اقتصاديات الشرق الأوسط هل تتعافى خلال العام 2021 ؟؟
تونس ــ الرأي الجديد
من المتوقع أن يحمل عام 2021 معه الكثير من التغيرات الإيجابية، في ظل تغير المعطيات الاقتصادية والسياسية والجغرا سياسية، على مختلف الأصعدة، ولاسيما في أسلوب تعامل الدول مع الجائحة.
وأوضحت تقارير استراتيجية عديدة، أن هناك فرصاً كبيرة لتعاف اقتصادي وشيك خلال العام الجاري، بفضل انتشار اللقاحات واستراتيجيات التحفيز المالي، التي أطلقتها الحكومات في ظل أسعار الفائدة المنخفضة، الداعمة للتوقعات الاقتصادية المرتفعة.
وبطبيعة الحال تحمل هذه التوقعات الكثير من الأنباء السارة، بالنسبة لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي ربما تكون من أوائل مناطق العالم تعافياً، لاسيما أنها جزء من الاقتصاديات الصاعدة والناشئة، هذا إلى جانب عوامل أخرى عديدة.
مؤشرات إيجابية
شهد العالم تطورات اقتصادية سلبية عديدة خلال عام 2020، لكن بالتأكيد كان هناك بعض الجوانب الإيجابية، التي من بينها، من دون شك، توسع حجم النشاط ببعض القطاعات الاقتصادية، كقطاعات التجارة الإلكترونية والأنشطة المعتمدة على تكنولوجيا الاتصال والعمل عن بعد، وغيرها.
وسجلت أغلبية فئات أصول الاستثمارات، معدلات زيادة إيجابية، كما سجلت معدلات ثنائية الأرقام بالنسبة لبعض الفئات.
فعلى سبيل المثال، سجل الذهب ارتفاعاً بحوالي 25%، وحققت أسهم الأسواق الناشئة عائداً بنسبة 18%، متفوقة في الأداء على الأسواق المتقدمة التي ارتفعت بحوالي 16%، كما أن أسواق أدوات الدخل الثابت، سجلت أيضاً أداءاً قياسياً مع انخفاض أسعار الفائدة.
وإذا كانت اقتصاديات الدول المتقدمة قد استفادت، بشكل أو بآخر، من هذه الأوجه الإيجابية، لاسيما فيما يرتبط باستحواذها على النسبة الأكبر من الشركات العاملة في مجال التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا، فإن دول العالم الصاعد، والأسواق الناشئة، قد استفادت أيضاً من تلك الأوجه الإيجابية، في ظل الجاذبية الاستثمارية لأسواقها، وكذلك في ظل محافظة بعض اقتصادياتها على النمو، رغم الضغوط الشديدة التي واجهتها في عام 2020 بسبب الجائحة. وانطلاقاً من هذه النقطة، فإن الدول الصاعدة والناشئة تمتلك فرصاً أكبر للنمو والتعافي خلال الفترة المقبلة، وبداية من عام 2021.
عوامل النهوض الأساسية
ومن المنتظر في هذا السياق، أن تسجّل اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، تعافيا شبه كامل من تبعات الجائحة خلال هذا العام..
إذ يتوقع أن تسجل متوسط نمو قدَّر بنحو 2.3%، وهو المستوى الأعلى للنمو لاقتصاديات دول المجلس منذ عام 2016، وذلك بسبب عدّة عوامل أبرزها، الارتفاع المتوقع لأسعار النفط، (تجاوزت حاليا 60 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ بداية الجائحة). إلى جانب ضخ دول المجلس، المزيد من السيولة في المشروعات الكبرى، وتحسين ظروف الائتمان، وتعزيز مناخ استثمار، بالإضافة إلى الاستمرار في تنفيذ عملية التطعيم ضد الوباء على نطاق واسع بين سكانها.
كان العالم ينظر لجائحة “كورونا” في بادئ الأمر على أنها حالة مؤقتة، وسرعان ما ستنحسر وتعود الأمور إلى طبيعتها في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والحياتية كذلك، لكن هذه النظرة تغيرت الآن، بعد أن عاش العالم حتى الآن ما يزيد عن العام في ظل الجائحة، وليس من الواضح حتى الآن متى ستنتهي. ولا ريب أن تغير هذه النظرة انعكس بشكل كبير على السياسات التي تتبناها الحكومات، في إطار التعامل مع تبعات الوباء، ولاسيما على الشق الاقتصادي.
منهجية متغيرة
وبينما لجأت معظم دول العالم لإجراءات الإغلاق العام، لاسيما في الربع الثاني من عام 2020، كوسيلة لمحاصرة الوباء، وكان لذلك آثار سلبية عميقة على معدلات النمو الاقتصادي، وظروف الاستثمار، وحالة الأسواق، وظروف التوظيف، فإن تغير نظرة الحكومات الآن، واتباعها نهجاً مغايراً لما حدث خلال العام الماضي، وعدم لجوءها إلى الإغلاق على نطاق واسع، لاسيما في ظل ظهور اللقاحات، كل ذلك من شأنه أن يساعد على تقليص الخسائر، بل وتشجيع الكثير من الأنشطة والصناعات على العودة إلى العمل، وإن كان بأساليب مختلفة.
وفي المجمل، فإن هذا الواقع الجديد الذي بدأ في الظهور حول العالم، ومحاولة الحكومات التعايش مع الوباء، والبحث عن سبل لاستيعابه من دون الإضرار كثيراً بالأنشطة الاقتصادية، بل وسعى البعض منها إلى ضمان الإبقاء على معدلات التوظيف على حالها، من أجل وقف نزيف الوظائف والدخول، ووقف التأثيرات السلبية للجائحة على مستويات المعيشة، فإن هذه الإجراءات تصب في النهاية في اتجاه المحافظة على الطلب العالمي الكلي الفعَّال على حاله، والذي يعتبر هو المُحفِّز الرئيسي للنمو والتعافي، والذي يمثل بدوره معززاً لفرص التعافي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتبر مُنتِجاً رئيسياً لمصادر الطاقة والمواد الأولية وسوقاً كبيرة للاستثمار أيضاً.