماذا أعدّ لذلك ؟؟
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
يبدو وزير الصحة بالنيابة الجديد، محمد الطرابلسي، أمام مهمة صعبة، ولكنها غير مستحيلة..
فــ “كورونا” تحصد أرواح التونسيين، والمؤشرات المتعلقة بالوباء شديدة الحساسية، ومشكلات القطاع الصحي كثيرة، وأوضاع المستشفيات العمومية تقترب من الكارثة، والحاجيات المتعلقة بمجابهة كوفيد، من التلاقيح، مرورا بالأكسيجين، وصولا عند الأسرة، وأسرة الإنعاش تحديدا، إلى جانب صورة وزارة الصحة ودورها، كلها معطيات تؤكد، أنّ الوزير الجديد، أمام مهمة يحسد عليها، لكنها في تقديرنا غير مستحيلة…
وبحسب المؤشرات الأولية، قد يكون محمد الطرابلسي، مسك بتلابيب الملفات الحقيقية بسرعة، وأدرك بعض “المفاتيح” التي يمكن أن تقوده إلى مقاربة جديدة للوضع الوبائي.
فقد التقى وزير الصحة بالنيابة أمس، القيادات الصحية، والمديرين العامين للوزارة، في أول مصافحة معهم، وبحسب المعلومات التي تسربت من هذا الاجتماع، الأول من نوعه للوزير مع “أعضاده”، كشف الطرابلسي عن “استراتيجيته” خلال المرحلة المقبلة، من خلال وضع المسؤولين في الوزارة، أمام 5 مرتكزات أساسية، ضبطها وزير الصحة بالنيابة، وأفصح عنها أمام الحضور..
ويمكن اختزال هذه المرتكزات في النقاط التالية:
المرتكز الأول: الرفع من معنويات “الجيش الأبيض”، الذي تلقى الكثير من النقد خلال الفترة الماضية، ومورست عليه ضغوط شديدة، سواء بسبب نقص الأكسيجين، أو قلة التلاقيح، أو محدودية عدد أسرة الإنعاش، وبلغ الأمر حدّ تعنيف بعض الأطباء ومهنيي القطاع في بعض المستشفيات العمومية، لذلك شدد الوزير منذ بداية الاجتماع، “بالدور الريادي والمحوري لوزارة الصحة في مجابهة جائحة كوفيد-19”.
وأشاد بالجهود المضنية التي ما فتئت تبذلها الإطارات الإدارية والصحية بمختلف الأسلاك، لتمكين المنظومة الصحية الوطنية من الصمود، والاستجابة لمتطلبات المرحلة.
المرتكز الثاني: ضرورة توحيد الجهود على المستوى المركزي والجهوي، وتفعيل التنسيق ودعم التعاون مع مختلف الأطراف، في مقدمتها الصحة العسكرية (التي كان أثنى عليها رئيس الجمهورية، خلال اجتماعه أمس الأول بقصر قرطاج، وهو الاجتماع الذي كان وزير الصحة بالنيابة، محمد الطرابلسي، حاضرا فيه)، وقد التقط بالتالي، إشارة الرئيس سعيّد..
ومعروف، أنّ الطرابلسي، لا يريد الانخراط في التجاذبات السياسية، أو الخلافات بين رؤوس الدولة، فهو النقابي الذي يعرف كيف يمشي بين المسافات، وحتى “الحبال المشبكة”..
المرتكز الثالث: هو التسريع في الحملة الوطنية للتلقيح، وإنجاحها، من أجل تحصين الشعب التونسي ضد وباء “كورونا”، لذلك مرر الوزير برنامج عمل الهياكل الصحية المختلفة، من خلال حديثه عن “إمكانية بلوغ الأٔهداف المرجوة، وهي تطعيم 100 ألف مواطن يوميا ضمن رزنامة طموحة، وقابلة للتنفيذ، توقيا من ظهور سلالات وموجات جديدة من هذا الوباء، وبذلك يكون الرجل، قد وضع الإطار الصحي، ضمن أجندة عملية، هي موجودة، لكنّها توقفت أو تعطّلت لأسباب كثيرة، بعضها مبرر، وبعضها الآخر لا مسوغات له إطلاقا، إلا التردد، والخوف، وسوء إدارة الجائحة، والتصرف غير العقلاني في المقدرات والظروف والإمكانات، وغير ذلك..
المرتكز الرابع: هو توفير الأكسيجين، المعضلة التي كانت أحد أسباب إقالة الوزير السابق، فوزي مهدي، وهي المعضلة أيضا التي أربكت التونسيين، وأزعجت حياتهم، وطريقة مواجهتهم لكورونا، وأفقدت الكثير من العائلات، بعض أفرادها، الذين أزهقت أرواحهم بسبب نقص الأكسيجين في المستشفيات العمومية بشكل خاص..
من هذا المنظور، دعا الطرابلسي إلى “تأمين توفر مادة الأٔكسجين بمختلف المؤسسات الاستشفائية”، مشددا على ضرورة “إيجاد مخزون إإستراتيجي لهذه المادة الحيوية، تلبية لكل الاحتياجات القادمة”، كما أبرز أهمية مواصلة “تنفيذ الخطة الوطنية لتركيز التجهيزات اللازمة بكل المستشفيات، من أجل تأمين التزود بمادة الأٔكسجين.
