أبو يعرب المرزوقي: كلّ من يتوهّم أنه مايزال بوسعه إيقاف قطار “الانقلاب” الجاري فهو “حالم”
تونس ــ الرأي الجديد (فيسبوكيات)
اعتبر الفيلسوف التونسي، والقيادي السابق في “حركة النهضة”، أبو يعرب المرزوقي، أن “كلّ من يتوهّم أنه مايزال بوسعه إيقاف قطار الانقلاب الجاري، بعد “حكومة الرئيس 2″، بالطرق الدستورية، فهو “حالم”، حسب تعبيره.
وأضاف أبو يعرب المرزوقي، في تدوينة نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أنه ما يزال بيد الأحزاب بسلوكها الذي يتحاشى تقدير كلفة الثورة الفعلية، وقرار الإقدام عليها ضد الانقلاب الذي ألغى بدايتها، ومحاولتها تحقيق الانتقال الديمقراطي، أدنى قدرة على تغيير مساره، ما ظلت تعيش على وهم سياسة التوافق، الذي كان معمولا به في حدود مع المرحوم الباجي قايد السبسي.
وفيما يلي نصّ التدوينة:
• كل من يتوهم أنه ما يزال بالوسع إيقاف قطار الانقلاب الجاري بعد حكومة الرئيس الثانية بالطرق الدستورية حالم.
وليس من عادتي تثبيط العزائم.
لكني لا اعتقد أن كلا الموقفين من الحكومة الحالية، يمكن أن يغير مِن تَقدم خطة الانقلاب شيئا:
- فسواء نالت الحكومة الثقة بنية إسقاطها بعد امل -اعتبره مستحيلا- أي تغيير قانون الانتخابات وتأسيس المحكمة الدستورية لتغيير المشهد السياسي، وهذه الحكومة وظيفتها منع ذلك ولها كل وسائله..
- أو تم إسقاطها بعدم منح الثقة في جلسة أول سبتمبر لأن ذلك سيبقي على الحكومة الحالية.
فلن تستطيع البلاد الإفلات من مواصلة الخطوات الموالية لإكمال انقلاب “بلحة تونس”، وتأسيس الجمهورية الملكية على طريقة بلحة مصر.
• لا أعتقد أنه ما يزال بيد الأحزاب بسلوكها الذي يتحاشى تقدير كلفة الثورة الفعلية وقرار الإقدام عليها ضد الانقلاب الذي ألغى بدايتها ومحاولتها تحقيق الانتقال الديموقراطي، أدنى قدرة على تغيير مساره ما ظلت تعيش على وهم سياسة التوافق الذي كان معمولا به في حدود مع المرحوم السبسي.
فحتى لو اتفقت كل الأحزاب الآن لتحول دون ما يحصل، فإن السؤال يبقى حول مدى قدرتها حتى لو فرضنا ذلك ممكن الحصول على فعل شيء.
ذلك أن عملها يحتاج إلى إحدى الخطتين التاليتين أو إليهما معا:
- العمل النيابي والقيام بهذين التغييرين اللذين يظنان حلا، أي تغيير قانون الانتخاب وتكوين المحكمة الدستورية وحتى سد الثغرات الموجودة في الدستور والتي جعلت الانقلاب ممكنا.
- استعمال الشارع لفرض ذلك، إذا حال الانقلاب دونه، باستعمال ما يملكه من أدوات الدولة، التي صارت كلها بيده أي التلاعب بالقوانين، اعتمادا على الظرفية الاقتصادية والظرفية الصحية، والتضييق على عمل الأحزاب، وحتى حل بعضها ثم استعمال الإدارة والأمن والجيش باسم الحفاظ على النظام العام، خاصة إذا عمم حالة الطوارئ.
وحتى محاولة استعمالهما معا، فهي قد تصبح فرصة لإعلان الانقلاب رسميا، وفرض كل ما يريد وخاصة تعطيل الحياة البرلمانية، والتحول إلى دكتاتورية مطلقة تعوض الديموقراطية والتعددية، إلى ما نراه في مصر، وما يرضي طموح الرئيس الأوحد والوحداني والمتوحد. - • ولما كان منع استكمال الانقلاب بالشارع ضروريا في حالة العجز عنه، بالإجراءات النيابية، فإن ذلك يعني استئناف الثورة، وكأننا في الأيام الأخيرة من نظام بن علي.
وفي هذه الحالة، ينبغي ألا نجهل أن ما كان ممكنا حينها دوليا في عهد أوباما وكلنتون، لم يعد ممكنا لا دوليا ولا إقليميا.
وهو ما يعني الإقدام على ثورة قد تطول ويصعب أن يكون للأحزاب التي فقدت الكثير من المصداقية أمام الرأي العام، القدرة عليها خاصة، واتهامها بتعطيل الإصلاح والدفاع عن الفساد والسيستام، بات من أيسر الحيل التي سيجعلها الإعلام حقيقة.• ثم إن الشارع ملغوم مرتين:- فإذا نجحت في تجنيد الشارع أمكن للرئيس استعمال قوة الدولة، أي جهاز الداخلية والجيش بدعوى الحفاظ على الأمن والصحة، بسبب الجائحة، وعلى تمكين الحكومة من فرصة تحقيق الإصلاحات الضرورية لتدارك ما نتج عن الجائحة من تعطل للحياة الاقتصادية.
- لكنها قد تفشل إذا كانت التنسيقيات التي جهزها الانقلاب، ليست نواة حزب مدني، بل مليشيات على الطريقة الملالية، ومعها ما بقي من الاتحاد والمافيات التي من مصلحتها التعفين، حتى يتدخل الجيش والأمن لإعادة ما كان عليه الأمر قبل الثورة.
