الإمارات تمنع سفر التونسيين إلى أبو ظبي.. خلفية القرار وأبعاده (تقرير)
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع)
لم تتوقف دولة الإمارات يومًا، عن شن هجمات غايتها الأساسية، نشر الفوضى في بلدان عديدة، منها اليمن والصومال وليبيا، ومنع تعزيز الديمقراطيات الناشئة، مثل تونس.
وما تزال أبو ظبي، تُمارس سياسة “الضغط المستمر” على تونس، في مسعى لإرباك أي حالة استقرار يمكن أن تتجه نحوها البلاد..
منع السفر
آخر التحركات الإماراتية على الساحة التونسية، تمثلت في إقرار سلطات أبو ظبي، منع التأشيرة عن المواطنين التونسيين، كما أعلن ذلك رئيس لجنة النقل الجوي في الجامعة التونسية لوكالات الأسفار، عبد العزيز بن عيسي، من أن دولة الإمارات قررت منع إسناد التأشيرات لتونسيين، وتستثني من ذلك الأشخاص المتزوجين، أو الذين لديهم أبناء أو الذين تفوق أعمارهم الستين عامًا.
القرار الإماراتي أثار جدلًا كبيرًا لدى عموم التونسيين، من حيث توقيته وأسبابه، فإدراج البلاد في قائمة تضم اليمن وسوريا والصومال والعراق وكينيا وأفغانستان يحمل أكثر من سؤال ودلالة في نفس الوقت.
ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الدولة الخليجية، مثل هذه القيود على المواطنين التونسيين، ففي 2017، نشبت أزمة عميقة بين البلدين، عندما قررت أبو ظبي منع النساء التونسيات من السفر على متن الخطوط الإماراتية، وهو ما استفز تونس التي ردت بدورها بتعليق رحلات الناقلة الإماراتية من تونس وإليها، وطالبت أبو ظبي بالاعتذار فورًا عن هذا الإجراء.
بررت الإمارات قرارها، بوجود تهديدات أمنية على أراضيها، وأن تقارير استخباراتية أفادت بإمكانية تنفيذ إحدى النساء عمليات إرهابية، وهو أمر لم يقنع التونسيين، واعتبروا أن هذه المبررات واهية، تُخفي وراءها خلفيات سياسية، وهي جزء من “الحملة الانتقامية” ضد بلادهم، بسبب خياراتها السياسية الكبرى، وحيادها المعروف في القضايا العربية (حصار قطر والحرب في ليبيا) والإقليمية.
رسائل سياسية
القرار الإماراتي، جاء عقب زيارة الرئيس قيس سعيد إلى قطر، التي أثمرت تعاونًا بين البلدين على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ما يعني أن الإجراء الإماراتي كان رسالة إلى تونس من أن أي تقارب مع قطر، سيتبعه تراجع في مستوى العلاقات مع أبو ظبي.
المعروف عن الإمارات، أنها تعاملت مع تونس وفق منطق الابتزاز الاقتصادي، ووعود مفتوحة الآجال، وهو ما تجلى في ضعف مشاركتها في المؤتمر الدولي للاستثمار، والدعم لتونس الذي كان لأسباب إستراتيجية وسياسية، أهمها، عدم رضاها عن سياسة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وتوافقه مع حركة النهضة.
كما جمّدت الإمارات، المشاريع الضخمة لتونس بعد ثورة 14 جانفي، كانت قد وعدت بإنجازها في تونس خلال حكم الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، على غرار مشروع بوابة المتوسط “سما دبي”، و”مدينة تونس الرياضية”، لدواع، قالت إنها تتعلق بالوضع المضطرب في البلاد، والحقيقة أن القرار يعود بالأساس، إلى أن الإماراتيين قرروا عدم استئناف أشغال مشروع “سما دبي” المتعطل منذ سنة 2011، نكاية بالرئيس السبسي بسبب تحالفه مع حركة النهضة، وإشراكها في الحكم، وليس لأسباب لوجيستية أو أمنية.
القرار، يحمل بين طياته كذلك، مساندة واضحة لزعيمة الحزب الدستوري الحرّ، ضمن سياق الضغط على الحكومة التونسية، لكي تحسب خطواتها باتجاه قطر..
