فرنسا: احتفالات رسمية بمرور 200 عام على وفاة نابليون بونابرت.. وانتقادات لسجلّ الرجل
باريس ــ الرأي الجديد
تحتفل فرنسا الأسبوع الجاري بالذكرى المئوية الثانية لرحيل الإمبراطور نابليون بونابرت. وبينما يرى البعض أن هذا التكريم واجب تاريخي للأمة، يعتقد البعض الآخر أنه لا يمكن للجمهورية الفرنسية أن تحتفل بشكل رسمي بهذا الحدث. لكن بالرغم من الجدل في أوساط المثقفين والمؤرخين، تبقى الذاكرة الجماعية للفرنسيين مرتبطة بانجازات ومآسي هذا الرجل الذي ترك بصماته في التاريخ المعاصر.
تحتفل فرنسا الأربعاء بالذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت إذ سيتم تنظيم العديد من الفعاليات والحوارات في مجال التاريخ والمعارض الفنية في أنحاء كثيرة من البلاد.
توفي بونابرت، الإمبراطور الذي ترك بصماته بشكل قوي في التاريخ، في 5 مايو/أيار 1821 في منفاه بجزيرة القديسة هيلانة الواقعة جنوب المحيط الأطلسي، والتي لا تزال تخضع للحكم البريطاني.
وكانت السلطات البريطانية قد قررت إبعاده من فرنسا بعد أن اضطر للتنازل عن السلطة في 1815 إثر هزيمته الذريعة في معركة “واترلو” ببلجيكا أمام الجيوش البريطانية والبروسية.
لكن الملك لوي فيليب قرر في 1840 استعادة رفات بونابرت من المنفى ليدفن من جديد تحت قبة “الأنفاليد” في باريس.
ماكرون … والماضي العبودي لنابليون
وبعد أن قام بتكريم الجنرال شارل ديغول في 2020، سيشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء المقبل في الاحتفالات بمئوية نابليون بونابرت الثانية بزيارة ضريحه المتواجد تحت قبة “الأنفاليد” ووضع إكليل من الزهور ترحما على روحه.
وسيستمع ماكرون بالمناسبة إلى ثلاثة خطابات، الأول من إلقاء غزافييه داركوس الوزير السابق خلال عهدة الرئيس نيكولا ساركوزي (2007-2012). أما الثاني فسيقوم به المؤرخ جون تولار بينما سيلقي مؤرخ أخر الخطاب الثالث.
وسيلقي إيمانويل ماكرون في نفس المكان كلمة يشرح فيها الأسباب التي جعلته يحتفل بمرور قرنين على وفاة الإمبراطور نابليون على الرغم من الانتقادات العديدة التي وجهتها له بعض أحزاب اليسار والجمعيات الحقوقية التي طالبته بالعدول عن هذا القرار بسبب سجل نابليون المثير للجدل في مجال العبودية والحروب…
ومن المتوقع أن يتطرق الرئيس الفرنسي في كلمته إلى النظام العبودي الذي استحدثه نابليون، حسب ما نقلت جريدة “لوفيغارو” اليمينية عن مستشار في قصر الإليزيه لم يكشف عن هويته، مستبعدا أن “يركز على هذه النقطة لكي لا يثير جدلا سياسيا جديدا في البلاد”.
“كورسيكا” تكرم ابنها بونابرت
ولأجل تبرير التكريم الرسمي الذي تقوم به فرنسا لنابلون، قال المستشار ذاته: “نحن نعيش في مجتمع فرنسي يعشق التاريخ. مخيلتنا مملوءة بالأحداث التاريخية. نحن الفرنسيين نعيش في أماكن كثيرة تذكرنا بنابليون بونابرت ونتعامل يوميا مع منجزاته، كالقانون المدني والجزائي ومحكمة النقض والباكالوريا والبلديات…كل هذا يدخل في سجل نابليون”.
وتستعد مدن فرنسية عدة للاحتفال بذكرى وفاة بونابرت عبر تنظيم فعاليات ثقافية وتاريخية تستذكر ماضي هذا الرجل.
فعلى سبيل المثال، أعدت بلدية أجاكسيو، مسقط رأس نابليون في جزيرة كورسيكا، برنامجا ثريا بالمحاضرات حول تاريخ هذا القائد ونضاله وسيرته الذاتية، فضلا عن عروض موسيقية، مثل الحفل الكلاسيكي الذي ستقدمه مجموعة ماتاوس تحت قيادة رئيس الجوق جان كريستوف سبنوزي داخل كاتدرائية المدينة.
