في منتصف الانتقال الديمقراطي.. فرضيات الاستمرار والانتكاس؟
بقلم / د.خالد شوكات*
جمعني مؤخرا، لقاء بعدد من الوجوه السياسية والحزبية والمدنية، تمثل طيفا واسعا من التيارات والخبرات الفاعلة في المشهد العام، وشغل عدد كبير منها مناصب وزارية في الحكومات العديدة المتعاقبة بعد الثورة، وقد جاءت لتناقش موضوع الأزمة السياسية المستفحلة في بلادنا، والبحث عن الحلول الممكنة لها..
ويمكن إيجاز ما قيل خلال هذا اللقاء في النقاط التالية:
ـــ أوّلاً: إجماع المشاركين على أن الانتقال الديمقراطي بصدد مواجهة أخطر أزمة تفجّرت في وجهه منذ انطلاقه قبل عشر سنوات ونيف، وأن هذه الأزمة من الخطورة بمكان، على نحو لا يتوقف تهديدها على النظام الديمقراطي الناشئ فحسب، بل على الدولة الوطنية المستقلة في وجودها.
ـــ ثانيا: أن الحوار الوطني على أهميته وضرورته، يكاد يكون إجراؤه حاليا شبه مستحيل، بالنظر إلى عدم توفر شروط نجاحه، وخصوصا عدم تجاوب رئيس الجمهورية معه.
ـــ ثالثا: أن حظوظ الحكومة الحالية في الاستمرار ضعيف، في ارتباط بالعلاقة المتوترة بين رأسي السلطة التنفيذية، وعدم قدرة رئيس الحكومة على الاضطلاع بمسؤولية القيادة السياسية للبلاد، في ظروف شديدة الصعوبة، تقتضي رجلا محنّكا خطيبا، قادراً على خوض المعارك وتوضيح الطريق للجماهير بشكل أسبوعي.
ـــ رابعا: أن رئيس الجمهورية يمثل ورطة حقيقية للمسار، ليس فقط لمعاداة الرجل الواضحة للانتقال الديمقراطي، بل كذلك لتناقض سيرته مع متطلبات الوظيفة الرئاسية التي تقتضي القدرة على قيادة الحوار الوطني، والانفتاح على جميع التيارات والقوى السياسية، بالإضافة إلى جهله المطبق بأبجديات الاقتصاد وحقائق الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة.
ـــ خامسا: أن هناك تحالفا شعبوياً ضمنيا يجمع ثلاثة عناصر أساسية، هي رئيس الجمهورية وجماعته، وعبير موسي وحزبها، وبعض القوى الطهورية، التي تتخذ من معركة الفساد وسيلة للمزايدة، ويعمل هذا التحالف على إنهاء مسار الانتقال الديمقراطي في أقرب وقت ممكن.
ـــ سادسا: أن أزمة تونس رغم تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية، فإنها أزمة سياسية بالدرجة الأولى، وإن حلها سياسي مشروط بتوفر قيادة قوية وجريئة، تمتلك شجاعة اتخاذ القرار وتنفيذه.
ـــ سابعا: إن عدم قدرة الأطراف الحزبية والسياسية على إيجاد حل سياسي للأزمة خلال ظرف وجيز، لا يتجاوز أسابيع قليلة، قد يفضي إلى خسارة هذه الفرصة التاريخية، ويقود إلى دفع البلاد إلى المجهول، وربما إنهاء مسار الانتقال الديمقراطي.
خلال اللقاء، بدا الانقسام واضحا بين المشاركين في تصور الحل الممكن للأزمة، ويمكن الإشارة هنا، إلى رؤيتين اثنتين هما:
** الأولى تدعو إلى إعادة بناء تحالف سياسي يضم القوى المؤمنة بالانتقال الديمقراطي والساعية إلى استكماله، ومن هنا تشكيل حكومة سياسية جديدة قادرة على إيجاد حلول للازمة الاقتصادية والمالية خلال السنوات الباقية من العهدة النيابية، فضلا عن قدرة هذا التحالف على استكمال المؤسسات الدستورية وإجراءات التعديلات اللازمة على القانون الانتخابي والقوانين الأخرى المستعجلة.
ـــ الثانية تحث على القيام بحوار وطني حقيقي لا يستثني أحدا إلا من استثنى نفسه، ويسعى هذا الحوار إلى مخرجات كبرى ضرورية في مقدمتها، التوافق على حكومة للوحدة الوطنية وتسطير التعديلات المطلوبة على النظام السياسي والقانون الانتخابي وسواها من الأمور التي تستدعي التصحيح والمراجعة.
وفي خضم هذه الرؤى المتباينة وجدتني ارسم ملاحظتين اثنتين في الختام:
* الملاحظة الأولى: أن الوقت قد يكون تأخر للقيام بشيء بمقدوره فعلا إنقاذ مسار الانتقال الديمقراطي، وان الانقسام على مستوى مؤسسات الحكم يبدو مستعصيا فأهمّ هذه المؤسسات وهي رئاسة الجمهورية تقف على رأس خصوم الانتقال، كما أن انقسام الشارع لا يقل خطورة فنصفه تقريبا يسير شبه أعمى وراء الخطاب الفاشي.
* الملاحظة الثانية: أن إنقاذ الانتقال الديمقراطي قد يتطلب جراحة لا وجود لقوة قادرة على القيام بها، من قبيل مواجهة الرئيس على نحو راديكالي أو حظر القوى المعادية للديمقراطية.
* ناشط سياسي وكاتب ووزير سابق