ويأتي الإجراء الإماراتي، بالتزامن مع احتضان تونس للحوار الليبي، وعودة حركة السفر بين البلدين، فأبو ظبي تتخوف من أن تتخلص تونس من حيادها في هذا الملف، وتنخرط في دعم معسكر طرابلس على حساب الشرق، بدفع من قطر بعد الزيارة الأخيرة لقيس سعيد.
تسعى الإمارات من خلال هذه الإجراءات، إلى تطويع السياسة التونسية خدمة لمشروعها وأجندتها في المنطقة، فالضغط الذي تسلطه ترى فيه ورقة تلعب من خلالها على قطع أي تقارب تونسي مع قطر وتركيا، خاصة أن الأخيرة تسلك تمددًا ناعمًا، ودبلوماسية نشطة، تلقى قبولًا في شمال إفريقيا، كما يأتي القرار ضمن مساعي أبو ظبي لفرض مسار التطبيع وتوسيع دائرته.
تحركات محسوبة… ولكن
ومنذ الثورة، سعت الإمارات، إلى ضرب المشروع الانتقالي التونسي في مهده الأول، من خلال تدخلات سافرة، تسعى من خلالها إلى إعادة ماكينة القمع والاستبداد، وذلك عبر دعمها السخي لحماة الثورة المضادة في العالم العربي، وفي تونس على وجه الخصوص، وإثارة المعارك الجانبية بين الكتل البرلمانية والأحزاب، رغبة في تفكيك مؤسسات الدولة، للسيطرة فيما بعد على قرارها السيادي.
لقد كان من أهم الأولويات القصوى لحكام أبو ظبي، طيلة السنوات التسع الماضية، تقويض الديمقراطية الناشئة، واستعداءها في تونس، من خلال دعم الأذرع المحلية بقوة المال والإعلام، من أجل التأثير في المسار الانتقالي، وخلق نخبة حاكمة خانعة، يسهل السيطرة عليها وتطويعها ضمن مشروعها الجديد.
ويعود التوتر الذي طبع العلاقات بين تونس وأبو ظبي، بالأساس، إلى الخلاف السياسي بين تونس والإمارات، يمتد ليشمل الأوضاع في ليبيا، فبينما تبدي أبو ظبي تأييدًا كاملًا للمشير الليبي خليفة حفتر، يفضل الائتلاف الحكومي في تونس، عدم الخوض في المستنقع الليبي، بحكم تعقيداته وتداعياته على الداخل التونسي.
كان الحياد التونسي في الموضوع الليبي، مصدر انزعاج للإماراتيين الذين يعملون بالوكالة لتغيير الخريطة الجيو استراتيجية في منطقة البحر المتوسط.
وكانت الإمارات اتخذت قرار في وقت سابق (2018)، لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، من خلال منع التونسيات من دخول الإمارات، ودفعت تحركات لشخصيات تونسية لبحث انقلاب أمني، يستولي على السلطة في تونس، ويزيح حكومتها الديمقراطية المنتخبة.
قطع العلاقات مع الإمارات
ويبدو أن حكام الإمارات لم يأخذوا بالحسبان تصاعد دعوات عدد من السياسيين التونسيين ومكونات المجتمع المدني، بمطالبة سلطات بلادهم بقطع العلاقات مع الإمارات، نظرًا للتدخل السافر في الشأن الداخلي، سواء بأذرعها الإعلامية أو السياسية، وكذلك ردة فعل التونسيين على قرارها السابق (منع سفر التونسيات)، حيث دفع حراكهم إلى إرغام الحكومة على إقرار إجراء مماثل، لقي صدى محليًا وإقليميًا تُرجم في هاشتاغ “تونس تؤدب الإمارات”.
ولا شك، أن الفشل الذي تُعانيه الدبلوماسية الإماراتية في تونس، يعود بالأساس إلى درجة الوعي الشعبي الذي وصل إليه التونسيون، وإلى حدث الثورة التونسية، ووجود حرية تعبير مكفولة للجميع، ومجتمع مدني حيّ ونشيط، ما ساهم بشكل كبير، في الحيلولة دون انزلاق الطبقة السياسية والنخب ــ إلا القليل منهم ــ إلى هوة سحيقة، الأمر الذي عقّد مهمة الإماراتيين في تونس، وأفشل مساعيها الكثيرة لقلب الأوضاع لصالحها، أو الالتفاف على الأوضاع على هشاشتها..
المصدر: موقع “نون بوست” + موقع “الرأي الجديد”