سعيّد “يبيّض” ماكرون… بخطاب الأستاذ وليس بعقل رئيس الجمهورية
تونس ــ الرأي الجديد / كتب صالح عطية
مرة أخرى، يحرص رئيس الجمهورية على مساعدة الرئيس الفرنسي، على تجاوز أزماته، ومحاولة إخراجه من المآزق التي يضع فيها نفسه، أو يضعه حراك الشعوب فيها.
بالأمس القريب، عندما كان مجلس نواب الشعب، يناقش مطالبة فرنسا الاعتذار عن فترة الاستعمار التي قضتها في تونس، والمجازر والجرائم التي ارتكبتها خلال نحو 70 عاما أو تزيد، زار الرئيس قيس سعيّد فرنسا ليصرح لإحدى القنوات الفرنسية، بأنّ ما فعلته فرنسا لم يكن سوى حماية لتونس، وليس استعمارا، في مخالفة واضحة وصريحة لرغبة شعب وقسم واسع من البرلمانيين، الممثلين للشعب التونسي، في محاكمة فرنسا، مثلما فعل الشعب الجزائري، المطالب منذ سنوات باعتذار فرنسا عن جرائمها.
غاب الرئيس التونسي عن التطورات المتعلقة بتصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، المسيئة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، والإستفزازية للمسلمين، ولم تصدر رئاسة الجمهورية أي موقف، رغم الحراك الشعبي الواسع في كامل أرجاء العالم العربي والإسلامي.
الشعب يريد.. في مهبّ الريح
غابت مقولة “الشعب يريد” عن رئيس الجمهورية، التي يستخدمها متى يشاء، ويتناساها متى يشاء، ولم يتوقف الرجل عند الأصوات التي بحت، نصرة للرسول الأكرم، فلم يساندها، ولن يقف إلى جانبها، ولم يكن ترجمانا لهواجسها وغيرتها على مقدساتها، فتاهت مقولته أدراج الرياح.
بل فاجأنا رئيس الجمهورية، بمكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي، ماكرون ليقول له فيها ثلاث جمل تعكس سياسة ساكن قرطاج:
الأولى: أنّ “بعض الجهات تريد إرباك عديد المجتمعات، ومنها المجتمع الفرنسي”..
الثانية: الهجرة غير النظامية تتفاقم بين الحين والحين، “بهدف تحقيق أغراض سياسية”.
الثالثة: وجود الكثير “ممن يتسترون بالدين الإسلامي”، في حين أنه يتم تجنيدهم بغرض الإساءة لا للإسلام فقط، بل “بهدف الإساءة للعلاقات التي تربط بين الشعوب والأمم”..
وإذن، فما يقلق رئيس الجمهورية، هو أنّ ثمة من يحاول “إرباك المجتمع الفرنسي”، وليس مهما أن يتم إرباك عالم إسلامي كامل، بمئات الملايين من شعوبه ونخبه وشبابه، من قبل رئيس، قال عنه مثقفو بلاده وفلاسفته، أنه الأسوأ في تاريخ فرنسا، والأضعف والمرتبك، غير أن السيد قيس سعيّد لا يرى ما يراه الناس، وعندما يعبّر “الشعب عما يريد”، يتنكر له الرئيس، ويولّي وجهه قبل موضوعات أخرى، لا صلة لها بتطلعات الناس وأوجاعها.
وبالطبع، لا يفتأ رئيس تونس، أن ينقل خطابه وهواجسه التي لا تستند إلى أي رؤية، إلى الطبقة السياسية الفرنسية، من خلال التأكيد بشكل يدعو إلى التساؤل، على أنّ الهجرة غير النظامية، تهدف إلى “تحقيق أغراض سياسية”، وهو استنتاج غريب، لم يسبق أن صرح به حتى المختصون في هذا الموضوع..
هل من أفق جديد؟
ولأنّ الرئيس قيس سعيّد، لا يملك أي تصور لموضوع الهجرة غير الشرعية، حيث اكتفى بالتوقيع على اتفاقية، تسمح لإيطاليا بترحيل الشبان التونسيين القاصدين إيطاليا، إلى تونس، حتى يطمئن الجار الإيطالي، جاعلا من تونس، “شرطيا” لدى روما وأوروبا إجمالا، وفي هذا استمرار لسياسات الرئيس الراحل، بن علي، وحتى الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.
ليس هذا وحسب، بل إنّ الرئيس قيس سعيّد، انزاح بموضوع الإرهاب بعيدا، عندما أخرجه من سياقه، ليؤكد بأن هذه العمليات تستهدف “الإساءة للعلاقات التي تربط بين الشعوب والأمم”، وهو بذلك، يقلب الموضوع رأسا على عقب، من موضوع يتعلق بتصريحات الرئيس الفرنسي المسيئة والمرتبكة، إلى قضية تخص العلاقات الدولية، لنجد أنفسنا مرة أخرى، أمام مكالمة هاتفية لأستاذ جامعي، وليس لرئيس بلاد، انزعج شعبه من تصريحات ماكرون، وعبّر عن رفضه لها رفضا قطعيا.
في الحقيقة، ما يزال الرئيس، قيس سعيّد، سجين رؤى قديمة، ويفتقر لتصورات جديدة في علاقات تونس الخارجية، وهو لا يتوفر إلى حدّ الآن، على أفق سياسي، أو دبلوماسي، يسمح له بالتمايز، وخلق سياق سياسي جديد، تحتاجه البلاد، التي لا تئنّ فقط من الوضع الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية، وإنما كذلك، وأساسا، من غياب تصورات ومقاربات جديدة، كان يفترض أن يكون الرئيس، مهندسها، والقاطرة التي تؤدي إليها، والمحرك الأساسي في صناعتها.
فمتى يكف الرئيس قيس سعيّد، عن لعب دور الأستاذ؟ ومتى يبدأ رحلة رئيس الجمهورية، بما تعنيه الكلمة من هيبة وناموس، وعمق وتصور وأفق جديد ؟؟