حقائق صادمة عن الإنفاق العسكري الأمريكي.. من يصنع الرعب؟
واشنطن ــ الرأي الجديد (تقارير)
يتواصل الجدل في الولايات المتحدة بشأن قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2021، التي بدأت فعليا في الأول من أكتوبر الماضي، وتنتهي بنهاية ش شهر سبتمبر المقبل، وهو ملف يجذب كل عام الكثير من الاهتمام العالمي.
ورغم الخلافات بين الرئيس دونالد ترامب والكونغرس بشأن بعض التفاصيل التشريعية، إلا أن الجانبين متفقان على ميزانية الدفاع لهذه السنة المالية، البالغ حجمها 740.5 مليار دولار، وهو رقم هائل يفوق الموازنات الإجمالية لعدة دول كبرى مجتمعة، ما يثير عاما بعد آخر أسئلة ملحة عن خلفيات هذا المشهد وخفاياه.
على أعتاب “تريليون” دولار
لكن هذا الرقم، على ضخامته، لا يعكس حجم الإنفاق العسكري للبلاد، الذي تغذيه ميزانيات وكالات ومؤسسات ووزارات أخرى، تتداخل أجزاء من مهامها مع عمل البنتاغون.
وبحسب تقرير لموقع “ذا بالانس” المتخصص بالشؤون المالية للولايات المتحدة، فإن الإنفاق العسكري للبلاد خلال السنة المالية الجارية قد يصل إلى 934 مليار دولار، أي بمعدل 1.777 مليون دولار كل دقيقة.
وهذا الرقم يشكل نحو خُمس الموازنة الفيدرالية الأمريكية، البالغة قيمتها 4.829 تريليون دولار لهذا العام.
ويتفوق الجانب العسكري على جميع مجالات الإنفاق الحكومي، بما في ذلك التعليم والصحة، باستثناء مخصصات الأمان الاجتماعي (1.151 تريليون دولار).
مديونية هائلة
ويشكل الإنفاق العسكري العبء الأكبر على كاهل المديونية الأمريكية، إذ إن الإنفاق على الأمان الاجتماعي تتم تغطيته بشكل كامل من الضرائب وريع استثمارات صناديق التقاعد، بينما تشكل الميزانية الدفاعية إضافة خالصة إلى المديونية كل عام.
وبإضافة حزمة الإنقاذ من فيروس كورونا المستجد، التي تم إقرارها مؤخرا بقيمة 900 مليار دولار، فإن العجز في الموازنة الفيدرالية الأمريكية لهذا العام يتوقع أن تبلغ 2.1 تريليون دولار.
ويشكل الارتفاع المتواصل للدين العام الأمريكي هاجسا يسيطر على قطاع كبير من المواطنين، ويغذي الأفكار اليمينية الانكفائية واليسارية الرافضة للحروب على السواء، لا سيما منذ أن باتت الديون تتجاوز الناتج القومي الإجمالي عام 2013، وصولا إلى أكثر من 27.56 تريليون دولار بحلول الأول من جانفي 2021 …
جدول
بدون حروب؟!
والإنفاق العسكري لهذا العام قد لا يتجاوز كثيرا ما تم إنفاقه خلال السنة المالية 2019/ 2020، وهي أرقام لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، رغم أنها قد أنهت فعليا حربيها في العراق وأفغانستان.
وسجلت الولايات المتحدة الذروة السابقة للإنفاق العسكري عام 2011 (أكثر من 855 مليار دولار)، بحجة تمويل سحب القوات المنتشرة في الخارج، ثم بدأت بتقليص الإنفاق لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، وإن بشكل محدود، وصولا إلى 736.4 مليار دولار عام 2015، قبل أن تبدأ مجددا بزيادة الإنفاق عاما بعد آخر، وصولا إلى أعتاب التريليون دولار..
ماذا عن “الخصوم”؟
ويزيد السقف الذي وصل إليه الإنفاق في السنة المالية الماضية، وكذلك الجارية، عن موازنات دول كبيرة بأكملها، بما فيها روسيا التي تعتبر الولايات المتحدة أنها قد تنازعها الهيمنة على الساحة الدولية، والتي لم يتجاوز مجموع إنفاقها الحكومي الفيدرالي 311 مليار دولار عام 2019.
وباحتساب الميزانية الدفاعية المباشرة فقط، فإن الولايات المتحدة تنفق ثلاثة أضعاف ما تنفقه الصين، التي تأتي ثانية بالترتيب العالمي في هذا المجال.
بل إن الميزانية الدفاعية الأمريكية (المباشرة) تفوق ميزانيات الدفاع في الدول العشر التي تليها في الترتيب العالمي، مجتمعة، وهي: الصين، الهند، روسيا، السعودية، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، اليابان، كوريا الجنوبية، البرازيل، وفق بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، لعام 2019.
