“سقوط سياسي” جديد لرئيس الجمهورية… قيس سعيّد البارع في تضييع الفرص
بقلم / صالح عطية
عاد الرئيس، قيس سعيّد، إلى مربع النظام الرسمي العربي، بزعامة القاهرة، وبخلفية رموز النظام العربي، من السعودية إلى الأردن، مرورا بالإمارات الوظيفية، وصولا عند المغرب الأقصى، التي تحاول أن تتمايز عن هذا النظام، دون أن تخرج من منظومته المهترئة..
رئيس الجمهورية، أبان مرة أخرى، بأنّ تقديره الإقليمي، ورؤيته للتطورات الفلسطينية الأخيرة، الهامة والدقيقة، “خارج الموضوع” تماما..
قيس سعيد، وبطريقته التي تتضمن الكثير من الحذلقة اللغوية التي لا طائل من ورائها، شدد على أنّ “القضية الفلسطينية ليست غزة بل فلسطين”.
وأضاف لدى استقباله أمس هايل الفاهوم، السفير الفلسطيني بتونس، بأنّها “فرصة لأتوجه إلى الشعب العربي وإلى العالم كله، بأنّ القضية الفلسطينية ليست غزة بل فلسطين. ولعله من مخلفات الانقسام الحديث عن غزة دون فلسطين”.
ليس هذا وحسب، بل إنّ الرجل أبدى امتعاضه من شعار “غزة… رمز العزة”، قائلا بطريقة فيها الكثير من المخاتلة اللغوية والسياسية، “رمز العزة، كل فلسطين. والانقسام هو الذي أدّى إلى هذا التشرذم”.
بل الأدهى من ذلك وأمرّ، فإنّ رئيس تونس، اعتبر أنّ “الشعار المذكور علامة على الاختراق الصهيوني”، ناسيا أو متناسيا، أو ربما لم يقع إعلامه بذلك، بأنّ قيادات فلسطينية من الضفة الغربية، رفعت بدورها شعار “غزة.. رمز العزّة”، وذلك ضمن حربهم النفسية على العدوّ الصهيوني..
ربما لم يتفطن رئيس الدولة، إلى أنّ مقولته، هي ذاتها، تعبير عن اختراق صهيوني… فالصهاينة، عملوا ــ سيدي الرئيس ــ على تقزيم كل نصر فلسطيني، ومحاولة تمييعه وتهميشه ضمن الحديث عن الانقسام والوحدة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، التي يعرف الصهاينة، والغرب ــ ربما أنت الوحيد الذي لم يدرك ذلك ــ أنّها منظمة غير ممثلة للشعب الفلسطيني، وهم يراهنون على العطل الموجود في الجسم الفلسطيني.
ثم وقبل كل ذلك، ما دخلك في الوضع الداخلي الفلسطيني، هذا الموقف لم تختاره حتى القاهرة، وهي تجتمع إلى الغزاويين أكثر من الضفاويين، ليقينها بأنّ المقاومة في غزة، هي قلب الرحى في المعادلة الفلسطينية..
سيدي الرئيس، يبدو أنّ الاختراق حصل لك من بعض المستشارين المؤدلجين، والدبلوماسيين الفاشلين، الذين نسمع تصريحاتهم المهزوزة والميكانيكية، كلما ظهروا لكي “يفسروا” خطابك أو تصريح مثير لك..
نعم سيدي الرئيس، كان واضحا أن تنتهي إلى هذا الاستنتاج، لأنك لا تنحدر من سياقات سياسية نضالية، ولم تنخرط سابقا في أي نشاط يخص فلسطين، ولم تكن لديك رمزية للحديث عن هذا النضال الفلسطيني، الذي لم نسمع من الرئيس السابق، المرحوم، الباجي قايد السبسي، أي إشارة إلى هذا الموضوع، وكان يشدد على نضال الفلسطينيين، وعندما يسأل عن الخلاف بين حماس وفتح، يقول كلمته الشهيرة: “الوحدة القومية الفلسطينية أهم من الخلافات الداخلية”، مؤكدا أنّ تونس ستبقى حاضنة للنضال الفلسطيني، لأنها كابدت الاستعمار وتعرف مآلاته” (ندوة بالجامعة العربية للعلوم سنة 2006)..
طبعا سيدي الرئيس، هناك فرق بين الاستعمار والحماية، ولعل هذا مربط الفرس، إذ يبدو أنكم لم تستوعبوا بعد، معنى الاستعمار، لذلك تتحدثون عن الشأن الفلسطيني، وكأنه جملة نحوية أو صرفية ركيكة، من تلك الجمل التي استمعنا إليها طويلا…
معارك التحرير، سيدي الرئيس، فيها بوصلة للشعوب، ولست أنت ولا أي كان، بإمكانه أن يغيّر المعادلة، بهذه الطريقة واللغة البائسة..
إسمحلي سيدي الرئيس، إن كنت قاسيا عليك شيئا ما، لكنّ الأمر تجاوز الحدّ معك، وأصبحت تسبح ضدّ التيار، ليس في تونس فقط، إنما كذلك، وهذا أدهى وأمرّ، في قضايا العالم العربي، وفي قضايا الأمة المفصلية..
سيدي الرئيس، لقد صرحت منذ فترة، بأنني لم أعد معنيا لا بما قلت إلى حدّ الآن، ولا بما سوف تقول، لأنّ يقيني، بأنّ عقلك السياسي، عقل من خارج هذا الزمن، زمن الثورات، وهبات الشعوب، وانتفاضة الأقصى..
كم كنت أتمنى لو أنك تزعمت فعاليات سياسية وثقافية وفنية واسعة لنصرة هذه القضية، فصورتك التي تأثرت “بخياراتك” و”سياساتك”، إن صح أن نسميها خيارات وسياسات، كان يمكن أن تتبدّل، لكنني على يقين، سيدي الرئيس، بأنكم مبدعون في تهرئة صورتكم كما لم يحث في تاريخ الرئاسة في العالم..
ستظل “غزة.. رمز العزة”… وستظل “الضفة.. رمز الأنفة”، وسيظل الفلسطينيون نقطة الضوء الهامة في الواقع السياسي العربي، رغم كل هذه الهرطقات اللغوية الفارغة، التي تعبّر تصريحات سيادتك عن أسوئها واقلها قيمة معرفية وسياسية وذوقية..