سياسي تونسي يكشف: مئات الملايين التونسية تنام في خزائن البنوك السويسرية.. وشركات بن علي تعمل إلى الآن
تونس ــ الرأي الجديد
دعا مقال هام نشر في صحيفة “لوطون” السويسرية أمس، الحكومة السويسرية إلى تسهيل استعادة تونس للأصول المالية المجمدة لعائلة بن علي في البنوك السويسرية، ومراعاة الظروف الصعبة التي تعيشها الديمقراطية التونسية، بعد 10 من سنوات على الثورة، وما رافق ذلك من تعثر اقتصادي ومشاكل اجتماعية.
وكتب المقال التونسي، أنور الغربي، الأمين العام لمجلس جينيف للشؤون الدولية والتنمية، انطلاقا من معطيات دقيقة، وهامة..
وفيما يلي نص المقال:
“يتعيّن على سويسرا أن تتفهّم صعوبة وصول العدالة التونسية، إلى إصدار أحكام نهائية بخصوص أصول الرئيس الراحل بن علي ومقربين منه، المُودعة في المصارف السويسرية، وهو الشرط الذي سيسمح بالإفراج عنها وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين.
لا جدال اليوم بأن مسار التجربة الديمقراطية في تونس، يسير على الطريق الصحيح، رغم المصاعب. لقد أنشأت تونس مؤسسات سياسية جديدة، وتبنت دستورا بالإجماع تقريبا، كما كفلت الانتخابات الحرة التغيير السياسي، وتم ضمان حرية التعبير، إلا أن الانتعاش الاقتصادي وخلق فرص العمل، لتشجيع الشباب على البقاء في البلاد، والمشاركة في تنميتها ما زال متعثرا.
في خزائن البنوك السويسرية
لقد حققت المرحلة الانتقالية إنجازات مهمة على المستوى السياسي، ولكن صبر الشعب التونسي بدأ ينفد، وبدأت التساؤلات الملحة بخصوص الوعود المتكررة باسترداد الأصول المنهوبة، ومشاريع تحويل الديون إلى استثمارات وبرامج تعاونية، لرؤية نتائج هذا التحول السياسي، في تحسين الوضع الاقتصادي، وتحقيق الآمال التي ولدت من رحم الثورة.
لقد ساهم تعثر استرداد الأصول المنهوبة من سويسرا، في حصول إحباط لدى شرائح مجتمعية كبيرة، وخاصة من فئة الشباب الذي يطمح للشغل، وإلى فرص حقيقية تجنبه التفكير في مغادرة البلاد، أو التساؤل عن جدوى المسار الديمقراطي، إذا لم يحقق مطالب التنمية والعدالة والكرامة، التي نادى بها الشارع، وأرغم بن علي على الفرار من البلاد.
لا شك بأن التعاون التونسي – السويسري مثالي في عديد الملفات، وجاء التصديق على اتفاقية الشراكة بين البلدين، ليثبت هذا التعاون، ولكن مع ذلك لا يزال ملف الأصول مفتوحا، ولا تزال مئات الملايين تنام في خزائن البنوك السويسرية.
نذكر بأنه وبعد عشر سنوات من الإجراءات، أعلنت الحكومة الفدرالية السويسرية، انتهاء تجميد أصول بن علي والمجموعة المقربة منه، علما أن المبلغ الأولي للأصول التونسية المحجوزة على أساس الإجراءات الجنائية الفدرالية بتهمة “غسل الأموال”، و”المشاركة في منظمة إجرامية”، كانت نحو 60 مليون فرنك سويسري (67 مليون دولار تقريبا)، كما أن قائمة الأشخاص الذين تم تجميد أصولهم، لم تعد تشمل اليوم سوى تسعة بدل أربعين.
ليس من السهل أن تكون حيادياً، لذا تبذل السياسة السويسرية ما في وسعها، لتفسير حيادها في مواجهة السياسة العالمية، التي تتتسم باستقطاب متزايد يوما بعد يوم.
غياب “الأحكام النهائية”
ومع ذلك أوضحت إدارة الشؤون المالية والإدارية، أن معظم الأصول ستظل مُجمّدة، في سياق إجراءات التعاون القانونية المتبادلة، ولكنها لم تحدد مبلغ الأموال التي ستظل محجوزة.
إن على السلطات السويسرية، أن تتفهم صعوبة وصول العدالة التونسية إلى أحكام نهائية، من شأنها أن تسمح بالإفراج عن الأصول، كما يطالب بذلك القضاء السويسري، لأن الإجراءات القانونية في تونس، ما تزال جارية والقضاة والمحققون، تنقصهم الخبرة الكافية في التعاطي مع ملفات معقدة ومرتبطة بالتهريب، وجرائم غسيل الأموال على المستوى الدولي، ولكن يجب الاعتراف أيضا، بأن العدالة التونسية كانت بطيئة للغاية في هذه القضية، وأن بعض التردد السياسي أصابها في تعقب أموال بن علي وجماعته، وفضلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2014، إصدار قرارات عفو أو عدم إعطاء الملف الاولوية التي يستحقها، وهذا كان واضحا في ردود فعل السلطات السياسية والقضائية السويسرية، التي كانت دوما تردد رغبتها في إيجاد حل وإرجاع الحقوق لأصحابها.
