أحداثأهم الأحداثدولي
“نيويورك تايمز”: فساد ورشاوي في مرفأ بيروت وأحزاب حوّلته لـ “مغارة علي بابا”
بيروت ــ الرأي الجديد (وكالات)
كشف تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز”، عن شبكة الفساد التي أدّت إلى انفجار مرفأ بيروت في الشهر الماضي، مبيّنة أن 15 طنا من الألعاب النارية وأباريق من الغاز والأحماض، وأطنان من نترات الأمونيوم، تمّ تخزينها وسط نظام من الفساد والرشاوي.
* ضابط يكشف أمورا “مروّعة”
وجاء فيه، أن الضابط الأمني الجديد للمرفأ وجد بالمصادفة بابا مكسورا وثغرة في مستودع، وعندما نظر من خلاله اكتشف أمرا “مروعا”، آلاف من أطنان نترات الأمونيوم تسربت من أكياسها.
وفي نفس المستودع، أباريق من الغاز وكلها مواد كافية لتصنيع قنبلة تدمر المدينة.
ويعيش في محيط المستودع حوالي 100.000 شخص، بدون توفر أنظمة سلامة فيها.
وقام الكابتن جوزيف نداف، من جهاز أمن الدولة، بإخبار المسؤولين عنه وحذرهم من المخاطر والتهديد الأمني، وما لم يعرفه الكابتن أن الكثير من المسؤولين الأمنيين كانوا يعرفون بالأمر.
* فساد وفشل
وفي التحقيق الذي أجراه مراسلو الصحيفة في المرفأ ومع مسؤولي الأمن والديوانة، ووكلاء الشحن البحري والعاملين في مجال الملاحة البحرية كشف عن نظام فاسد وعاجز فشل في الردّ على التهديد في وقت واصل فيه إثراء النخبة السياسية عبر الرشوة والتهريب.
وتشير وثائق لم يكشف عنها في السابق، إلى الكيفية التي حاولت فيها مؤسسات الدولة حرف المسؤولية عن نفسها ورميها على المؤسسات الأخرى ولم تعمل على نزع فتيل الوضع.
وحصلت الصحيفة، على صور من داخل العنبر تكشف عن الطريقة العشوائية والكارثية في النهاية للتعامل مع المواد المتفجرة.
ويظهر تحليل لشريط فيديو الكيفية، التي تعاونت فيها مواد قابلة للاشتعال على إنتاج أكبر انفجار في تاريخ لبنان.
فمنذ وصول 2.750 طنا من نترات الأمونيوم، إلى مرفأ بيروت قبل 6 أعوام صار مصيرها، موزعا بين مؤسسات الحكومة والديوانة، و3 وزارات وقائد الجيش اللبناني إلى جانب قاضيين كبيرين، وقبل أسبوع من الانفجار وصل الملف إلى رئيس الوزراء.
* إهمال وعجز
وفي هذه الشبكة من المسؤولين والعارفين بالمواد المخزنة لم يتحرك ولا طرف لتأمين المواد الكيماوية والتي كانت ضعف ألف مرة من المواد التي استخدمت لتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما عام 1995.
وكانت “الكارثة”، التي تنتظر الحدوث نتاجا للإهمال وسياسة البيروقراطية في حرف المسؤولية وعجز حكومي، وتخل عن السلامة العامة من أجل مواصلة الرشوة والتكسب غير المشروع.
ولم يكن النظام أوضح منه في الميناء الذي كان بمثابة الجائزة التي وزعت على إقطاعيات متداخلة تعود للأحزاب اللبنانية.
وتعاملت معه كمصدر للربح الشخصي، والعقود وتوفير الوظائف للموالين ومكان لتبييض البضائع غير المشروعة.
* انهيار مباني
وظهرت مخاطر النظام، عندما انبعث دخان رمادي من عنبر 12. وتبعه ضوء لامع ناجم عن وصول النار إلى الألعاب النارية.
ويقول الخبراء، إن نترات الأمونيوم لا تشتعل بنفسها دونما محفز.
ولكن اشتعال الألعاب النارية كان محفزا على انفجار نترات الأمونيوم الذي أدى تفجيرها إلى هز البنايات البعيدة عن المستودع أميالا، وانهارت معه البنايات التاريخية وحول ناطحات السحاب إلى إطارات فارغة و تناثرت في الشوارع الشظايا وقتل أكثر من 190 شخصا وجرح 6.000 آخرون.
ويحتاج إصلاح الضرر مليارات الدولارات.
وقبل الانفجار كان عجز الحكومة قد وضع لبنان على حافة الانهيار ببنية تحتية متدنية وتظاهرات معادية للحكومة، لم تتوقف منذ شهر أكتوبر، لكن التفجير غطى على كل هذه المشاكل وأثار القلق حول عدم كفاءة النظام وبطريقة مخيفة وحية.
وكان المرفأ، رمزا لكل العلل التي يقول المتظاهرون إن الحكومة تعاني منها ولفساد استشرى في كل ملمح من ملامح عملها.