من يصنع الرعب؟
وينقسم الإنفاق العسكري الأمريكي الإجمالي إلى أربعة مجالات، هي: الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع (636.4 مليار دولار)، العمليات العسكرية في الخارج وخاصة ضد تنظيم الدولة (69 مليار دولار)، مخصصات إضافية دعما للميزانية الأساسية لوزارة الدفاع عن طريق أجسام حكومية أخرى (228.4 مليار دولار)، ومخصصات إضافية للعمليات العسكرية الخارجية لم يتم تحديد مبلغ لها هذا العام.
لكن الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع، وهي الجزء الأكبر من الإنفاق العسكري الهائل للولايات المتحدة، يخصص أغلبها للمشتريات وصفقات تطوير الأسلحة والقطع الحربية مع كبريات الشركات الأمريكية الخاصة الرائدة في هذا المجال.
وبحسب أحدث البيانات التي تم الإعلان عنها مؤخرا، فقد خصصت وزارة الدفاع في العام المالي 2019 أكثر من 404 مليار دولار للصفقات والعقود والمشتريات، أي أكثر من 65.5 بالمئة من الميزانية الأساسية للوزارة ذلك العام (616.2 مليار دولار)، وبزيادة قدرها 30 مليار دولار مقارنة بالعام السابق، وأكثر من 122 مليارا مقارنة بعام 2015.
ويشي هذا المشهد بأن الإنفاق الذي تستفيد منه كبريات الشركات الدفاعية آخذ بالازدياد عاما بعد آخر، ويعزز ذلك ما أكده بيان صادر عن البنتاغون بشأن ميزانية 2021، شدد على زيادة الإنفاق في مجالات جديدة لتطوير قدرات صاروخية ونووية وفضائية ولوجستية.
تشكيل لوبيات ضاغطة
ومن بين عشرات الشركات الكبرى ومئات الشركات الصغيرة والفرعية، حصد خمسة “عمالقة” نحو ثلث ما أنفقه البنتاغون على العقود والصفقات عام 2019، بواقع أكثر من 130 مليار دولار، وهي شركات كانت تسيطر بالفعل على هذا المجال من سنوات، ولا تزال، بل إنها تأتي دائما على قمة قائمة العقود الفيدرالية بالمجمل.
وتأتي على رأس القائمة، بطبيعة الحال، شركة “لوكهيد مارتين”، التي حظيت بعقود بقيمة 48.666 مليار دولار تشكل أكثر من 8.2 بالمائة من مجمل قيمة عقود الحكومة الأمريكية لذلك العام، تتلوها “بوينغ” ثم “جينيرال دايناميكس” و”رايثون” و”نورثروب غرامّان”، على الترتيب.
وفي المقابل، فإن النظام الأمريكي الذي يتيح تأثير المال على السياسة، وبالتالي على القرارات العسكرية، يتيح لتلك الشركات ومالكيها تشكيل لوبيات ضاغطة على جميع مستويات صنع القرار، فضلا عن استخدامها لورقة توظيف المسؤولين الحكوميين، قبل وبعد توليهم المناصب، وبرواتب عالية جدا، ما يجعل استقلالية قرارهم محل شك دائم.
وبحسب بيانات موقع “أوبن سيكرتس” المتخصص بمراقبة اللوبيات في الولايات المتحدة، فقد تم إنفاق نحو 112.65 مليون دولار للتأثير على توجهات الساسة في الشؤون الدفاعية خلال 2019، هي فعليا من أموال الشركات الكبرى، التي ربحتها من العقود الحكومية، والتي يدفع المواطنون فعليا تكاليفها عبر الضرائب.
ومع ازدياد تذمر الأمريكيين من هذا المشهد، فإن الشركات الدفاعية الكبرى تحرص على التحذير المستمر من خفض الإنفاق العسكري، بحجة أن من شأنه الإضرار بقدرة الولايات المتحدة على ردع خصومها، دون الحديث عن قدرة دول أخرى على مضاعفة قدراتها بتكاليف أقل بكثير، أو ما إذا كانت البلاد تواجه بالفعل أخطارا حقيقية على أمنها المباشر تقتضي ذلك الإنفاق الهائل، ومن المتسبب الرئيسي بسباق التسلح والهيمنة في العالم.
ويعود الحديث عن ضعف فعالية صناعة الدفاع الأمريكية وفساده إلى عدة عقود مضت، واختزلت قضية تطوير المدرعة القتالية “برادلي” ذلك، إذ كلّفت دافعي الضرائب نحو 14 مليار دولار، واستمر العمل عليها 17 عاما، فيما سلط فيلم هوليوودي ساخر الضوء على تلك القضية، عام 1998، وحمل اسم “حروب البنتاغون”.