يمشي على رمال متحركة: المشيشي والسيناريو الأقل كلفة درءا لمصير الفخفاخ وبحثا عن “استقرار ممكن”
تونس ــ الرأي الجديد / كتب صالح عطية
لم يتبق من مهلة هشام المشيشي، رئيس الحكومة المكلف، سوى أسبوعين، للإعلان عن وزراء حكومته، فيما لم تتضح الرؤية بعد، بشأن ما إذا كانت هوية الحكومة، سياسية متحزبة، أم حكومة كفاءات وتكنوقراط.
في الأثناء، يخيم نوع من الترقب في الأوساط الاجتماعية، فيما تهيمن على الساحة السياسية، الكثير من السيناريوهات المتعلقة، سواء بمصير حكومة المشيشي، أو حتى بما بعد حكومته، وصولا إلى سيناريو الانتخابات المبكرة.
ويبدو أن المشيشي، يمشي على رمال متحركة، فإذا ما اختار حكومة تكنوقراط، سيصطدم بأحزاب وكتل برلمانية، لها تمثيلية مؤثرة في البرلمان، خاصة حركة النهضة (54 نائبا)، وحزب “قلب تونس” (27 نائبا)، و”ائتلاف الكرامة” (19 نائبا)، بالإضافة إلى “كتلة المستقبل” (9 نواب)، التي لا ترى موجبا لحكومة من خارج الأحزاب، وتعتبر ذلك قفزا على أساسات النظام السياسي / البرلماني، ما يجعل مرور حكومته عبر مجلس النواب مهمة صعبة، إذا ما تمسك بخيار حكومة كفاءات، بعيدا عن التمثيليات البرلمانية والحزبية.
خشية حقيقية
ويخشى المشيشي، ومن ورائه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، من الاتجاه نحو حكومة متحزبة، بما سوف يجعله أمام نفس سيناريو إلياس الفخفاخ، الذي لم يقدر على إدارة حكومة متنوعة، فالتهمته تهم الفساد، وسوء إدارته لمجالس الوزراء، وعنجهيته ورعونته وقراراته التي لا تمت بأي صلة إلى منطق الدولة، فضلا عن المنطق الديمقراطي، وهو ما جعله “يسقط” سياسيا، ويدخل الحكومة والمسار السياسي في أزمة لم تكن البلاد مستعدّة لها مطلقا، لا سياسيا ولا اجتماعيا واقتصاديا، ولا حتى من حيث وضعها في علاقة بالإقليم المتوتر من حولنا.
ورغم أنّ أسلوب المشيشي، لا يبدو مثل أسلوب صنوه، الفخفاخ، فإنّ المخاوف المسجّلة صلب الأحزاب وعديد الكتل البرلمانية، تتمثل في محدودية تجربته في الدولة، وعدم توفره على تراكمات في مجال إدارة الاختلاف والتنوع، اللذين باتا من سمات الحكومات بعد الثورة.
وترى الكتلة الديمقراطية (38 نائبا)، أنّ خيار حكومة كفاءات هو الأسلم لهذه المرحلة، إلا إذا اختار المشيشي، تشكيل حكومة سياسية، من دون حركة النهضة، وهو ما تدفع باتجاهه الكتلة، ممثلة بــ “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب”، اللذين يراهنان على استبعاد النهضة من الحكم، مستفيدين من علاقاتهما برئيس الجمهورية، وموقفه النقدي من الأحزاب، وهو الذي ما فتئ يوجه إليها الرسائل السياسية، التي تفيد عدم تحمسه للأشكال الحزبية الراهنة، وللنظام السياسي القائم على “البرلماني المعدّل”..
ومعلوم، أنّ المشيشي، يحتاج إلى 109 أصوات، من أصل 217 مقعدا، من أجل مرور حكومته عبر البرلمان..
