“الرأي الجديد” تتقصّى عن كورونا في صفاقس: بين “ديماغوجية الأرقام”… والنبض الحي لــ “الصفاقسية”
تونس ــ الرأي الجديد / مشاهدات علي مبارك
“صفاقس” تستغيث، الموت يخيم في كل ركن من المدينة، ليبلغ عدد الوفيات إلى 478 وفاة منذ بداية الوباء، والخوف يغزو القلوب، فالجميع إن لم يكونوا على استعداد للرحيل، فإنهم مستعدون لفراق الحبيب، تتجول في شوارع المدينة، لا تسمع إلا فلان وافاه الأجل، والآخر يهمس لصديقه، المستشفى ملئ، فعدد المقيمين بقسم “الكوفيد”، تجاوز حاجز 143 مقيما، منهم 22 مقيم تحت العناية المركزة، يضاف إليهم 97 مصابا بالمصحات الخاصة، ولا يوجد أي مكان شاغر في أسرة الإنعاش، وعدد الإصابات في ارتفاع جنوني،18472 حالة.
تلتفت يمينا تراهم يتساءلون، لماذا كل هذا الاستهتار؟ لماذا جلّهم لا يرتدون “الكمامة”؟ لماذا لا يطبق البروتوكول الصحّي ونعطي التباعد الاجتماعي حقّه….؟ فالمقاهي مملوءة بروادها، والأسواق تعج بالناس، ناسية أو متناسية، أننا نعيش في حالة وباء، فيا ليت قومي يعلمون….
تتحول إلى المستشفى الجامعي بالجهة، يعترضك طابور من المواطنين، الجميع ينتظر دوره في عملية الفرز، ليحصل بعد ذلك على عدد من النقاط من جملة خمسة عشر نقطة، ليحدد من بعد ذلك حسب المحصلة، الإجراءات الموالية، التي يمكن أن تكون في شكل تحليل سريع أو تحليل PSR التي بلغ عددها إلى هذه اللحظة، 69390 تحليلا، تم إجراؤه في مخابر التحاليل “الجرثومية” بالمستشفى الجامعي “الحبيب بورقيبة” والمخابر “الخاصة”.
تتقدم بعض الأمتار، تجد نفسك في قسم الاستعجالي، هناك لا ترى إلا هذا ملقى في القاع، ينتظر دوره، ليأخذ جرعة من الأوكسجين، عساه يكون محظوظا ويلتقط أنفاسه من جديد، والآخر يتشاجر مع ممرض أو طبيب، حتى يظفر بمكان لقريبه، ويفوز له بسرير أو موعد مع الطبيب.
أما عن الإطار الطبي وشبه الطبي، فحدث ولا حرج… غياب شبه كلي لكل مستلزمات الوقاية، وحتى إن وجدت، تراه يتقشف في استعمالها، تسأله لماذا هكذا.. وأين المسؤولين؟ يجيبك وظاهره، رسائل أمل حتى لا يشعرك بالخوف، ويبعث فيك روح الانتصار على هذا الوباء اللعين، أما باطنه حسرة وألم: “تلك حدود الله”، وهذه حد إمكانيات دولتنا، وهو متفهم للوضعية عن طيب خاطر، فلن تجد ما تقول له سوى “كان الله في عونكم”، ثم يواصل معك الحديث: “لا نطلب في ظل هذا الوضع العصيب سوى حمايتنا، من بلطجة بعض الأناس الذين لا يتوارون في الاعتداء علينا، لفظيا وماديا بغية افتكاك ما يراه حق، لقريبه مصاب بالفيروس أو مشتبه في غصابته”..
تقفل راجعا إلي البيت، وأنت في طريق العودة، وكلك أسئلة محيرة، أهمها إلى متى ستدوم هذه الفترة؟ بأي نتائج سنتجاوزها؟ يتبادر إلى ذهنك، أن عدد المتعافين من هذا الوباء بلغ 16707 من مجموع 18470 مصابا، يغمر قلبك شيئا من الأمل لتبدأ به يومك الموالي… تدخل المنزل وتنادي أمك، فتجيبك “أنأ هنا يا عيوني”… وتنادي أباك، فيرد عليك “يا روحي”… وتتذكر أن كل الإخوة والأقرباء بخير، لا تجد ما تقول، سوى ” اللهم لك الحمد حتى ترضى.. ولك الحمد إذا رضيت.. ولك الحمد بعد الرضا”… اللهم اشف كل مريض، وارحم كل ميت.
بين صفاقس الأرقام المتعلقة بكوفيد19، وصفاقس النابضة بالحياة، والتي يحب أهلها الحياة كما لم يحبها أحد، بون شاسع… فالأرقام حولت صفاقس إلى بؤرة.. والصفاقسية يشعرون أنّ تلك ليست حقيقتهم… وأن الحياة التي تدبّ في كياناتهم، أكبر دليل على “ديماغوجية الأرقام”، وسلطة الحسابات، التي تسقط أمام النفوس المفعمة بالحياة والحركة والفعل..
تبقى الأرقام، مؤشرا… وتظل المعنويات دليلا، وحب الحياة معنى، لا تستوعبه الأرقام والإحصاءات، مهما بلغت من الدقة…
لقد أسمعت لو ناديت حيـــا / ولكن لا حيـاة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت / ولكن أنــت تـنـفـخ في رماد