المرتكز الخامس والأخير: هو العودة إلى أصل القطاع الصحي، ونعني هنا، المرفق العمومي، أي المستشفيات العمومية، التي تعدّ ــ بالفعل، ورغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجّه إليها، من وجود “حنش” أو جعّة في بعضها ــ تعدّ الملجأ للتونسيين، والقاطرة للقطاع الخاص، الذي استغل كأبشع ما يكون تهرّي المنظومة العمومية، ليمارس نوعا من “الإبتزاز المقنن” للمرضى ورواده، لذلك بدا الوزير واعيا، وهو النقابي العارف بالمؤسسات العمومية، بأنّ مكافحة كورونا، أو النجاح في حملة التلاقيح، أو في تجاوز معضلة “الأكسيجين، يستوجب من كافة الفاعلين في القطاع الصحي العمومي بوجه خاص، “استمرارية المرفق العمومي للصحة”، من ناحية، و”دعم جاهزية المؤسسات الصحية لمجابهة كل الطوارئ”، من ناحية أخرى.
ويبدو لنا أنّ هذه استراتيجية الطرابلسي خلال مرحلة إشرافه على هذه الحقيبة، قدمها للقيادات الصحية، بشكل واضح، ومنذ اليوم الأول من إمساكه دفاتر الوزارة..
يبقى أنّ أمام وزير الصحة بالنيابة، ثلاثة شروط أساسية لتخفيف العبء على العاملين و”المحركين” للقطاع الصحي، وإعادة تنظيم الأمور بالشكل الذي تقتضيه المرحلة:
ـــــ ضبط “إدارة تصرف” جديدة للوزارة، ومن خلال ذلك للقطاع الصحي برمته، وهو الأمر الذي لم يضطلع به أي وزير منذ الثورة، إذا استثنينا الوزيرة سنية بالشيخ، التي ما إن شرعت في العمل على هذا المستوى، حتى غادرت الوزارة، ضمن سياق التحويرات الوزارية…
ـــــ عدم الاهتمام باستراتيجيات القطاع الصحي، مثلما فعل، الوزير الأسبق، عبد اللطيف المكي، الذي صرح لــ “الرأي الجديد” أنذاك، بأنه منشغل، بالعمل الاستراتيجي للقطاع، فلم ينجز شيئا على هذا المستوى، وفي ذات الوقت، لم تعمل الوزارة في فترته على وقاية التونسيين ــ استراتيجيا ــ من هذا الوباء، وفق بعض التقديرات والمقاربات من داخل وزارة الصحة بالذات.
فالطرابلسي، في وضع مختلف، ومرحلة معقدة.. فهو يواجه اليوم حالات موت يومي تتجاوز المائة، بسبب كورونا، وإيقاف هذا النزيف، أمر يرتبط بالأمن القومي الصحي للتونسيين، قبل الاستراتيجيات، لأن البلاد في حالة طوارئ صحية بكل معنى الكلمة، مع ما يعني ذلك، من أنّ تحسين الأرقام المتعلقة بالإصابات وحالات الوفيات، سينسحب على نفسية التونسيين المتدهورة حاليا، ومن شأن ذلك المساهمة في تحسين المؤشرات المتعلقة بالوباء لدى المنظمات الدولية، وخاصة منظمة الصحة العالمية.. والنتيجة الطبيعية لذلك هي، التأثير على القطاعات الهامة في الاقتصاد التونسي، وبخاصة السياحة والاستثمار، اللذين يعانيان حاليا من تداعيات الجائحة..
ولعل أحد أهم هذه المؤشرات، ابتعاد تونس من المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا في عدد الإصابات والوفيات، ووصول الوضع الوبائي إلى مستوى كارثي، جعل بعض القنوات التلفزيونية الأجنبية، تتحدث عن موت التونسيين على قارعة الطريق، رغم أنّ ذلك كان من باب المبالغة والتضخيم الصحفي للأسباب التي نعرفها جميعا..
ـــــ توحيد مصادر المعلومات بشأن الأرقام والمؤشرات، فتعدد التصريحات من اللجنة العلمية ومن الوزير السابق، ومن اللجنة الوطنية، ومن “خبراء”، أظهر تباينات وأحيانا تناقضات كبيرة، بخصوص عدد الوفيات، ونقص الأكسيجين، وغياب التلاقيح أو محدوديتها، وهو ما زاد من مخاوف التونسيين، وأفقدهم الثقة في المنظومة الصحية العمومية، وفي الحكومة والدولة..
المسألة ليست لها علاقة بحرية المعلومة، والنفاذ إلى المعلومة، فكل الدول في العالم، تختار طريقة اتصالية ما أثناء الأزمات (حروب.. أوبئة.. صراعات سياسية.. حرب أهلية… إلخ)، ولا أعتقد أننا استثناء في هذا السياق..
ونحن نعتقد، أنّ من أسباب الأزمة الصحية في بلادنا، ليست المشكلات المتعلقة بالأكسيجين والتلاقيح وأسرة الإنعاش، وغيرها، على أهميتها، إنما في رؤية الحكومة، وبخاصة وزارة الصحة، للجانب الاتصالي، في عالم الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي..
خارج هذا السياق، سيغرق الوزير الجديد في التفاصيل، التي أغرقت من كانوا قبله، ويخرج ــ وهذا ما لا نتمناه له ــ مثلما خرج الآخرون، أي دون تغيير الوضع، فيما التونسيون ينتظرون الخروج من النفق، بكل حرقة..