الفرقة ستتطرق عبر الموسيقى إلى حياة الإمبراطور نابليون والحروب العديدة التي خاضها. كما ستحاول رسم سيرته الذاتية الغنية عن التعريف. ويتوقع أن تستمر الاحتفالات في هذه المدينة لغاية نهاية السنة رغم التحديات التي يطرحها وباء كوفيد 19 فيها.
هل الاحتفال ضروري ؟؟؟
وفي 5 مايو/أيار المقبل تحديدا، سيتم تنظيم حفل ستُحضر بشكل رمزي بقايا رفاة نابليون بونابرت إلى مدينة أجاكسيو بمرافقة فوج المشاة التابع للحرس الإمبراطوري. أما متحف “فيش” المتواجد في نفس المدينة، فسيعرض لوحات فنية عديدة تستذكر حياة نابليون وأعماله وتاريخه.
في باريس، إضافة إلى الاحتفالات الرسمية، تنظم يومية “لاكروا” وهي جريدة قريبة من الكنيسة الفرنسية في 4 مايو/أيار القادم محاضرة بشكل افتراضي تحت عنوان “هل يجب الاحتفال بمرور قرنين على وفاة نابليون بونابرت؟” بمشاركة مؤرخين وصحافيين من مختلف التوجهات السياسية.
كما سيتم أيضا تنظيم العديد من المحاضرات ذات الطابع التاريخي في نفس المدينة، وعروض فنية مثل العرض الذي تقوم به “دار شوميه” تحت مسمى “جوزيفين ونابليون، قصة خارقة للعادة”. وجدير بالذكر أن جوزفين كانت الزوجة الأولى لنابليون.
في المعهد الوطني للأرشيف بباريس ستعرض رسومات عن نابليون تحت عنوان “كنوز سكريتاريا الدولة الإمبراطورية” إضافة إلى محاضرة من تنظيم مؤسسة “نابليون” بعنوان “من أجل نابليون”.
مدن فرنسية أخرى مثل ليون وشاتورو وليل وبيزييه وتولون ستحتفل أيضا بمرور قرنين على وفاة الإمبراطور الفرنسي الأكثر شهرة مقارنة بملوك فرنسا الآخرين وذلك عبر تنظيم فعاليات ثقافية وعروض فنية ومحاضرات….
إحياء “أوروبي” لذكرى وفاة نابليون
وبما أن نابليون بونابرت خاض عدة حروب في بلدان مختلفة، ستحتفل العديد من المدن والعواصم الأجنبية بالمئوية الثانية لوفاة الإمبراطور.
ففي تشيلي مثلا، سيشارك سفير فرنسا في هذا البلد في تدشين نصب تذكاري لنابليون بحضور ممثلين عن حكومة تشيلي تكريما لجنود نابليون (حوالي 200 جندي) الذين شاركوا في الحرب من أجل تحرير هذا البلد.
وفي إيطاليا، ينظم معهد مدينة بولونيا للتاريخ سلسلة من المحاضرات حول الإرث الذي تركه الإمبراطور الفرنسي في هذه المدينة وعلاقته بالموسيقى.
أما في بلجيكا، فتعتزم بلدية لياج تنظيم في محطة القطار التابعة لهذه المدينة معرض صور عنوانه “نابليون وما وراء الأسطورة”. مدن بلجيكية أخرى تتأهب لتنظيم محاضرات وعروض فنية حول معركة “واترلو” التي انهزمت فيها نهائيا جيوش بابليون.
في رومانيا، ستحتضن المكتبة الوطنية العسكرية عرضا للصور مخصصا لنابليون بونابرت تحت عنوان “نابليون، تقييم الرجل والتاريخ”.
جدل بين المؤرخين والسياسيين
دول عديدة أخرى ستنظم فعاليات ثقافية وفنية بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لرحيل بونابرت، لكن الاحتفالات ستبلغ ذروتها في فرنسا على الرغم من الجدل القائم بين السياسيين والمؤرخين حول ضرورة الاحتفال بوفاة هذا الإمبراطور الذي لا يحظى بإعجاب كل الفرنسيين.
فبينما يصفه البعض بـ “رجل الدولة الذي لم تعرف مثيله فرنسا أبدا”، يرى آخرون أن نابليون هو الذي أعاد فرض نظام العبودية في المستعمرات الفرنسية.
وقال جوليان أوبير، وهو نائب في الجمعية الوطنية عن حزب “الجمهوريون” اليميني إن “عدم تكريم المئوية الثانية لوفاة نابليون سيكون بمثابة خطأ تجاه الأمة”. لكن النائب في حزب “فرنسا الأبية” اليساري ألكسي كوربيير رد قائلا إن “الجمهورية لا تستطيع أن تكرم بشكل رسمي الإمبراطور نابليون”.