قيس سعيّد: رئيس للجمهورية… أم رئيس لــ “دولة الفيسبوك الشعبية” ؟؟
بقلم / خليل الحناشي
وسّعت وسائل التواصل الاجتماعي وأثرت بشكل كبير على دوائر التفاعل مع الشأن العام في بلادنا منذ الموعد الانتخابي النيابي والبرلماني 2019، حيث أصبح كل تصريح أو تلميح أو تحرك أو نشاط تحت مجهر «الفايسبوك» ونشطائه الذين تحولوا إلى قوى هرسلة للمزاج العام والتحكم فيه عبر آليات ضخ ممنهجة تقوم أساسا على استعمال أدوات الفعل والتأثير الجديدين.
ولم يكن الرئيس قيس سعيد منذ إعلان ترشحه بعيدا عن هذه الأدوات التي لازمته حتى بعد انتخابه كرئيس للجمهورية التونسية ليظل ساكن قرطاج وفيا لوسائل التواصل الاجتماعي وأساسا «الفيسبوك» بعد أن تحول إلى عنصر قار في منظومة الحكم الجديد وجزءا كبيرا في البروبغندا السياسية لسعيد.
وبات واضحا تأثر الرئيس قيس سعيد بما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تأثر كشفه اعتراض فخامته عن التعيينات المقترحة من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي والتداخل القانوني والسياسي بشان موقف الرئيس من مسالة الإعدام، بالإضافة إلى سعيه لإحراج خصومه من السياسيين عبر تقريعهم «وقصفهم» لغويا وعرض كل ذلك على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.
سعيد “ضحية” خبر التعيينات
كما هو معلوم فقد أثار خبر تعيين عدد من رجالات الرئيس الراحل زين العابدين بن علي جدلا سياسيا ودستوريا واسعا خاصة بعد الاعتراض الرئاسي المحرج الذي تسبب فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة هشام المشيشي يوم 22سبتمبر الماضي .
وإذ اعتبر البعض أن ما أتاه سعيد يندرج في إطار إصلاح الخطأ من خلال رفضه للتعيينات المشبوهة والتأكيد على سلامة التمشي الرئاسي في التوجه نحو الإصلاح وفرصة حقيقية للرئيس لتدارك خطيئة تعيين الياس الفخفاخ فان آخرين لا يرون في موقف الرئيس سوى محاولة صريحة لتأديب هشام المشيشي على تجاوزاته وقطعا للطريق أمام محاولة هذا الأخير فرض نفسه كرئيس حكومة كامل الصلاحيات.
وقد زاد الجدل حدة مع إعلان المشيشي أن الحكومة لم تقم بأي تعيين جديد على اعتبار انه لم يتم نشر أي شيء يتعلق بهذا الموضوع بالرائد الرسمي، موقف ورط رئيس الجمهورية الذي كان ضحية أخبار متداولة على «الفايسبوك» وهو ما أكده المشيشي شخصيا يوم 26 سبتمبر الجاري حيث صرح لدى زيارته لولاية جندوبة «أن الدولة لا تتعامل مع ما يُروج أو ما يُقال وإنما عبر الوسائل والقنوات الرسمية»، حسب تعبيره.
الرد بعقل بارد
ولم يكتف المشيشي بتصريحه ذاك حيث سبق له وأن رد بعقل بارد وبكلمات واضحة عن الفضيحة المتلفزة لرئاسة الجمهورية والتي ظهر فيها الرئيس قيس سعيد بصدد تقريع رئيس الحكومة هشام المشيشي في مشهد سخيف ومخز للدولة التونسية.
وقد أثار هذا المشهد حفيظة التونسيين الذين عبروا عن اندهاشهم مما حصل، اندهاش ترجمته التعليقات السلبية للفعل «الموحش» الذي أتاه رئيس الدولة في حق رئيس الحكومة.
ونقلت إذاعة «موزاييك» أنّ مصالح رئاسة الحكومة أبلغت مصالح الإعلام والاتصال برئاسة الجمهورية استنكارها لطريقة إخراج لقاء رئيس الجمهورية برئيس الحكومة وما فيها من إساءة لصورة الدولة وتنافيها مع نواميس التعامل بين مؤسسات الحكم.
وأضاف ذات المصدر، « أنه حرصا من رئيس الحكومة هشام مشيشي على الحفاظ على علاقات وضوابط عمل طيبة بين مؤسستي الدولة وعلى الاستجابة لكل دعوات رئيس الجمهورية للخوض في الوضع العام ومعالجة المشاكل المتعلقة بالشعب التونسي، فانه سيرفض مستقبلا تصوير أي مقابلة يتم توظيفها بطريقة مسيئة للدولة ولمؤسسات الحكم.»
الإعدام والتداول الفيسبوكي
مع إقرار الجميع ببشاعة العملية الإجرامية في حق الضحية رحمة لحمر وتحت وقع الصدمة للعملية وغيرها من الجرائم المسجلة في بلادنا سارع نشطاء فايسبوكيون للضغط من اجل تفعيل عقوبة الإعدام.
ضغط تحول بمقتضاه مواقع التواصل الاجتماعي إلى محكمة شعبية مفتوحة أمام الجميع، وإذ تُفهم أسباب الدعوة لتطبيق عقوبة الإعدام فان الغير المفهوم هو النزوع الرئاسي لتبني هذا المزاج الشعبي.
وقد تعرض الرئيس إلى نقد واسع بعد تبنيه للخيار العقابي، وفي تعليقه عن موقف سعيد قال مدير الديوان الرئاسي السابق والناشط السياسي عدنان منصر ‘خطاب رئيس الجمهورية في مجلس الأمن القومي هو مهادنته للمزاج الشعبي العام، فالرئيس فضل الانسياق وراء المزاج العام دون أن يقدم دليلا واحدا على رؤيته للمسائل في هذه الحالات تختلف عن رؤية المواطن.»
وأضاف منصر في تدوينة مطولة، أن سعيد “فضل اللعب على الغموض بعد أن نقل موضوع جريمة فظيعة إلى الساحة السياسية”.
سعيد.. الفيسبوك.. الصندوق الأسود
في واقع الأمر ورغم مرور سنة على انتخابه كرئيس للجمهورية لا يزال قيس سعيد يشكل موضوع دراسات وتحليل لفهم الرجل / الظاهرة، وما أحيط به من غموض، وقد تجرأ الباحث رافع الطبيب لتفكيك شيفرة ما أسماه بـ “ظاهرة قيس سعيد المترشح للانتخابات الرئاسية”، وفتح الصندوق الأسود للحملة الانتخابية له، والتي استغل مهندسوها “جهلنا لأدوات الفعل الجديدة”.
وأكد الطبيب في دراسة له “أن حملة سعيّد اعتمدت على أدوات لا تملكها إلا شركات ضخمة تشتغل على فيسبوك منها Cambridge Analytica “.
وحسب الطبيب فان هذه المؤسسة “مرتبطة بعديد الأوساط الاستخباراتية، وخاصة بتيارات أقصى اليمين، وأنها أسهمت في حملة دونالد ترامب، وحملة الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت”، وذلك لاستعمال تقنيات معقدة تسمى التهديف الفردي السياسي…Le micro ciblage politique… والذي يعتمد على تطبيقات خوارزمية لا ترقى إليها مجموعات فيسبوك ،وهي من مجال الميتا – معطيات”.
فهل يتجاوز قيس سعيد واقعه الافتراضي والنزول إلى أرض الواقع؟