ورغم الإرادة السياسية التي توفرت خلال سنوات ما بعد الثورة الأولى، فإن رجال القانون الذين يسعون لاستعادة الأصول غير المشروعة، لم يحققوا سوى نجاح محدود للغاية، ويرجع ذلك أساسا إلى تنوع وتعقيد الأحكام والإجراءات، وجمود القانون، ونقص الخبراء في مسائل الإجراءات القانونية والمالية والإدارية، وعدم كفاية الموارد.
مع ذلك، وبالرغم من التعقيدات، تمكنت تونس من استعادة مبلغ حوالي 4 مليون دولار، إضافة لطائرتين من سويسرا، لكن طلبها المقدم في أوائل عام 2015 لتصبح طرفا مدعيا في الإجراءات التي بدأها المدعي العام في جنيف، ضد بنك HSBC في سويسرا، لم يحالفه النجاح.
ولعلّ هذا ما فوّت على البلاد، فرصة استرجاع مبلغ 114.5 مليون فرنك سويسري (127.78 مليون دولار)، بالإضافة إلى الفوائد المتخلدة من البنك المذكور، لاستضافته ثروة بلحسن الطرابلسي، وفي جوان 2015، دفع البنك نفسه غرامة قدرها 40 مليون فرنك سويسري (44.64 مليون دولار)، إلى الدولة السويسرية عن قضايا غسل الأموال ضد جميع عملائه وأفلت من المحاكمة، وقد أدى ذلك إلى حرمان تونس من الحصول على أية تعويضات.
مبالغ ضخمة للغاية
إنه من المهم جدا التذكير بالمبالغ الكبيرة والمهمة التي يجب المطالبة بها، والعمل على استرجاع الجزء الأكبر منها، وعدم الاقتصار على التركيز وتسليط الأضواء على المبالغ المجمّدة جزئيا في الوقت الحاضر، أي أقل من 56.250 مليون فرنك سويسري (حوالي 62.77 مليون دولار)، ويجب على الجهات التونسية العمل مع سويسرا، لمعرفة مصير الأموال التي تم الإعلان عن وجودها، أو عن مرورها بسويسرا وهي كالتالي:
1 ـــ 320 مليون دولار وقع رصد مرورها بالاسواق والبنوك السويسرية بحسب تقرير نُشر بداية السنة الحالية من طرف منظمة غير حكومية سويسرية معروفة هي “عين الجمهور” (Public Eye).
2 ـــ 625 مليون فرنك سويسري (700 مليون دولار) وهي المبالغ التي أقر بوجودها تقرير المصرف الوطني السويسري لعام 2009، وهو المبلغ الذي ذكرته وزيرة الخارجية السابقة ميشلين كالمي راي، خلال مؤتمر صحفي..
إجمالا، وبحسب تقرير للبنك الدولي نُشر في مارس 2014، فإن بن علي وعائلته اختلسوا ما بين 10 و14 مليار دولار خلال ثلاثة وعشرين عاما في السلطة، وكانوا يسيطرون في نهاية عام 2010 على أكثر من 21% من الأرباح التي حققها القطاع الخاص التونسي.
شركات تنشط إلى اليوم
كل هذا دون حسبان قيمة عمليات التركيب المالي، ومساهمات أفراد العائلة الحاكمة السابقة في شركات محلية وأجنبية، ما يزال بعضها ينشط إلى اليوم، علاوةً على وجود المئات من الشركات “الواجهات الوهمية”، وهي شركات مملوكة لأشخاص طبيعيين أو معنويين، كانوا يشتغلون لحساب أفراد من عائلة بن علي، التي يصعب حصرها والتدقيق في ارتباطها المباشر بالفساد، واستغلال السلطة على امتداد ثلاثة وعشرين عاما.
في الواقع، ليس من الغريب أن تستغرق عملية الاسترداد بعض الوقت، لأنها محكومة بمبادئ سيادة القانون التي تتطلب إثبات المصدر غير المشروع للأموال، في إطار إجراء قانوني في دولة المنشأ، ولكن يظل من المهم التذكير بأن الأصول غير المشروعة، تشوّه صورة المركز المالي لسويسرا، كما تلحق الضرر الكبير بالتونسيين، الذين ما يزالون ينتظرون أموالهم التي نُهبت منهم على مدى سنين طويلة.