منتدى الحقوق يدعو الرئاسات الثلاث إلى التوافق على “حوار وطني”.. والتفاوض مع الأوروبيين والممولين
تونس ــ الرأي الجديد / سندس
دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الرئاسات الثلاث، “إلى التوافق للدعوة المشتركة في أقرب وقت، لتنظيم ندوة وطنية للحوار”، تطرح كلّ القضايا الملحة والمشاكل المطروحة والخطط العملية لتنفيذها.
وشدد على أنّ الحوار لا بد أن يضمن تمثيلية المجتمع المدني المتنوعة، والفاعلين المحليين، ولا يقتصر على المنظمات التقليدية المعروفة..
وطالب المنتدى، بضرورة التفاوض مع الشركاء الأوروبيين والممولين، حول ملفات المديونية والهجرة ومناهضة الحرب والتطرف العنيف، التي قد تعصف باستقرار المنطقة..
وجدد المنتدى مرة أخرى، في أفق إحياء الذكرى العاشرة للثورة، دعوته للمجتمع المدني والحركات المواطنية والقوى الاجتماعية، الحريصة على قيم الثورة وأهدافها، من أجل وضع آليات للعمل المشترك والتضامن، والحريصة على حماية دولة القانون والمؤسسات، ومسار الانتقال الديمقراطي الشامل، والحامل لأفاق تنموية واعدة.
وفيما يلي نص بيان المنتدى، الذي حمل عنوان: اللامسوؤلية السياسية تسير بنا نحو الانفجار الاجتماعي…
بــــــيــــــــــان
يتفق الجميع اليوم في تونس، على حدةّ وخطورة الأزمة الشاملة والمركبة، التي تمر بها بلادنا، والتي تطال الاقتصاد والمجتمع ومؤسسات الدولة، وهي أزمة تعود أسبابها إلى سنوات الحكم الفاشلة ما بعد الثورة، والتي لم تضع تونس على طريق التحول الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي المنشود.
وتزيد اليوم الأزمة الصحية الوضع تعقيدا، سواء من خلال الخسائر الإنسانية، التي تضاعفت مع الموجة الثانية، أو من خلال الكلفة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن حالة العطالة التي مست اقتصادا منهكا، وأدت إلى تفاقم البطالة بعد فقدان آلاف مواطن الشغل في القطاع الخاص لموارد عيشهم، كما كشفت حجم الهشاشة الذي عليه أكثر من 1,694,000 تونسي وتونسية أي 15.2% يعيشون تحت حالة الفقر، منهم 321,000 يعيشون فقرا مدقعا وهي نسب ترتفع حسب الجهات..
وقد زادت التهديدات الإرهابية الأخيرة، بعد عملية أكودة ثم تورط شاب تونسي مهاجر غير نظامي في عملية نيس الإرهابية، والأخبار الرسمية عن إحباط عمليات أخرى، في تأكيد هشاشة الوضع الأمني واستمرار جاذبية الحاضنة الاجتماعية للإرهاب لدى الشباب التونسي، كما نشر حالة من الخوف من المستقبل والشعور بغياب الأمان..
وتتخذ هذه الأزمة دلالة أعمق، وتبعث على قلق واسع ومشروع لدى مجمل قوى المجتمع وفئاته، حين نقف على حقيقتين: الأولى هي غياب رؤية وإرادة حكومية، لا فقط لإدارة الأزمة الصحية، بل وكذلك الأزمة الشاملة والتفكير في حلول عملية، والثانية هي صعود موجات الغضب في كلّ الجهات، وظهور علامات انفجار اجتماعي وشيك..
فالإمضاء الأخير على اتفاق الكامور بعد تردد حكومي استمر أكثر من ثلاث سنوات، واتفاق التسوية مع عمال الحضائر والذي لم ينصف فئة ما بين 45 و 55 سنة التي استأنفت التعبئة والتحرك، قد يكون نزع فتيل أزمة حادة وأجّل انفجارها، إلا أنه لا يجب أن يخفي حقيقة المخاطر الناجمة عن تواصل الوضع الحالي.
فالحكومة لم تجد بعد السبيل لتوفير تمويل ميزانية 2021، ولا يزال البنك المركزي يرفض سدّ العجز، خوفا من آثاره التضخمية، فقد حدّدت الحكومة في مشروع قانون المالية لعام 2021 أن تبلغ الموارد الذاتية لميزانية الدولة ما قيمته 33.009 مليون دينار، وينتظر أن يبلغ حجم النفقات 41.016 مليون دينار، وهو ما يضع الدولة والمجتمع على حافة هاوية، خاصة وأن جملة موارد الاقتراض ستبلغ 19.608 مليون دينار سنة 2021، منها 16.608 اقتراض خارجي، مما سيؤدي إلى ارتفاع مخيف للمديونية ولقيمتها من الناتج المحلي الخام.
ومن الناحية السياسية، فإن تعطّل مسار العدالة الانتقالية، وتأخر تركيز المحكمة الدستورية، وتقرير دائرة المحاسبات المتعلق بانتخابات 2019، حول شبهات فساد لقائمات ومترشحين، وغياب إرادة فعلية للتصدي للفساد عامة، كلّها مؤشرات إضافية للمخاطر التي قد تعصف بالتجربة الديمقراطية التونسية الناشئة.
