عبد اللطيف المكّي يوجّه “رسالة” إلى قيس سعيّد … فماذا جاء فيها ؟
تونس ــ الرأي الجديد
وجّه القيادي في “حركة النهضة” عبد اللطيف المكّي، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، دعاه من خلالها إلى أن يكون قراره بشأن المحكمة الدستورية “منعرجا إيجابيا يُبني عليه برنامجا للخروج من الأزمة”.
وتوجّه المكّي، لقيس سعيّد، قائلا: “لا أعتقد أنه يرضيك أو ترتاح لما آلت إليه الأمور في بلادنا وأنتم المسؤول الأول على تجميع كلمة التونسيين حول المشتركات الوطنية حتى وإن اختلفوا فمسؤوليتكم الأولى هي المحافظة على حبل التواصل والحيلولة دون الانزلاق إلى القطيعة وخطابها ومناخاتها”.
وأضاف: “إن في شخصكم تمثل شخصيتان، شخصكم الكريم استاذ القانون الدستوري و شخص رئيس الجمهورية المطالب بالمحافظة على الدستور”.
وفيما يلي نصّ الرسالة:
“بعد قرار الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين و عدم حصول الطعن في دستورية قانون المحكمة الدستورية على أغلبية
رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الجمهورية:
ليكن قراركم بشأن المحكمة الدستورية منعرجا إيجابيا نبني عليه برنامجا للخروج من الأزمة.
السيد رئيس الجمهورية
تحية طيبة وبعد،
لا أحد ينكر أننا نمر بأزمة سياسية غير مسبوقة لأنها تتعلق بعدم التفاهم بين المؤسسات القيادية للدولة مما أدى إلى عطالة في كثير من المجالات أثّرت على قدرة بلادنا في إدارة الأزمتين الصحية و المالية كما أثرت على صورة بلادنا أمام العالم و خاصة أمام شركائها و كذلك الكثير من الجمهور العربي و العالمي الذي راهن على نجاح تونس كأنموذج عربي للديمقراطية يتبعها الرفاه الاقتصادي و العدل الاجتماعي.
لا أعتقد أنه يرضيك أو ترتاح لما آلت إليه الأمور في بلادنا و انتم المسؤول الأول على تجميع كلمة التونسيين حول المشتركات الوطنية حتى و إن اختلفوا فمسؤوليتكم الأولى هي المحافظة على حبل التواصل و الحيلولة دون الانزلاق الى القطيعة و خطابها و مناخاتها.
إن معالجة المواضيع القانونية، التي هي من اختصاص القضاء، بالأدوات السياسية يضعف موقف الرئاسة و يجعلها ،في ما يفهم و ما ينطبع في النفس،في صراع مع أطراف سياسية و منحازة الى أطراف أخرى و هو ما لا ترونه و ما لا تهدفون اليه،
فالرئاسة و الرئيس هما رسل تواصل و تقريب و ليس العكس و لعل اشتراط الدستور على الرئيس المنتخب الاستقالة من حزبه رسميا و عمليا هو لجعل الرئيس رئيسا للجميع و على الجميع احترامه و دعمه بصفته تلك.
إن الغاية من تطبيق القانون بنزاهة و دون تدخل سياسي على الجميع بما في ذلك الأحزاب و الشخصيات العامة، هو القضاء على الاخطاء، إن وجدت، و ليس القضاء على من ارتكب الخطأ وتلك هي روح منهج الاصلاح في الثقافة الاسلامية و هو القضاء على الخطأ لا على مرتكب الخطأ أو استهدافه.
يمكن لأي جهة الإلتجاء للقانون في سياق القانون لا غير و بخلفية الاصلاح و إبعاد ذلك عن أي شبهة توظيف للقانون في الصراعات و الاختلافات السياسية مما يضعف القانون و القضاء اللذان نريدهما سلطة فوق الجميع.
أما الاختلافات السياسية فحلّها يكمن في المصالحة و المطارحة و الحوار تحت سقف الدستور و المصلحة الوطنية.
لقد عرفت الأزمة السياسية الكثير من المنعرجات السلبية زادتها في كل مرة تعقيدا و زادت المواطنين قلقا و خوفا على مصير بلادهم في حين يتطلعون إلى منعرج إيجابي يضعها على طريق الحل و الانفراج.
إن تفعيل الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل دون شروط على انطلاقه و دون شروط على المواضيع التي تطرح فيه، يمكن أن يوصلنا إلى تفاهمات حول الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و حول اصلاح جملة من القوانين الأساسية و حول ما يجب تعديله او تبديله في نظامنا السياسي فلقد نجحنا في أغلب حواراتنا الوطنية بجهد مشترك.