تطورات تحيط بموقف رئيس الجمهورية
لكن هل سيكون موقف رئيس الجمهورية، حاليا، وبعد التطورات الحاصلة في مستوى وضعه (الانقلاب الذي تم التخطيط له على شرعيته)، وعلاقته المتوترة ببعض الأنظمة الأوروبية “المورطة” ــ وفق بعض المعلومات المسربة ــ في عملية التخطيط لما وصفه السيد قيس سعيّد ذاته بــ “الانقلاب على الشرعية”، إضافة إلى التطورات المسجلة في علاقة بالإقليم (ليبيا والجزائر)، هو ذات الموقف الذي اتخذه قبل بضعة أشهر ؟؟
هنا، يرى مراقبون، أن التقارب الحاصل بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، و”اللقاءات السرية”، أو غير المعلنة التي تمت بين الرجلين، قد تكون وضعت أسسا لعلاقة مستقبلية، بعيدا عن أي توتر بين المؤسستين التشريعية والرئاسية، وهو ما يفسّر إلى حدّ كبير، “الاجتماع المستعجل” الذي دعا إليه المشيشي، راشد الغنوشي منذ يومين، وسط تسريبات تشير إلى فرضية توصل الطرفين إلى سيناريو التشكيل الحكومي، من حيث الفكرة الرئيسية والأفق المستقبلي، خاصة في علاقة بمجلس نواب الشعب، والأعلبية البرلمانية التي يجري تشكيلها، والتي قد تكون جهة الإسناد الأساسي لرئيس الحكومة المكلف، من أجل التوصل إلى منجز اجتماعي واقتصادي وتشريعي وسياسي خلال السنوات الأربع المقبلة من العهدة البرلمانية الراهنة.
السيناريو المكلف
لكنّ السيناريو الذي يبقى عنوانا بديلا لهذين الخيارين، هو الدفع باتجاه انتخابات سابقة لأوانها، وهو الذي تخشاه عديد الأحزاب والأشخاص والكتل، التي صعدت إلى البرلمان، وتشكلت بشقّ الأنفس، وقد لا تتاح لها فرصة التواجد مجددا بالبرلمان، إذا ما تم الذهاب إلى انتخابات جديدة.
ويبدو ــ وفق بعض المراقبين ــ أنّ هذا السيناريو، سيكون مكلفا للبلاد، التي ستكون معطلة إلى درجة كبيرة، لبضعة أشهر، وهي التي تئنّ تحت وطأة العطل الاقتصادي، والبؤس الاجتماعي، وتآكل الطبقة المتوسطة، والتباعد البيّن بين طبقة الأثرياء، وغالبية الشعب التونسي، بالإضافة إلى مستويات التراجع الاقتصادي والمالي، وتدهور الدينار التونسي، والضعف الملحوظ في حجم الاستثمارات الجديدة في البلاد منذ سنوات عديدة، وغيرها من المؤشرات التي لا تشجّع على المضي باتجاه انتخابات سابقة لأوانها..
فأي السيناريوهات سيختار المشيشي؟
بعض التسريبات القادمة من قصر الضيافة بقرطاج، تشير إلى إمكانية أن يتجه رئيس الحكومة المكلف، إلى كومة من وزراء تكنوقراط، وآخرين من مقترحات الأحزاب، بمساندة أوسع نطاق ممكن من الأغلبية البرلمانية، ليبقى السؤال المطروح حول برنامج هذه الحكومة، و”مادّة عملها” خلال المرحلة المقبلة..
يذكر أنّ هشام المشيشي، شرع منذ يوم 28 جويلية الماضي، في إجراء مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، و “في حال الفشل (في تشكيل الحكومة)، يتم حل البرلمان من قبل رئيس الدولة”، وفق ما ينص عليه الفصل 89 (فقرة أخيرة).
وفيما يلي التركيبة الكاملة للكتل البرلمانية:
ـــ كتلة حركة النهضة – 54 نائبا
ـــ الكتلة الديمقراطية – 38 نائبا
ـــ كتلة قلب تونس – 27 نائبا
ـــ كتلة ائتلاف الكرامة – 19 نائبا
ـــ كتلة الحزب الدستوري الحر – 16 نائبا
ـــ كتلة الإصلاح الوطني – 16 نائبا
ـــ الكتلة الوطنية – 11 نائبا
ـــ كتلة تحيا تونس – 11 نائبا
ـــ كتلة المستقبل – 9 نوّاب
ـــ غير المنتمين – 16 نائبا.