المؤسسة البرلمانية من جهتها، فقدت كلّ مصداقية في نظر المجتمع، وتعيش حالة فوضى واصطفافات مصلحية لا مبدئية، وصراعات داخلية حزبية وفئوية، يغذّيها خطاب كراهية وإقصاء، يزيد في عزلة المنتخبين عن المجتمع، ولا تبدو إلى اليوم من جهة أخرى رئاسة الجمهورية، كرمز لوحدة الجمهورية في طريق واضح، من أجل تنظيم حوار وطني يضع خطة عاجلة للإنقاذ.
ما نرصده في مقابل ذلك في المجتمع، من تحركات في الفترة الأخيرة، يحمل لا فقط مؤشر تواصلها كميا، حيث أحصينا في شهر أكتوبر 871 تحركا احتجاجيا و18 حالة انتحار ومحاولة انتحار، وأكثر من 6500 احتجاجا منذ بداية السنة، ووصول 12500 تونسي وتونسية إلى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة، بل يعطي أدلة على اتساع دائرة المطالبين بحقوقهم، وتنوع أشكال احتجاجهم، سواء تعلق الأمر بأصحاب الشهادات عموما، أو بمن طالت بطالتهم بعد صدور القانون عدد 38 الصادر في الرائد الرسمي في أوت الفارط، وحملة الدوكتوراة أو أعوان الصحة العمومية والأطباء الشبان والقيمين والمهندسين والصحفيين والقضاة والبحارة والفلاحين، وعديد الجهات التي يتحرك مواطنوها طلبا لتنمية محلية وجهوية عادلة، أو لحق اجتماعي، أو للتزود بحاجياتهم الأساسية، آخرها أزمة قوارير الغاز المنزلي في ولايات الجنوب خاصة
ما تؤكده تقارير المجتمع المدني والهيئات الدولية، حول مؤشرات حدة الأزمة ودرجة اليأس والغضب، التي تعتمل داخل أوسع طبقات المجتمع، من فئات هشة ووسطى، وحتى عليا لا تثق في نزاهة أجزاء هامة من النخب الحاكمة الحالية، وفي قدرتها على قيادة البلاد والنجاح في التصدي للفساد والحيف الاجتماعي، وحماية مكاسب الانتقال الديمقراطي، والدفاع الجدي عن المصالح الوطنية لتونس في الخارج، خاصة بعد أن تكررت انتهاكات حرية الإعلام والتعبير، وسعي جهات برلمانية ورسمية لتقديم قانون تعديل المنشور 116، وضرب مكسب حرية الإعلام وتعدديته، وقانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، قبل أن يتم العدول عن ذلك تحت ضغط المجتمع والشارع.
وكذلك مع استمرار خضوع الجهات الرسمية في ملف الهجرة غير النظامية للإملاءات الأوروبية، والقبول بالترحيل القسري، وتكثيف الرقابة الأمنية على الحدود البحرية دون الضغط من أجل مقاربة شاملة لحسن الجوار، تضمن حرية تنقل الأشخاص واحترام المعاهدات الدولية، وعلاقات اقتصادية تراعي مصالحنا لا فقط مصالح شركائنا.
إن حجم القطيعة الحاصلة بين النخب الحاكمة والمجتمع، وعجز المؤسسات عن تمثيل مطالب التونسيين والتونسيات، وتشريكهم في برامج الإنقاذ العاجلة، والإصلاح المتوسط المدى، يدفعنا في المنتدى إلى التعبير عن مخاوفنا واستنكارنا لغياب المسؤولية، ووعيا منا بدورنا ودور المجتمع المدني والقوى الديمقراطية والاجتماعية، التي أكدّت جدّيتها وقدرتها على التعبئة الاحتجاجية، ومناصرة القضايا العادلة وبلورة مقترحات وحلول وطنية ومحلية فإننا:
** ندعو الرئاسات الثلاث إلى التوافق، للدعوة المشتركة في أقرب وقت لتنظيم ندوة وطنية للحوار، تطرح كلّ القضايا الملحة والمشاكل المطروحة والخطط العملية لتنفيذها، وهو حوار لا بد أن يضمن تمثيلية المجتمع المدني المتنوعة، والفاعلين المحليين، ولا يقتصر على المنظمات التقليدية المعروفة..
** ضرورة التفاوض مع الشركاء الأوروبيين والممولين، حول ملفات المديونية والهجرة، ومناهضة الحرب والتطرف العنيف، التي قد تعصف باستقرار المنطقة..
** نجدد مرة أخرى ونحن نستعد لإحياء الذكرى العاشرة للثورة، دعوتنا للمجتمع المدني والحركات المواطنية والقوى الاجتماعية، الحريصة على قيم الثورة وأهدافها، من أجل وضع آليات للعمل المشترك والتضامن، والحريصة على حماية دولة القانون والمؤسسات ومسار الانتقال الديمقراطي الشامل، والحامل لأفاق تنموية واعدة.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
الرئيس / عبد الرحمان الهذيلي