إن حلحلة الأزمة السياسية يتطلب منعرجا إيجابيا يخلق مناخات إيجابية في البلاد لا أراه متأتيا إلا من رئاسة الجمهورية، في شكل رد إيجابي على مصادقة البرلمان بالأغلبية المعززة على قانون المحكمة الدستورية و ذلك بختمه و نشره و بتعيين الأربعة قضاة الذين هم من مشمولاتكم بعد أن ردت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أمر هذا القانون إليكم.
إن هذا المنعرج سيمهد لمناخات إيجابية تجعلنا أقدر كمجموعة وطنية على حل الإشكالات السياسية الأخرى ثم المضي بعزم واحد الى معالجة الملفات التي تشغل بال التونسيين. غير ذلك سيمثل منعرجا سلبيا نوعيا يتسبب في مزيد التعقيد لا يعلم مداه و لا آثاره الا الله
السيد رئيس الجمهورية
إن في شخصكم تمثل شخصيتان، شخصكم الكريم استاذ القانون الدستوري و شخص رئيس الجمهورية المطالب بالمحافظة على الدستور.
إن المحافظة على الدستور تتطلب أن تكون لكم أداة ذلك و هي المحكمة الدستورية، فكما لا يقضي القاضي بعلمه أتصور أن رئيس الجمهورية لا يحافظ على الدستور برأيه الخاص بل برأي المحكمة الدستورية، فعندما يبدو للسيد رئيس الجمهورية أو غيره ،بحسب الرأي الخاص، أن هناك مس من الدستور نتوجه الى المحكمة الدستورية.
فالرأي الخاص، على احترامنا له، هو منطلق لاستفتاء المحكمة الدستورية و ليس للتنفيذ المباشر. إن إنجاز المحكمة الدستورية هو نجاح لشخصكم و لدوركم كرئيس للجمهورية و لو على حساب رأيكم الشخصي.
أما قول البعض بأنه يراد توظيف المحكمة الدستورية ضد الرئيس فهو قول سياسي لا ديل عليه و هو مستحيل و يدفعنا الى هذا القول ثقتها في قضاتنا الذين سيقع اختيارهم من قبل جهات متعددة و من خيرة قضاتنا و شخصياتنا الوطنية، فلا أتصور أنهم بعد أن يضعهم الوطن في هذا الموضع الرفيع للحكم بالعدل في مواضيع تهم حسن سير حياتنا الدستورية سيقبلون بتوظيف أو أي شئ يخل بشرفهم المهني و الوطني بل بالعكس سيكونون متيقضين لضمان نزاهة حكمهم و سلامة مضمونه.
لذلك السيد الرئيس لا تلتفت الى هذا القول ولا تجعله يعرقل إرساء مؤسسة دستورية عتيدة.
لقد طالت الأزمة السياسية و آلمت الغالبية العظمى من أبناء الوطن بكل فئاتهم و هم يرجون منكم المبادرة بهذا المنعرج الايجابي في أقرب الأيام و الساعات حتى تحدث حالة من الانفراج الوطني نبني عليه ماهو أهم فلم يبق من العهدة غير ثلاث سنوات تقريبا نريد أن نقضيها في تعاون بين كل مؤسسات الدولة بما يفيد الناس و يرفع عنهم المعاناة.
السيد الرئيس لا تلتفت إلى من يريد إطالة الأزمة السياسية حتى تباغتنا الأزمة المالية في أسوء تجلياتها و هي عجز الدولة عن الدفع، ظنا منهم أن الأزمة هي بين رئيس الجمهورية و حزب معين فلندَعْ الأزمة تطول و تضعف الإثنين معا و هو تفكير موغل في الفئوية و الحزبية و بعيد عن خدمة المصلحة الوطنية. هذا القول عندما تأخذه على حسن النية فهو ظن من نوعية أن بعض الظن إثم.
السيد رئيس الجمهورية أرجو أن تنال هذه الرسالة القبول الحسن و ان أراك تبادر الى احداث هذا المنعرج، هذا إن لم تكن قد عزمت عليه من قبل رسالتي، الذي سينجر عنه خير كثير لبلادنا إن شاء الله و تجعلنا نغنم من هذه الازمة دروسها و لا تسحقنا نتائجها السلبية إن لم نبادر بحلها”.
في أمان الله دمتم و السلام عليكم و رحمة الله.
قال تعالى
( وأصلحوا ذات بينكم) ( والصلح خير) صدق الله العظيم