“فيلسوف” المشروع الاشتراكي الدستوري يرقد في المستشفى العسكري
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
يرقد الزعيم السياسي، أحمد بن صالح منذ يوم الجمعة المنقضي، في المستشفى العسكري بالعاصمة، الذي دخله، إثر وعكة صحية ألمت به، خاصة في مستوى الجهاز الرئوي..
وكان “رجل التعاضد”، كما يلقب في الأوساط السياسية والإعلامية، قد تراجع وضعه الصحي خلال العام المنصرم، ودخل مرات عديدة في حالات عدم استقرار، كانت تؤدي أحيانا، إلى نسيان المحيطين به..
ومنذ أسبوعين تقريبا، اضطرت عائلته إلى إدخاله إحدى المصحات الخاصة للعلاج، بعد تعرضه إلى وعكة صحية مفاجئة، غير أنّ وضعه الصحي تعكّر مرة أخرى، ما دعا المقربين منه إلى إدخاله المستشفى العسكري بالعاصمة، أين يرقد حاليا تحت العناية الطبية الفائقة..
وظل أحمد بن صالح، الوزير والنقابي في العهد البورقيبي، طريح الفراش لفترة طويلة، دون أن يزوره السياسيون أو النقابيون، ممن يرفعون اسمه كلما جرى الحديث عن تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل، أو عملية البناء الوطني عقب جلاء الاستعمار الفرنسي عن تونس، أو عند التطرق إلى الصراعات في المرحلة البورقيبية، والتي كان أحمد بن صالح أحد رموزها وضحاياها في ذات الوقت، على خلفية “تجربة التعاضد”، في ستينيات القرن المنقضي، التي تحمّل الرجل وزرها، بكل معنى الكلمة، رغم أنّه لم يكن منسجما تماما مع الأسلوب الذي نفّذت به، والطريقة التي استخدمت عند التطبيق.
وكان أحمد بن صالح، الذي يبلغ من العمر نحو 97 عاما حاليا (من مواليد 1923) بمدينة المكنين، قد شغل عدّة حقائب وزارية، خلال مرحلة الستينيات، أبرزها الشؤون الاجتماعية والصحة والسياحة، التي دشّن من خلالها سلسلة من الفنادق والمستشفيات والمشروعات الفلاحية المتعددة والضخمة، التي كانت منطلقا لبناء الاقتصاد الوطني، فيما عرف ــ كما أسلفنا القول ــ بتجربة التعاضد، التي أنهيت بقرار بورقيبي، بعد اتهامات خطيرة وجهت إلى بن صالح، عنوانها الأبرز، “الخيانة العظمى”، حيث اقتيد إلى سجن 9 أفريل، قبل أن يساعده “بعض الرجال” على الهرب منه، (وهو ما كان يعتبره أحمد بن صالح، تحررا منه)، باتجاه الخارج، وتحديدا، الشقيقة الجزائر، ومنها إلى باريس، خوفا من بطش بورقيبة، المهوس أنذاك بالإنفراد بالسلطة، وبإقصاء جميع الرموز، أو القيادات الشابة، على غرار أحمد بن صالح، ولعله كان أبرزهم في تلك المرحلة.
وللتاريخ، كان كاتب هذه السطور، شاهدا على تدخلات الرجل بعد الثورة، من أجل “التسويات السياسية”، والخروج بالمسار الجديد من عنق الزجاجة.. ولعب أحمد بن صالح دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين عديد الفرقاء، من حول “الترويكا”، وعلى الجبهة المقابلة، المعارضة لها، حماية للمسار، الذي كان “فيلسوف الاشتراكية الدستورية”، يرى فيه تصحيحا لمسار 60 عاما من الاستبداد والعنف والنهب وتفويت الفرص الكثيرة، التي أتيحت للقفز بتونس إلى أفق البلدان المتقدمة، فيما كان “الزعيم”، ومن بعده “بن علي”، يريان فيها تضييعا لفرصتهما الذاتية في الحكم التسلطي..
يذكر أنّ أحمد بن صالح، تولى خلال فترة 1954 و1956، قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وأشرف على صياغة أول برنامج اقتصادي واجتماعي للاتحاد، الذي سيقتات منه طيلة العقود الماضية، في استلهام التوجهات والأفكار الأساسية، التي وضعت لبنات المنظمة الاجتماعية الأكثر ميلا للمسحوقين، حتى وإن تتالى عليها، الغرباء وأشباه النقابيين..