• والنتيجة هي أن الحزيبين التافهين اللذين ناديا بحكومة الرئيس، وفتات النداء، وحزب عبير، حتى لو فرضناها اتفقت على إنقاذ الثورة والانتقال الديموقراطي، وهو أمر شبه مستحيل، فإن ما لها من أوزان لا تغير شيئا من وقائع الحال.
هذا فضلا عن كوني لا أعتقد أن النهضة، لها نفس ثوري أو مستعدة لدخول مغامرة قيادة ثورة من هذا الجنس.
وأعتقد أنها قد أقدمت على خطأين قاتلين هما اللذان يسرا حصول الانقلاب:- الخطأ الأول هو مساندة انقلاب الشاهد على السبسي.
وقد ظن الفخفاخ أنه يمكن أن يجرها إلى نفس الخطأ لما وسّط عبو ليطلب منها إسقاط حكومة المشيشي، ليبقى مع وعد إرجاع وزرائها، وتكوين حكومة الوحدة الوطنية، التي طالبت بها في انقلاب منه على الرئيس.
وطبعا لم تقبل أن تلدغ من نفس الجحر مرتين، لأني أعتقد أن الخطة من خيال الشاهد. - الخطأ الثاني، هو رديف الأول، وهو اتباع الشاهد في شيطنة القروي، والقيام بكل ما أدى إلى إفشال ترشح مورو، بسبب انتظار إيفاء الشاهد بما وعد به قبل وفاة السبسي، ليضمن تأييد النهضة لبقائه ضد إرادته.
ومعنى ذلك أن قيادة النهضة هي التي مكنت بلحة تونس من سلطانه الحالي، تماما كما فعل الإخوان مع بلحة مصر لظنهم أنه قريب منهم.
• بلحة تونس وبلحة مصر استغلا سذاجة الإسلاميين، وفي الحقيقة كان لتخطيط الملالي والحاخامات الدور الأساسي.
وما أظن أحدا نسي ذلك المخابراتي الذي جاء فجأة ليثبت أن القروي صهيوني، مقابل من يعتبر التطبيع خيانة عظمى: فقد كانت ضربة معلم.• فهل معنى كلامي أنه لا مخرج؟
- كلا: المخرج أيضا من مكر الله الخير.
لو ترك بلحة تونس يحكم وحده كما يريد، لكان المآل الحتمي ذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا للنقابتين، أو لقتل البقرة التي يرضعها الاتحادان أو المافيتان اللتان تساندانه حاليا، خوفا من حملة الحرب على الفساد والاستبداد ضد القوى السياسية الجدية.
ومعنى ذلك أن الشارع حينها ستتضاعف قوته، لأنه سيكون سياسيا واجتماعيا.
ذلك أن النقابتين هما من سيسقطه، بمجرد أن يفهما ذلك وسيفهمانه قريبا وقريب جدا، لأن الدولة ستفلس، ولن يجد من يعيره مليما واحدا، ولن يبق له إلا بيع كل ما بقي للدولة من رصيد.
إذ حينها ستكتشف مافيتا الاتحادين -الأرباب والعمال- أن القوى السياسية حتى لو صدقت فحاسبت، تبقى أرحم من الڨذافي المفلس ومفكره لينين الأحمق.• هذا داخليا أما خارجيا، فإن المدد لن يأتيه لا من فرنسا، التي تعاني أكثر من تونس، ولا من ممولي الثورة المضادة العربية، سواء كانت تابعة لإسرائيل أو لإيران.
وإذا أكمل الضامنون للتداين والمعيرون، تحذير الحكومة من أنها قد أخلت بالتزاماتها وطالبتها بها، فهذا سيزيد من الثورة الاجتماعية، فتمتن الثورة السياسية ويصبح فشله حتميا.• لا أرى حلا آخر يمكن أن يكبح الانقلاب، لأن الأخطاء تراكمت منذ البداية.
ولا أريد أن أطيل الكلام على الماضي، لكن من لم يحلل أخطاءه السابقة، لن يمكنه تجنب مثيلاتها وأكثر، لأن الأخطاء مثل كرة الثلج، تتراكم فتصبح معوقات لا يمكن تجاوزها من دون كلفة أكبر.• وإذن فلتمر حكومته، وليعث بلحة وحكومته في تونس فسادا، ولتعد الأحزاب إلى قواعدها، لإفهامها ما يجري، وتحميل مسؤولية ما يجري للرئيس وحكومته، والاكتفاء بعدم التصويت معها أو ضدها، وتركها تعمل بما لها من أصوات تبين طبيعة خياراتها.
• والهدف، هو العمل على تحقيق شروط الثورة بحق، لأن ما حدث منذ عشر سنوات، كان إرهاص ثورة وليس ثورة يدرك أصحابها أولا، كلفة تحقيق مطلبي الحرية والكرامة وخاصة بعد فهم العلاقة بينهما وبين شروطهما، أي إتمام الاستقلال من التعبية والاستعمار، وتلك هي علل تدخل فرنسا وأذيالها، وإيران وعملائهما من الثورة المضادة العربية داخل تونس وخارجها.
• وتفاؤلي بالمجريات في الإقليم، يجعلني أعتقد أن ما سيجري في المحلي، لن يكون بمعزل منها، خاصة إذا فقدت فرنسا دورها نهائيا في الجزائر، وفي الكثير من دول أفريقيا، التي شرعت في التحرر من هيمنتها.
ومثلها الثورتان العربيتان المضادتان التابعة لإسرائيل والتابعة لإيران.
وكلاهما امر في الأفق المنظور، ولن يطول العهد بعملائهما في تونس، وفي غيرها من أقطار الإقليم.