* رشاوي وضرائب
ووجدت الصحيفة، أن العمليات اليومية لنقل البضائع من المرفأ تحتاج في كل مرحلة إلى رشى لمفتش الديوانة، الذي يسمح للمستوردين تجنب دفع الضريبة وإلى الأمن أو الجيش، حتى لا يقوم بتفتيش الشحنة، ومن ثم إلى المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية للتسامح مع مزاعم زائفة، مثل منح طفل عمره 3 أشهر إعفاء ضريبيا بسبب الإعاقة لاستيراد سيارة فاخرة.
وتعزز الفساد، من خلال العجز الوظيفي، فالكاشف الضوئي للمرفأ لا يعمل منذ سنين، مما ساعد النظام المثقل بالرشوة على تجنب التفتيش اليدوي للشحنات. وبعد ساعات من الانفجار، اجتمع الرئيس ورئيس الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية في القصر الرئاسي لتقييم ما حدث.
ولكن اللقاء تحول سريعا إلى تبادل اتهامات، حسب شخص حضر اللقاء.
وهناك الكثير من اللوم على الجميع، خاصة أن أيا من الأحزاب والأجهزة الأمنية التي لها مصلحة في المرفأ لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته.
وقال القاضي غسان عويدات، النائب العام التمييزي: “هناك فشل في الإدارة منذ ولادة لبنان حتى اليوم” و”فشلنا في إدارة البلاد والوطن”. وتشير الصحيفة، إلى وصول السفينة المحملة بنترات الأمونيوم إلى ميناء بيروت في نوفمبر 2013، ولم يكن المرفأ وجهتها بل كانت في طريقها إلى موزمبيق التي طلبت شركة فيها الشحنة ولكنها لم تدفع ثمنها.
وأمرها صاحبها الروسي المقيم في قبرص الذهاب إلى بيروت لتحميل معدات ثقيلة ونقلها إلى الأردن، إلا أن دعوى من شركتين على السفينة بسبب عدم دفعها أتعابا لهما أدى إلى احتجازها بالمرفأ.
وتخلى رجل الأعمال الروسي عن السفينة وطاقمها، وتركهم تحت رحمة السلطات اللبنانية، ولا يعرف من طلب نترات الأمونيوم وإن كان الغرض إيصالها إلى موزمبيق أم بيروت.
وظلت السفينة، التي كانت تعاني من عطب أدى إلى تسرب المياه في الميناء، حيث ظهرت بعد أشهر سلسلة من التحذيرات الموثقة والتي حذرت من خطورة ما تحمله وتهديده للسلامة العامة.
وبعد ذلك دعت شركة محاماة تبنت ملف السماح للطاقم الروسي والأوكراني العودة إلى بلادهم إدارة الميناء لنقل المواد الكيماوية وتجنب كارثة بحرية.
* شحنة “خطيرة”
وأرفقت شركة المحاماة رسائل إلكترونية إلى مستأجري السفينة، وحذرت من أنها “تحمل شحنة خطيرة جدا” و15 صفحة معلومات انتزعت من ويكيبيديا تشرح فيها كوارث نترات الأمونيوم.
وخوفا من غرق السفينة، نقلت الشحنة في أكتوبر 2014 إلى عنبر 12 المخصص للمواد الخطرة، وتم وضع أكياس النترات إلى جانب الغاز والألعاب النارية.
وكما يقول نيك غولماك من جامعة إلينويز: “عندما وضعت كل المواد في صندوق واحد فإنك تلعب لعبة خطيرة” و”هناك حادث ينتظر الوقوع”.
وقالت الصحيفة، إن ميناء بيروت كان للأحزاب اللبنانية بمثابة “مغارة علي بابا”.
وبعد انفجار 4 أوت، بدأت الحكومة تحقيقا واعتقلت 25 شخصا لهم علاقة بالمرفأ. ولا يتوقع أن يغير التحقيق الثقافة وسوء الإدارة الصارخ التي قادت للانفجار. وبحسب موظفي المرفأ والديوانة، وشركات الشحن البحري، فلا شيء يتحرك بدون رشوة تدفع.
وتتحرك البضائع بدون رقابة والتهرب من القانون هو القاعدة لا الاستثناء.
وبالإضافة لهذه النشاطات، التي تحرم الحكومة من الموارد المالية، تحول المرفأ إلى بوابة نقل المواد الممنوعة في الشرق الأوسط وسمح بمرور المخدرات والأسلحة بدون عرقلة.
وبحسب مسؤولين أمريكيين، في الديوانة اللبنانية، يتمتع حزب الله بقدرة لنقل البضائع بدون أي عراقيل نظرا لشبكته من الموالين العاملين في المرفأ.
ويقول المسؤولون الأمريكيون، إنه لا يعتمد في الغالب على تهريب الأسلحة من الميناء ويفضل المطار الذي يسيطر عليه والحدود الطويلة مع سوريا، ولكن التجار المرتبطين بالحزب يستخدمونه لنقل البضائع المعفاة من الضريبة.
ونفى زعيم الحزب حسن نصر الله، الشهر الماضي، أي وجود لحزبه في الميناء.